27 ديسمبر 2012






وقــفة بــــين عامــــين

     الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
   أما بعد، فاتَّقوا الله واشكروه على ما أولاكم من الإنعام وطوَّل، وقصِّروا الأمَل، واستعدّوا لبغتةِ الأجل، فما أطال عبدٌ الأمَلَ إلا أساءَ العمل، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
   أحـبتي: إننا سنستقبل عاما ميلاديا جديدا وليس من السنة أن نحدث عيدا لدخوله، أو نعتاد التهاني عن طريق المشافهة أو الرسائل ببلوغه، فليس الغبطة بكثرة السنين، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد في طاعة مولاه.. جاء في الأثر:  " خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ " .
    أحبتي: وإن لنا مع نهاية العام وقفة تأمل.. إذ معه انطواء عام من عمر الإنسان، وكلما انتهى عام وأقبل عام تجدنا غافلين لاهين، لم نتأمل أن هذا الأيام التي انقضت هي من أعمارنا، ولم نتفكر في أن هذه الأيام نقص من حياتنا. الموفَّق فيها من كان من أهل الإعتبار، إذ الأيام التي تنقضي لا ترجع، ومواسم الخير والغنائم ربما لا تدرك، وكلما تقدم بنا الزمن كان تقارب الزمان أسرع، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) النور:44   
   أحبتي: إن لكل شيء بداية ونهاية، ونهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذن عامنا بالرحيل وولى الأعقاب، اثنا عشر شهرًا، عام كامل تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله، وها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يودعنا إلى الآخرة، وقد حوى بين جنبيه وفي خزائنه ما حوى، من الحِكم والعبر، والأحداث والغير، وأعمال الخير والشر، فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من أناس، وكم سعد فيه من آخرين!! كم من طفل قد تيتم، وكم من امرأة قد ترملت، وكم من متأهل قد تأيم!! كم من مريض قوم قد تعافى، وسليم قوم في التراب توارى!! كم من أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم!! دار تفرح بمولود، وأخرى تعزى بمفقود!! كم من دموع فرحٍ في العيون ترقرقت، وعبرات حزن على الخدود تحدرت، آلام تنقلب أفراحًا، وأفراح تنقلب أتراحًا، أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام.
إنـا لنفـرح بالأيام نقطعـها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا *** فإنما الربح والخسران في العمل
  أيها الأكارم: إننا نودع عاما مضى شاهدا علينا بما أودعنا فيه من الحسنات والسيئات، وبما عملنا فيه من الباقيات الصالحات، وبما ارتكبنا فيه من المعاصي والمخالفات.  
نودع عاما مضى من أعمارنا سوف يسألنا الله عنه، ونستقبل عاما جديدا لا ندري كم لنا فيه من الليالي والأيام؟.
    ونستقبل ـ إن شاء الله ـ عاما جديدا يقربنا من الآخرة، ويبعدنا عن الدنيا. فيا ليت شعري ما الذي أودعناه في العام الماضي؟.  إن أقواما منا أودعوا خطايا وسيئات، وأقواما أودعوا تركاً للصلوات، وتضييعاً للجمع والجماعات، وتفريطاً في الواجبات، وسهراً في المقاهي والمنتديات، وأقواما منا أودعوا تعاطياً للخمور والمسكرات والمخدرات، وأقواما منا أودعوا أكلاً للربا وأخذاً للرشوة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، وأقواما منا أودعوا إنتاجاً في اللهو وإنتاجاً في الغفلة وتعاوناً على الإثم والعدوان. إنَّ أقواماً أودعوا مثل هذه الأعمال في العام الذي مضى، لقوم خابوا وخسروا.
   وإنَّ أقواماً آخرين بارك الله في أعمارهم، أودعوا حفاظاً على الصلوات، وتركاً للمعاصي والمنكرات، أودعوا صياماً بالنهار وتلاوة بالأسحار، واستغفاراً وذكراً في الصباح والمساء، واجتهادا في الطاعة وبعداً عن المعصية وعمارة لبيوت الله، إنَّ أقواماً هذا صنيعهم لهم قوم فازوا وربحوا.
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟. أي الفريقين أحق بالطمع في حسن العاقبة والخاتمة؟.
