الكلمة الحسنة
قال تعالى في محكم التنزيل :
" وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوّا مبينا".
سورة الإسراء: 53
اعلموا ـ إخواني وفقني الله وإياكم للرشاد ـ ـ أن من أعظم نعم الله علينا نعمة ( اللسان ) ذلك العضو الصغير في حجمه, العظيم عند الله عز وجل, يقول الله عز وجل ـ يُعدد ويذكر ابن آدم بنعمه: ( ألم نجعل له عينين ـ ولساناً وشفتين, وهديناه النجدين ـ فلا اقتحم العقبة )
يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: "وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )، وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر، وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.
فالله عزّ وجلّ يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا أقوالاً تعرب عن حسن النية وعن نفوس زكية. وأوتوا في ذلك كلمة جامعة وهي:( يقولوا التي هي أحسن ) .يقول ابن كثير رحمه الله: (فإن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم ، وأخرج الكلام إلى الفعال ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإن الشيطان عدو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم ، فعداوته ظاهرة بينة، ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة فإن الشيطان ينزغ في يده أي فربما أصابه بها).
و ( التي هي أحسن ) صفة لمحذوف يدل عليه فعل ( يقولوا) تقديره : بالتي هي أحسن . وليس المراد مقالة واحدة. واسم التفضيل مستعمل في قوة الحسن. ونظيره قوله: (وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل: 125 ]، أي بالمجادلات التي هي بالغة الغاية في الحسن، فإن المجادلة لا تكون بكلمة واحدة. وقال تعالى:(وقولوا للناس حسنا) أي قولا حسنا بخفض الجناح ولين الجانب مع الكلام الطيب. ومن اللطائف في هذه الآية :(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً ). قال أهل العلم: (والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن). وقد أحسن أحمد الكيواني حيث قال:
و ( التي هي أحسن ) صفة لمحذوف يدل عليه فعل ( يقولوا) تقديره : بالتي هي أحسن . وليس المراد مقالة واحدة. واسم التفضيل مستعمل في قوة الحسن. ونظيره قوله: (وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل: 125 ]، أي بالمجادلات التي هي بالغة الغاية في الحسن، فإن المجادلة لا تكون بكلمة واحدة. وقال تعالى:(وقولوا للناس حسنا) أي قولا حسنا بخفض الجناح ولين الجانب مع الكلام الطيب. ومن اللطائف في هذه الآية :(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً ). قال أهل العلم: (والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن). وقد أحسن أحمد الكيواني حيث قال:
من يغرس الإحسان يجنِ محبة...دون المسيء المبعد المصروم
أقلّ العثار تفز، ولا تحسد، ولا ... تحقد، فليس المرء بالمعصوم
أقلّ العثار تفز، ولا تحسد، ولا ... تحقد، فليس المرء بالمعصوم
أقول: هذا تأديب عظيم للمؤمنين في مراقبة اللسان وما يصدر منه . وفي الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأعمال تدخله الجنة، ثم قال له: ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: كُفّ عليك هذا. قال: قلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : ثكلتك أمك، وهل يَكُب الناسَ في النار على وجوههم ، أو قال على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم .والمقصد الأهم من هذا التأديب تأديب الأمة في معاملة بعضهم بعضاً بحسن المعاملة وإلانةِ القول ، لأن القول ينم عن المقاصد ، بقرينة قوله : (إن الشيطان ينزغ بينهم ). وفي الصحيحين من حديث سهل بن حنيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ، ولكن ليقل: لقست نفسي " .. وخبثت ولقست متقاربة المعنى .
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ ( الخبث ) لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه، وإن كان بمعناه تعليماً للأدب في المنطق، وإرشاداً إلى استعمال الحسن وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال.وقد قرأت في موطإ الإمام مالك رحمه الله عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا بالطريق فقال له: أنفذ بسلام، فقيل له تقول هذا لخنزير. فقال عيسى بن مريم: إني أخاف أن أعود لساني المنطق بالسوء .
