وقــفة بــــين عامــــين
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما
ألهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
أما
بعد، فاتَّقوا الله واشكروه على ما أولاكم من الإنعام وطوَّل، وقصِّروا الأمَل،
واستعدّوا لبغتةِ الأجل، فما أطال عبدٌ الأمَلَ إلا أساءَ العمل، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ
نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أحـبتي:
إننا سنستقبل عاما ميلاديا جديدا وليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله، أو نعتاد التهاني
عن طريق المشافهة أو الرسائل ببلوغه، فليس الغبطة بكثرة السنين، وإنما الغبطة بما
أمضاه العبد في طاعة مولاه.. جاء في الأثر: " خَيْرُ
النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ
عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ " .
أحبتي: وإن لنا مع نهاية العام وقفة تأمل.. إذ معه انطواء عام من عمر
الإنسان، وكلما انتهى عام وأقبل عام تجدنا غافلين لاهين، لم نتأمل أن هذا الأيام التي
انقضت هي من أعمارنا، ولم نتفكر في أن هذه الأيام نقص من حياتنا. الموفَّق فيها من كان من أهل الإعتبار، إذ
الأيام التي تنقضي لا ترجع، ومواسم الخير والغنائم ربما لا تدرك، وكلما تقدم بنا
الزمن كان تقارب الزمان أسرع، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) النور:44
أحبتي:
إن لكل شيء
بداية ونهاية، ونهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذن عامنا بالرحيل وولى
الأعقاب، اثنا عشر شهرًا، عام كامل تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله، وها هو يلفظ أنفاسه
الأخيرة، يودعنا إلى الآخرة، وقد حوى بين جنبيه وفي خزائنه ما حوى، من الحِكم
والعبر، والأحداث والغير، وأعمال الخير والشر، فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من
أناس، وكم سعد فيه من آخرين!! كم من طفل قد تيتم، وكم من امرأة قد ترملت، وكم من
متأهل قد تأيم!! كم من مريض قوم قد تعافى، وسليم قوم في التراب توارى!! كم من أهل
بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم!! دار تفرح بمولود، وأخرى تعزى بمفقود!! كم
من دموع فرحٍ في العيون ترقرقت، وعبرات حزن على الخدود تحدرت، آلام تنقلب أفراحًا،
وأفراح تنقلب أتراحًا، أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها
كالأيام.
إنـا لنفـرح بالأيام نقطعـها *** وكل
يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا ***
فإنما الربح والخسران في العمل
أيها الأكارم: إننا نودع عاما مضى شاهدا علينا بما أودعنا
فيه من الحسنات والسيئات، وبما عملنا فيه من الباقيات الصالحات، وبما ارتكبنا فيه
من المعاصي والمخالفات.
نودع عاما
مضى من أعمارنا سوف يسألنا الله عنه، ونستقبل عاما جديدا لا ندري كم لنا فيه من
الليالي والأيام؟.
ونستقبل ـ إن شاء الله ـ عاما جديدا يقربنا من الآخرة، ويبعدنا عن الدنيا. فيا ليت شعري ما الذي أودعناه في العام الماضي؟. إن أقواما منا أودعوا خطايا وسيئات، وأقواما أودعوا تركاً للصلوات، وتضييعاً للجمع والجماعات، وتفريطاً في الواجبات، وسهراً في المقاهي والمنتديات، وأقواما منا أودعوا تعاطياً للخمور والمسكرات والمخدرات، وأقواما منا أودعوا أكلاً للربا وأخذاً للرشوة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، وأقواما منا أودعوا إنتاجاً في اللهو وإنتاجاً في الغفلة وتعاوناً على الإثم والعدوان. إنَّ أقواماً أودعوا مثل هذه الأعمال في العام الذي مضى، لقوم خابوا وخسروا.
ونستقبل ـ إن شاء الله ـ عاما جديدا يقربنا من الآخرة، ويبعدنا عن الدنيا. فيا ليت شعري ما الذي أودعناه في العام الماضي؟. إن أقواما منا أودعوا خطايا وسيئات، وأقواما أودعوا تركاً للصلوات، وتضييعاً للجمع والجماعات، وتفريطاً في الواجبات، وسهراً في المقاهي والمنتديات، وأقواما منا أودعوا تعاطياً للخمور والمسكرات والمخدرات، وأقواما منا أودعوا أكلاً للربا وأخذاً للرشوة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، وأقواما منا أودعوا إنتاجاً في اللهو وإنتاجاً في الغفلة وتعاوناً على الإثم والعدوان. إنَّ أقواماً أودعوا مثل هذه الأعمال في العام الذي مضى، لقوم خابوا وخسروا.
وإنَّ
أقواماً آخرين بارك الله في أعمارهم، أودعوا حفاظاً على الصلوات، وتركاً للمعاصي
والمنكرات، أودعوا صياماً بالنهار وتلاوة بالأسحار، واستغفاراً وذكراً في الصباح
والمساء، واجتهادا في الطاعة وبعداً عن المعصية وعمارة لبيوت الله، إنَّ أقواماً
هذا صنيعهم لهم قوم فازوا وربحوا.
فأي الفريقين
أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟. أي الفريقين أحق بالطمع في حسن العاقبة والخاتمة؟.
يا
رعاكم الله: كم حصلت من أحداث وكم مرت بنا من عبر فلا من مدكر ولا من معتبر!! فمن
أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو
نهايته، وهو مع ذلك لاهٍ غافلٍ لا يحسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، يؤمّل
الآمال، ويبني في الخيال، كم رأينا في هذه الحياة من بنى، وسكن غيره، وجمع ثم أكل
وارثه، وتعب واستراح من بعده، فيا عبدَ الله: استدرِك من العمر ذاهبًا، ودع اللهو
جانبًا، وقم في الدُّجى نادِبًا، وقف على الباب تائبًا، فعن أبي موسى الأشعريّ
-رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله: "إنَّ الله
-عزّ وجلّ- يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء
الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها". أخرجه مسلم.
أيها
الأكارم: إن لكل شيء بداية ونهاية، ونهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذن
عامنا بالرحيل وولى الأعقاب، اثنا عشر شهرًا، عام كامل تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله،
وها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يودعنا إلى الآخرة، وقد حوى بين جنبيه وفي خزائنه ما
حوى، من الحِكم والعبر، والأحداث والغير، وأعمال الخير والشر، فلا إله إلا الله. والعاقل
من اتعظ بأمسه، واجتهد لرمسه، والليالي والأيام خزائن الأعمال ومراحل الآجال، تبلي
الجديد وتقرّب البعيد، أيام تمر فإذا هي أعوام، وأقوام تمضي في إثر أقوام، هذا
مقبل وهذا مدبر، وهذا محسن، وهذا مسيء، والكل إلى الله يسير، فإليه المنتهى
والمصير.
قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟
قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل:
إنا لله و إنا إليه راجعون. قال الفضيل : أتعرف تفسيره، تقول: إنا لله و إنا إليه
راجعون!. فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه
موقوف، فليعلم أنه مسئول. فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟. قال:
يسيرة. قال: ما هي؟ قال : تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي،
أُخذت بما مضى وما بقي، والأعمال بالخواتيم.
نسأل الله أن يحسن ختامنا وإياكم.. وأن يختم
لنا بجنات عرضها السماوات والأرض.. اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من
خِزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا
دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة
زيادةً لنا في كل خير، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الحياة زيادةً
لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك،
وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك. (رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ) [البقرة: 201]. وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ا