     يا رعاكم الله: كم حصلت من أحداث وكم مرت بنا من عبر فلا من مدكر ولا من معتبر!! فمن أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لاهٍ غافلٍ لا يحسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، يؤمّل الآمال، ويبني في الخيال، كم رأينا في هذه الحياة من بنى، وسكن غيره، وجمع ثم أكل وارثه، وتعب واستراح من بعده، فيا عبدَ الله: استدرِك من العمر ذاهبًا، ودع اللهو جانبًا، وقم في الدُّجى نادِبًا، وقف على الباب تائبًا، فعن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله: "إنَّ الله -عزّ وجلّ- يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها". أخرجه مسلم.
    أيها الأكارم: إن لكل شيء بداية ونهاية، ونهاية عامنا قد أوشكت على الاقتراب، فقد آذن عامنا بالرحيل وولى الأعقاب، اثنا عشر شهرًا، عام كامل تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله، وها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يودعنا إلى الآخرة، وقد حوى بين جنبيه وفي خزائنه ما حوى، من الحِكم والعبر، والأحداث والغير، وأعمال الخير والشر، فلا إله إلا الله. والعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد لرمسه، والليالي والأيام خزائن الأعمال ومراحل الآجال، تبلي الجديد وتقرّب البعيد، أيام تمر فإذا هي أعوام، وأقوام تمضي في إثر أقوام، هذا مقبل وهذا مدبر، وهذا محسن، وهذا مسيء، والكل إلى الله يسير، فإليه المنتهى والمصير.
      قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله و إنا إليه راجعون. قال الفضيل : أتعرف تفسيره، تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون!. فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول. فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟. قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال : تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي، والأعمال بالخواتيم.  
     نسأل الله أن يحسن ختامنا وإياكم.. وأن يختم لنا بجنات عرضها السماوات والأرض.. اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


     ا

26 ديسمبر 2012



الموضوع: ظاهرة انتشار الطلاق
الخطبة الأولى
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما". وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
   أما بعد: فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق التقوى، وتمسّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي، فإن أقدامكم على النار لا تقوى. واعلموا أن الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
      عباد الله: يحكي واقع كثير من الناس اليوم صورا شتّى من اللامبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام وثمراته، ترى الكلمة تخرج من فم المرء لا يلقى لها بالا، ربما أهوت به في مسالك الضياع والرذيلة، استحقر بعضهم حجم الكلمات، واستنكف عن معانيها، وما علم أولئك أن الحرب مبدأها الكلام!.
  أيها الناس: أيستغرب أحدكم لو قيل له إن كلمة من الكلمات تكون معولا صلبا يهدم به صرح أسر وبيوتات؟.
 أيستغرب أحدكم لو قيل له إن كلمة من الكلمات تحرك أفراد وجماعات، وتنشئ تزلفا وشفاعات، لرأب ما صدعت، وجمع ما فرقت؟.
  إنها: كلمة الطلاق.. وما أدراك ما الطلاق؟. كلمة أبكت عيونا، وأجهشت قلوبا، وروّعت أفئدة، قطّعت أواصر، وهدّمت بيوتا !.
     أيها المسلمون: الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة الزوجين إليها حينما يتعذر العيش تحت ظل سقف واحد، فإذا بلغ النفور مبلغا يصعب معه التودد. فالواجب أن يفترقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد، قال تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته، وكان الله واسعا حكيما ". النساء: 130.
   عباد الله: إن الله لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنّان أنهما مخلوق واحد، يعيشان في أوهام، إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكّر برأسه، وكيف تريد منه هي أن يحس بقلبها؟ .
إن النسيم لا يهب عليلا داخل البيت على الدوام، فقد يتعكّر الجو، وقد تثور الزوابع، وإن ارتقاب الراحة نوع وهم، ومن العقل توطين النفوس على قبول بعض المناقشات، قال تعالى: "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا". وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر". رواه مسلم.
    وإن المتأمل في الشريعة الإلهية، وكيف عالجت المشكلات الزوجية بين المرء وزوجه لَينبهر بدقة التشريع الإسلامي في هذا الشأن، فلقد أغلقت جميع المنافذ التي تؤدي للطلاق وتأخيرها وإعطاء أكثر من فرصة للزوجين ليراجعا نفسيهما قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة..  