فالإنسان العاقل هو القادر على التحكم بلسانه وألفاظه، أما الأحمق فهو صاحب اللسان السائب، وهو مربوط بحبل الشيطان يجره كيفما يشاء ومتى شاء. قال صلى الله عليه وسلم: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه. فعليك ـ أخي المسلم ـ أن تعود لسانك الألفاظ الجميلة والتعبير الحسن واللفظ الرقيق، لأن الكلمة الطيبة تأسر القلوب، وهي أسرع بريد للقلوب, فكم من حروب وفتن كانت بسبب كلمة لم يلق لها بالا صاحبها. في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) وخرجه الترمذي ولفظه :( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار) .
إنّ بعض الناس إذا تكلم فكأنما ينثر على محدثه الورد والياسمين، فلا تسمع منه إلا جميل القول، وجيد العبارة، وكأنما يعد كلامه عدا، فلا تخرج منه كلمة جافيه، ولا عبارة نابيه. وبعض الناس ـ للأسف ـ إذا تكلم فكأنما يقذف في وجهك نارا، أو يرميك بالحجارة، فكلماته شرّ من لدغ الثعبان تحمل بين حروفها السم الناقع. قال سفيان الثوري رحمه الله: لأن ترمي إنسانا بسهم أهون من أن ترميه بلسانك. فإن السهم قد يخطئه واللسان لا يخطئه..
وانظروا ـ يارعاكم الله ـ إلى سلف هذه الأمة كيف كانوا يختارون ألفاظهم، وكيف كانوا ينتقون كلماتهم كما ينتقون أطايب الثمر. فهذا عمر - رضي الله عنه - خرج يعس في المدينة بالليل، فرأى ناراً موقدةً في خباء، فوقف وقال: يا أهل الضوء. وكره أن يقول يا أهل النار. وسئل العباس أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ،وأنا ولدت قبله. وكان لبعض القضاة جليس أعمى، وكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام، اذهب مع أبي محمد، ولا يقول خذ بيده. قال: والله ما أخل بها مره. ومن ذلك ـ أيضاـ أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه ؟ قال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أم الرشيد.
إنّ بعض الناس إذا تكلم فكأنما ينثر على محدثه الورد والياسمين، فلا تسمع منه إلا جميل القول، وجيد العبارة، وكأنما يعد كلامه عدا، فلا تخرج منه كلمة جافيه، ولا عبارة نابيه. وبعض الناس ـ للأسف ـ إذا تكلم فكأنما يقذف في وجهك نارا، أو يرميك بالحجارة، فكلماته شرّ من لدغ الثعبان تحمل بين حروفها السم الناقع. قال سفيان الثوري رحمه الله: لأن ترمي إنسانا بسهم أهون من أن ترميه بلسانك. فإن السهم قد يخطئه واللسان لا يخطئه..
وانظروا ـ يارعاكم الله ـ إلى سلف هذه الأمة كيف كانوا يختارون ألفاظهم، وكيف كانوا ينتقون كلماتهم كما ينتقون أطايب الثمر. فهذا عمر - رضي الله عنه - خرج يعس في المدينة بالليل، فرأى ناراً موقدةً في خباء، فوقف وقال: يا أهل الضوء. وكره أن يقول يا أهل النار. وسئل العباس أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ،وأنا ولدت قبله. وكان لبعض القضاة جليس أعمى، وكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام، اذهب مع أبي محمد، ولا يقول خذ بيده. قال: والله ما أخل بها مره. ومن ذلك ـ أيضاـ أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه ؟ قال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أم الرشيد.
احفظ لسانك أيها الإنسان...لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه ...كانت تهاب لقاءه الأقران
وفّقني الله و إيّاكم لخيرَيْ القول و العمَل، و عصمنا من الضلالة و الزلل، و صلّى الله و سلّم و بارك على نبيّّّه محمّد و آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد". البلد :4
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره :قال علماؤنا : أول ما يكابد قطع سرته , ثم إذا قمط قماطا , وشد رباطا , يكابد الضيق والتعب , ثم يكابد الإرتضاع , ولو فاته لضاع , ثم يكابد نبت أسنانه , وتحرك لسانه , ثم يكابد الفطام , الذي هو أشد من اللطام , ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان , ثم يكابد المعلم وصولته, والمؤدب وسياسته , والأستاذ وهيبته , ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه , ثم يكابد شغل الأولاد , والخدم والأجناد , ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور , ثم الكبر والهرم , وضعف الركبة والقدم في مصائب يكثر تعدادها , ونوائب يطول إيرادها , من صداع الرأس , ووجع الأضراس , ورمد العين , وغم الدين , ووجع السن , وألم الأذن . ويكابد محنا في المال والنفس , مثل الضرب والحبس, ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة , ولا يكابد إلا مشقة , ثم الموت بعد ذلك كله , ثم مساءلة الملك , وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله , إلى أن يستقر به القرار , إما في الجنة وإما في النار.سبحان الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {لقد خلقنا الإنسان في كبد }البلد :4
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصايا ثلاث
التواصي بالحق ، والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة .
بهذه الوصايا تكتمل مقومات المجتمع المتكامل قوامه الفضائل المثلى ، والقيم الفضلى . وفي لفظ التواصي دون الدعاء أو النصيحة تأكيد بليغ كأنه أمر مهتم به كالوصية . لأن الإنسان ينشط بالوعظ وينفعه اللحظ واللفظ. وفي هذا بيان لكمالهم وحبهم لتكميل غيرهم. لأن بالتواصي بالحق إقامة الحق ، والإستقامة على الطريق المستقيم . وبالتواصي بالصبر، يستطيعون مواصلة سيرهم على هذا الصراط، ويتخطون كل عقبات تواجههم. وبالتواصي بالمرحمة: يكونون مرتبطين كالجسد الواحد، وتلك أعطيات لم يعطها إلا القرآن.
هكذا يريد الإسلام أمة الإسلام. .. هكذا يريدها أمة خيِّرة قوية واعية قائمة على حراسة الحق والخير، متواصية بالحق والصبر والمرحمة في مودة ورحمة وتعاون وتآخ تنضح بها كلمة التواصي في القرآن.
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من المتواصين بهذه الصفات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالي في سور الاعراف الآية 199{{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }}
في هذه الآية: شبّه العفو بالوحشي الشّارد لتعسّر الاتّصاف به ثمّ استعمل الأخذ فيها استعارة تخييلية وترشيحاً لها والمراد منه أعمّ من الصّفح فإنّهما كالفقراء والمساكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا { وَأْمُرْ بالعرف } ولمّا لم يكن النّظر إلى خصوص المعفوّ عنه والمأمور بالمعروف أسقط المفعول بخلاف الإعراض فإنّه مختصّ بالجاهل ولذا قيّده فقال :
{ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وقد فسّر العفو في الخبر بالميسور من الأفعال والأخلاق وبالوسط من الأموال وهو من سعة وجوه القرآن، اعلم أنّ هذه الثّلاث أمّهات أخلاق المعاشرة ونتائج أمّهات الأخلاق الجميلة النّفسيّته فإنّ المعاشر إمّا معاند مسيء، وإمّا محبّ مقبل، وإمّا جاهل غير معاند وغير مقبل، وجميع آداب حسن المعاشرة مع المعاند مطويّة فى ترك مقابلة إساءته بالإنتقام وهو العفو وتخلية القلب من تذكّر سوء صنيعته وهو الصّفح وهما من نتائج الشّجاعة والعفّة والحكمة التي هي من أمّهات الخصائل، فإنّ الجبان لا يمكنه ترك الإنتقام وإن منع جبنه عن الإنتقام فلا يمكنه الصّفح، والمتهوّر لا يترك الإنتقام البتّة والعفيف تمنعه عفّته عن مطاوعة النّفس بخلاف الشّره، والحكيم يرى أنّ فى ترك الإنتقام راحةً فى العاجل ودرجة فى الآجل وكسراً لسورة عناد المعاند وجذباً للمحبّة والعدالة التي هي احدى أمّهات الخصائل أيضاً تقتضى ذلك، فإنّ إجمال العدالة إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه وحقّ النّفس مطاوعتها للعقل وحقّ المسيء إصلاحه حتّى يترك الإساءة لا انتقامه حتّى يزيد فى الإساءة، وآداب المعاشرة مع المقبل المحبّ مطويّة في إرادة خيره في كلّ حال وإرادة خيره بأن لا يتركه ونفسه بل يعرّفه معروفه ويأمره به وهو من نتائج الحكمة والعدالة، وآداب المعاشرة مع الجاهل الغير القابل للخير عدم معارضته وترك محادثته بخيره وهو من نتائج الحكمة والعدالة أيضاً وفى الخبر: أمر الله نبيّه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبحانه ..يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء
قال تعالى: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26"(سورة آل عمران) توضح لنا الآية الكريمة أن ملكية الله الدائمة القادرة واضحة وجلية، ومؤكدة.
ولو قال الله في وصف ذاته (ملك الملك) لكان معنى ذلك أن هناك بشراً يملكون بجانب الله، لا أنه الحق مالك الملك. ومادام الله هو مالك الملك فإنه يهبه لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء تأتي هذه الآيات بعد الحديث عن المحاجة، وبعد الحديث عن أهل الكتاب الذين دعوا إلي حكم الله، فتولى فريق منهم وأعرض عن حكم الله، وعللوا ذلك بادعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، كل هذه خيارات من لطف الله، وضعها أمام هؤلاء العباد، لكنهم لا يختارون إلا الاختيار السيئ، ولذلك يأتي الله بخبر اليوم الذي سوف يأتي، ولن يكون لأحد أي قدرة أو اختيار. أن كلمة الحق: تنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء "26"
لنتساءل: ما هو النزع؟ إنه القلع بشدة وقوة، لأن المَلِك أو الحاكم عادة ما يكون ماسكاً بكرسي الملك أوالحكم متشبثاً به، إنه متشبث ومتمسك بالحكم، لماذا؟ لأنها مغنم وربح لا تكليف وتبعات .
وليس سؤلاً للنفس. ماذا فعلت للناس؟ إن الذي يسهر على الناس ويتعب ويكد ويشقى ويحرص على حقوق الناس ، يجد أنّ الملك مغرم لا مغنم، سهر وتعب لارفاهية، لذلك يحاول أن يهرب من التمسك بالحكم والملك.
وتكفينا مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بحسب آل الخطاب أن يسأل منهم عن أمة محمد رجل واحد.
لماذا؟ لأن الحكم في الإسلام مشقة وتعب وحساب، فإذا تسلط هؤلاء وظلموا. فليسمعوا قول الحق سبحانه:" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء".
إن المؤمن عندما ينظر إلي الدول في عنفوانها وحضاراتها وقوتها، أو نجد أن حاكا فيها يسلب من الملك فيها على أهون سبب. إنه القدر الأعلى، عندما يريد فلا راد لقضائه، إن الحق إما أن يأخذه هو من الحكم وتنتهي المسألة:أو يأخذ الحكم منه: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء .. ومن أصدق من الله قيلا؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألا ما أسمح هذا الدين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألا ما أسمح هذا الدين!
قال الشيخ قطب رحمه الله في ظلال القرآن:
قال تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً } .
" ألا ما أسمح هذا الدين! وما أيسر منهجه! على كل ما فيه من هتاف بالرفعة والسمو والطهر والنظافة، والطاعة. وعلى كل ما فيه من التكاليف والحدود ، والأوامر والنواهي ، التي يراد بها إنشاء نفوس زكية طاهرة؛ وإنشاء مجتمع نظيف سليم .
إن هذا الهتاف؛ وهذه التكاليف؛ لا تغفل - في الوقت ذاته - ضعف الإنسان وقصوره؛ ولا تتجاوز به حدود طاقته وتكوينه؛ ولا تتجاهل فطرته وحدودها ودوافعها؛ ولا تجهل كذلك دروب نفسه ومنحنياتها الكثيرة.
ومن ثم هذا التوازن بين التكليف والطاقة. وبين الأشواق والضرورات. وبين الدوافع والكوابح . وبين الأوامر والزواجر . وبين الترغيب والترهيب . وبين التهديد الرعيب بالعذاب عند المعصية والإطماع العميق في العفو والمغفرة ..
إنه حسبُ هذا الدين من النفس البشرية أن يتم اتجاهها لله؛ وأن تخلص حقاً في هذا الاتجاه، وأن تبذل غاية الجهد في طاعته ورضاه. . فأما بعد ذلك. . فهناك رحمة الله . . هناك رحمة الله ترحم الضعف، وتعطف على القصور؛ وتقبل التوبة، وتصفح عن التقصير؛ وتكفر الذنب وتفتح الباب للعائدين، في إيناس وفي تكريم. .".