   ولكن للأسف ..تهاونَ كثير من الناس في أمر الطّلاق وجعلوه أمرًا ميسورًا، وإنها لأرقام مفزعة كشف عنها معالي وزير العدل حافظ الأختام يوم الخميس حيث ذكر أنه تمّ تسجيل 68284حالة طلاق في الجزائر ، وبعملية حسابية بسيطة تعد ما يزيد على 187حالة طلاق في اليوم الواحد تقريبا، بمعنى ما معدله 8 حالات طلاق في الساعة الواحدة، (جريدة أخبار اليوم العدد: 3241 يوم: 06 يناير 2018)، وإن بلوغ المجتمعِ هذه الأرقام في حالات الطلاق مخيف ومرعب قد يخلطُ الأوراق لإعادة النظر في حلول مجدية.  
فهلّأ تساءلنا لماذا كثر الطلاق في أيامنا هذه؟  
* نعم كثر الطلاق.. لأن كثيرا من الأسر تعاني افتقارا حادا في الحنان الزوجي، نظرا لطبيعة حياتهم التي تعتمد على كثرة المشاغل والبروتوكولات التي أضفت علاقة رسمية آلية بين الزوجين.  
   * نعم كثر الطلاق.. بسبب الذهنيات الخاطئة للزوجين عن الأسرة والزواج بتماديهم في الأحلام المزيفة وتقليدهم للأفلام المدبلجة فيسقطون عند أول مشكل..  
* نعم كثر الطلاق... بسبب موضة مواقع التواصل الاجتماعي فتجد الزوج يغازل مئات الفتيات ويكوّن علاقات افتراضية مع النساء، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة وهذا ما يتسبب في غالب الأحيان في الخيانات الإلكترونية التي تتطور إلى خيانات واقعية فتحدث بعد ذلك الفضيحة وينشأ الطلاق..  
  * نعم كثر الطلاق.. لأن المرأة باتت أكثر جرأة باعتقادها أنها قادرة على تسيير حياتها ورعاية أبنائها دون الحاجة إلى رجل، فعند أي خلاف زوجي تجد المرأة في كثير من الأحيان هي من تطلب الخلع أو الطلاق دون اعتبار لأي أحد، لأن عملها وشهادت يعتبران بالنسبة إليها بمثابة الأمان..  
  * نعم كثر الطلاق.. بسبب التعديلات التي مست قانون الأسرة لسنة 2005، فلقد كانت المرأة الجزائرية في وقت سابق لا تلجأ لطلب الخلع "التطليق" إلا إذا بلغت أقسى مراحل المعاناة، وكانت تصبر في أحلك الفترات خوفا من الوقوع في أبغض الحلال، أما اليوم فحتى عجوز في عقدها السادس تستجمع قواها وتقررت تطليق زوجها وبأي حجة زينها لها شيطانها..  
   * نعم كثر الطلاق... لكثرة الحسّاد والوشاة، فنكّسوا الطّباع وعكسوا الأوضاع، وصيروا أسباب المودة والإلتئام عللا للتباغض والإنقسام.. وكثيرا ما يكون. لأهل الزوجين مواقف ظاهرة بدت سببا مباشرا في كثير من الخلافات، فقد يتدخل الأب أو الأم أو الأخ، فيحتار الزوج من يقدّم، والديه وقد عرفاه وليدا وربياه صغيرا، أم زوجته التي هجرت أهلها وفارقت عشّها من أجله؟.
     إن هذه لمرتقات صعبة، أهونها أصعب الصعاب، وأحلاها أمرّ من المرّ. لقد سئل الإمام أحمد رحمة الله عليه عن ذلك، قال له رجل: إن أبي يأمرني بطلاق امرأتي؟. قال: لا تطلقها. قال: أليس عمر – رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: "حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه"!. فمثل مثل هذه التدخلات في الحياة الزوجية لهي مكمن الخطر لدى كثير من الأسر، ما بالهم يهجمون على البيوت، فيأتونها من ظهورها، ويمزقون ستارها؟. إنه لا يغيب عن فهم عاقل إن شرّ هؤلاء مستطير وإن ما يفعلونه فتنة وفساد كبير!.
* نعم كثر الطلاق.. لأن معظم الشرور والنكبات التي أصابت الأسر، والبلايا التي حلت بها، كانت بسبب ضعف التدين، لأنه متى كان الدّين بين كل زوج زوجته، فمهما اختلفا وتدابرا وتعقدت نفساهما، فإن كل عقدة لا تجيء إلا ومعها الحل: "ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه". وهو اليسر والمساهلة والرحمة والمودة..  
* نعم كثر الطلاق وذلك لأن بيوتات كثيرة فقدت روح التديّن، فهي تتنفس في جو من الشراسة والنكد، واكتنفتها أزمات عقلية وخلقية  واجتماعية، فقد تطلق المرأة  في رطل لحم علق الرجل به طلاقها إن قامت بشرائه، أو كونها لم تهيئ له طعاما، أولم تغسل  له ثوبا، أو قد تأخذه حماقة وسفاهة أثناء مغالطة في بيع أو شراء أو أخذ أو عطاء، أو منازعة في بعض الأمور التافهة التي لا تهدف إلى شيء، فيطلق زوجته وهي غافلة من غير ما سبب ولا ذنب، ربما طلق ثلاثا -طلاقا محرما نهى الله ورسوله عنه - جمع الطلاق بلفظ واحد في آن واحد– لم يترك للصلح موضعا، خالف أمر الله، وعصى رسول الله، وأطاع الشيطان فيما يحبه ويتمناه. وبعد ذلك يسعى بكل جهده لمحاولة الإرتجاع، فيذهب إلى ذلك الإمام، ويعود إلى هذا المفتي، لعله يجد مخرجا، وهو لم يتق الله. لقد كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثا، قال: "لو اتقيت الله، جعل لك مخرجا ". لا يزيده على ذلك.
  ** وبعد، أيها المسلمون: فأسباب الطلاق في مجتمعنا كثيرة ومتعدة، ولكن هذا ما سمحت به هذه المساحة المحدودة هنا وبعضها على الصورة المصاحبة، للتنبيه على العلاج والدواء فإن المرض إذا عرف سببه أمكن علاجه بإذن الله. والبعدُ عن هذه الأسباب واجتنابها والتحلي بما يضادها مما يوافق الشرع الخلق الكريم كفيل إن شاء الله باستمرار الحياة الزوجية السعيدة وتجاوز ما يعترض طريقها من العقبات التي لا يكاد يخلو منها عش الزوجية، فإن كل عقدة لا تجيء إلا ومعها الحل: "ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه".  وهو اليسر والمساهلة والرحمة والمودة.
قال صلـى الله عليه وسلم: "خيـركم خيركم لأهله، وأنـا خيركم لأهلي". وقال: "أظفر بذات الدين تربت يداك"، وثمرة الدين تظهر في مثل ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، قول عائشة رضي الله عنها: "يا معشر النساء لو تعلمنّ بحق أزواجكنّ لجعلت المرأة منكنّ تمسح الغبار عن وجه زوجها بنحر وجهها". ألا ما أحمق المرأة تسيء معاملة زوجها، وما أجهل الرجل يسيء معاشرة امرأته !.
     فتذكروا – هذا عباد الله – واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الخطبة الثانية
   الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله.
     أما بعد: فيا عباد الله، إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور. بعيدة الآماد. فرحم الله رجلا محمود السيرة، طيب السريرة، سهلا رفيقا لينا رؤوفا رحيما بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططا، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطا، ولا تحدث عنده لغطا. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان: "إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت المن أي أبواب الجنة شاءت".
وزوجة المرء عون يستعين به * على الحياة ونور في دياجيها
مسلاة فكرته إن بات في كـــدرٍ * مدّت له تواسه أياديـــها
في الحزن فرحته تحنو فتجعــــله
* ينسى آلاماً قد كان يعافيها
وزوجها يدأب في تحصيل عيشه
* دأباً ويُجهد منه النفس يشقيها
إن عاد للبيت وجد ثغر زوجــــته
* يَفْتُرُ عمّا يسُّر النفس يُشفيها
وزوجُــــها مَلِكٌ، والبيت مملكةٌ *والحب عطر يسري في نواحيها
   اللهم إنا نسألك أن تهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، اللهم ألف بين كل أخ وأخيه، وكل زوج وزوجته، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، اللهم ووفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين..