30 نوفمبر 2016



 الموضوع: اليوم العالمي للسِّيدا، المرض المرعب..

الخطبة الأولى
   الحمد لله رب العالمين، ألهم كل نفس هداها، "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، الشمس:9ـ10. أحمده سبحانه، يذل العصاة، فلا عزة لمن أذله، ويعز المتقين، فلا ذل لمن أعزه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ما من خير إلا بينه لنا وأرشدنا إلى فعله، وما من شر إلا بينه لنا وحذرنا منه. فاللهم صل وسلم بارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد، فيا عباد الله: لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا لشفقته على أمته، بالحرص على هدايتها، والحيلولة بين ما يهلكها ويوردها موارد التلف.
    لقد ضرب المثل لذلك برجل استوقد نارا، فلما أضاءت أخذ الفراش وصغار الحشرات يتهافتْن عليها، فجعل الرجل يمنعهنَّ شفقة عليهن من الحريق والتلف، ولكنهن لا يأْبيْن إلا التهافت عليها والاصطلاء بحرها والوقوع فيها. يقول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا، جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ، يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَه، فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ، هَلُمَّ عَنْ النَّار، هَلُمَّ عَنْ النَّار، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا". رواه البخاري ومسلم.
   وأي نار – يا عباد الله-وربنا يقول: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا". الإسراء:32.  ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله". رواه الطبراني والحاكم.
    أيها المسلمون: إن جميع النصوص الإسلامية تفيد أن من مقاصد الزواج في تشريع الإسلام تحصين الزوجين من الفساد السلوكي المترتب على الإباحية الجنسية، فان المتزوج تقنَع نفسه غالبا بما أحل الله، ولا يتعدى حدوده بانتهاك المحرمات، قال تعالى: "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ". الطلاق: 1.
والإسلام يعطي للفرد المسلم الحق في أن يمارس النشاط الجنسي كاملا في الزواج، ويعتبر ذلك عملا يؤجر عليه الزوجان، قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة". رواه ابن حبان. ولقد نصّ القرآن نصا جامعا على حصر النشاط الجنسي في الزواج، واعتبار كل نشاط خارجه محرّما، قال تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". المؤمنون:5ـ7.
    ولعلكم تعرفون-أيها المباركون-أن المجتمعاتِ التي أباحت العلاقات الجنسية غير الشرعية بين أفرادها تدفع اليوم ثمنا باهظا لما أباحته من سلوكيات حيوانية، وخروج عن الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها.
     وما مرض" السيدا" ـ الايدز ـ إلا مظهر من مظاهر المعصية والبعد عن الله. مرضٌ تعقد من أجله الندوات وتقام من أجله المؤتمرات، وتكرس من أجله الطاقات في جميع بقاع العالم، واتّخذ الناس من أجله يوم الفاتح من شهر ديسمبر يوماً عالمياً يتحدثون فيه عن أخطاره وأضراره البالغات، إنه الشبح المخيف والمرض المرعب، عافاني الله وإياكم من كل مرض وبلاء..
عباد الله: يجب عليكم أن تعرفوا أن المولى عز وجل خلق لدينا جهازا يسمى: "الجهاز المناعي"، وهذا الجهاز له وظيفة أساسية، هي: مقاومة الأمراض المعدية التي تهدد الجسم. وفيروس "السيدا" يهاجم أساسا خلايا الجهاز المناعي التي تدافع عن جسم الإنسان أنواعا من العدوى المختلفة وأنواعا من السرطانات، فإذا احتُجِزتْ هذه الخلايا عن حماية الجسم، فإن الإنسان يفقد القدرة على مقاومة الكائنات المعْدية والسّرطانات، وبالتالي تكون الأمراض المتسببة من هذه الكائنات والأورام هي السبب المباشر في القضاء على المريض، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي تكن مضت في إسلافهم الذين مضوا". رواه ابن ماجة. وصدق الله إذ يقول: "ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا". طه:124.  وهل هناك معيشة أكثر شقاوة وضنكا من إنسان فقَدَ قدرتَه على الدفاع الذاتي، واستسلم جسمه لمختلف الأمراض والأوجاع؟.
     في الصحيحين في خطبته صلـى الله عليـه وسلم في صلاة الكسوف أنـه قال: "يا أمّة محمد، والله لا أحد أغْيَرَ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمُنّ ما أعلم لضحكتم قليلا ولبَكيتم كثيرا". ثــم رفع يديــه وقال: "اللهم هل بلّغت".
      في ذكره صلى الله عليه وسلم الزنا عقب صلاة الكسوف سرٌّ بديعٌ لمن تأمله، فظهور الزنا من أمارات خراب العالم، وهو من أشراط الساعة. كما في الصحيحين عن أنس بن مالك أنه قال: "لأحدثنّكم حديثا لا يحدثُّكم أحد بعدي، سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من أشراط الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل ويظهر الزنا ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحد".
     أيها المسلمون: لقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب ويشتدّ غضبه، ولابدّ أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة، فقد جاء في الأثر: "إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله بهلاكها" رواه أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود.
         وإنكم تقرأون في القرآن الكريم كيف عاقب الله أصحاب الشذوذ الجنسي في العصر القديم– قوم لوط– كان عقابهم أن قلب الله مدنهم وبلادهم، فجعل عاليَها سافلها. فكما انقلب هؤلاء في علاقتهم الجنسية، انقلبت عليهم دورهم وبلادهم جزاء وفاقا. ولقد قرّب الله مسافة العذاب بين هذه الأمة، وبين إخوانهم في العمل، فقال: "وما هي من الظالمين من بعيد".
    فاتقوا الله -عباد الله-واعملوا جاهدين بمرضاته وحذار من المعاصي، وإن زلّت بكم القدم فبادروا بالتوبة الصادقة قبل فوات الأوان، وافعلوا الأوامر رجاءً لثوابها، واتركوا الزواجر خوفا من عواقبها، وتعبدوا الله بأفعالكم واحتسبوا الأجر من بارئكم لعلكم تفلحون. قال تعالى: " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ". الشورى:25.  وقال أيضا: "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى". طه:82.
     بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واحذروا سبل الهوى. ولا تتبعوا خطوات الشيطان. "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير". فاطر:6.  واتقوا ربكم، والتزموا في هذه الحياة نهجا يصلح الله لكم به الدين والدنيا معا. وتذكروا على الدوام قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "احفظ الله يحفظك".
أيها المسلمون: نحن مطالبون بحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من هذا الوباء أو غيره من الأوبئة الأخرى، والحماية لا تكون بمجرد العلاج إذا وقع الداء وتفشى المرض، وإنما تستلزم الوقاية أولاً، والوقاية خير من العلاج وأجدى.
فالتربية الجادة للشباب وتوفير المحاضن الصالحة وابتكار البرامج المفيدة كل ذلك يسهم في إصلاح المسيرة، ويجنب أمة الإسلام ما وقعت فيه الأمم الأخرى، وليس من المنطق السليم أن نطالب الشباب بالعفة والطهر ونحن نواصل إغراءهم ونهيئ لهم من الوسائل ما يثير غرائزهم، لا بد أن نسهم جميعا في حمايتهم ونشارك في تربيتهم. إن بقاء الشباب دون عمل أو المغالاة معه في المهر وجلساء السوء، كل ذلك ربما أسهم في دفع أصحاب الأنفس الضعيفة إلى اقتراف المحرمات والوقوع في حمأة الرذيلة. فعلينا جميعاً أن نهتم بأمر تيسير الزواج وتسهيله وترك المغالاة في المهور، والحث على الزواج المبكِّر وكسر العوائق التي تحول بين الشباب وبين الزواج، خففوا القيود حتى لا تكون فتنة وفساد كبير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ". رواه الترمذي وغيره.
     وأخيرا اعلموا أيها المسلمون: أن الإسلام لم يأت ليلوم الناس على الخطأ، بل ليبين لهم عواقبه ويرشدهم إلى كيفية تصحيحه ويأخذ بيدهم إلى ربهم راحما ضعفهم، ومبشرا بالمغفرة وتبديل السيئات حسنات، قال تعالى: " إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا". الفرقان:70.
        اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتّعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أحييتنا، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، وقنا الزلازل والمحن، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم ووفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى وجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. آمين ..

24 نوفمبر 2016



الموضوع: خطر المخدّرات وتأثيرها المدمّر..

الخطبة الأولى
     الحمد لله الذي شرع لحفظ العقول ما لم تشرعه ملّة سابقة، ولا نُظُم لاحقة، فحرّم الخمور والمخدرات، وحصنها من الانسياق وراء الأوهام والخرافات، وزكَّاها بالآيات البينات، والحجج الباهرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حرّم الخبائث وأحلّ الطيبات، صلى الله وسلم عليه، ورضي عن آله وأصحابه ما تتابعت الأوقات.
    أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، واخشوا ربكم واحذروه، واتبعوا أمره وأطيعوه، واجتنبوا ما نهاكم عنه واتركوه، لتفوزوا برحمته، وتدخلوا جنته، وتشملكم مغفرته.
     أيها المسلمون: حديثي إليكم اليوم عن سلاح خطير، بيد فاقدي الضمير، يفتك بالعقول فيعطلها، ويفتك بالأجساد فيهدّها، ويفتك بالأموال فيبددها، ويفتك بالأسر فيشتتها، ويفتك بالمجتمعات فيحطّمها.
     حديثي اليوم..  عن إرهابٍ يسلب العقول، وعن إجرام يستهدف أعزَّ ما تملكه الأمة، إنَّه يستهدف شبابنا، ويتقَصّد نَخْر قوتها، فلا يكون لمستقبلنا أملٌ ولا قوة . أتعلمون ما هو؟.
    إنه المخدرات.. وما أدراك ما المخدرات؟، أشكال وألوان، ما أنزل الله بها من سلطان، أقنعة كثيرة لوجه واحد قبيح، وأسماء وصفات لسموم ومسكرات، ما جلبت على البشرية إلا البغضاء والعداوات.
    نعم.. إنها المخدرات.. كلمة قليلة الحروف، قليلة المعاني، ولكن ليس لـها إلا ثلاث نهايات: الجنون، أو السجن، أو الموت. الحديث عنها وعن هلكاها وضحاياها مؤلم وطويل.. فهي تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدخل صاحبها في دائر الفجار، كل بلاء يصغر دونها، خطيئةٌ لها ما بعدها من الانحراف والخطايا.
    أيها المسلمون: وإنني هنا، أضم صوتي إلى صوت عقلاء العالم من أمتي بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات هذا البلاء. 
   عباد الله: إننا نتحدّث عن المخدّرات في وقتٍ ضجّت فيه البيوت بالشكوى، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشرها، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكو، وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى، وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فلله الحمدِ. 
   قال عنها المنظّرون: "إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر، أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ، وتدمِّر الحضارات، وتقضي على القدرات، وتعطّل الطاقات".
   يا عافاكم الله: المخدّرات تفسد العقل، وتقطع النسل، وتورث الجنون، وتجلب الوساوس والهموم، وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وترديه في أَسوَإ المهالك والمصائب، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة؛ حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا.
    نعم.. إن ذلك لا ينكره عاقل، بل إن من المحسوس والمشاهد للناس جميعًا، أن هذه المواد المعروفة الآن بالمخدرات على اختلاف أنواعها ومسمياتها لها من المضار الصحية والعقلية والروحية والأدبية والاقتصادية والإجتماعية فوق ما للخمر، فاقتضى الدليل الشرعي ثبوت حرمتها، وأنها داخلة فيما حرم الله تعالى ورسوله من الخمر المسكر لفظًا ومعنى.
   فلقد أمرنا الله باجتناب الخمر وما في حكمه من مسكر ومخدر، ولا فرق في التحريم بين قليله وكثيره، لحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مخدر ومفتر"، ولحديث: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، ولحديث: "ما أسكر كثيره فملء الكف منه حرام".
       قال الإمام ابن القيم رحمه لله تعالى: "ويدخل في الخمر كل مسكر مائعًا كان أو جامدًا، عصيرًا أو مطبوخًا، واللقمة الملعونة لقمة الفسق والفجور التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن".
     بل يكفينا ـ يا عباد الله ـ أن نقول: إن المخدرات تفسد العقل والمزاج، وما قيمة المرء إذا فسد عقله ومزاجه؟.
   يتعاطى ـ هذا المغفل ـ المسكرات والمخدرات، فيرتكب من الآثام والخطايا ما تضج منه الأرجاء، وما يندم عليه حين يصحو، ولات ساعة مندم. قال الحسن البصري رحمه الله: "لو كان العقل يشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده"!.
   أيها الأكارم: وإنّ بلادنا لتواجه هجومًا شرسًا من جهاتٍ مشبوهة بخططٍ وأهداف بعيدة المدى لتهريب المخدّرات وترويجها بين أبنائنا، لتحطيم البلاد كلِّها اجتماعيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا وفي كلّ المجالات، حتى أضحت حرب المخدّرات أحدَ أنواع الحروب المعاصرة الخطيرة، والذي يقف في الميدان يدرك مدى ضراوةِ هذه الحرب.
   ففي جزائرنا المحروسة بعين الرحمن، وكما ورد في نشريةٍ للديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها، كانت حصيلة مكافحة تهريب واستعمال المخدرات والمؤثرات العقلية خلال تسعة أشهر الأولى من سنة 2016 من قبل مصالح الدرك الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني والجمارك، ما يلي:
84979,068 كلغ من راتنج القنب ـ 447,5 غ من بذور القنب ـ  54184,66غ من الكوكايين ـ 1396.38غ من الهروين ـ 527,38 غ من بذور الأفيون ـ 821211 قرصا من مختلف أنواع المؤثرات العقلية، كما تم اكتشاف وإتلاف 492 نبتة من شجيرات القنب، و1060نبتة من شجيرات الأفيون، إلى غير ذلك مما يطول بنا المقام لذكره..
     وبعد، أيها المسلمون: هذه الكميات كفيلة بتدمير شعب بأكمله لولا عناية الله، ثم الجهود المبذولة من المصالح المعنية، وبعض المواطنين المخلصين الذين كان لهم دور أساسي في كشف بعضها، جزى إلهي الجميع -مسئولين ومواطنين- خير الجزاء، وحفظ الله بلادنا من كل سوء. 
   عباد الله: إن الحديث عن المخدرات حديث مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء، ولا تقلْ ـ يا أخي ـ أنا أسرتي محافظة، نسأل الله أن يحفظ أسرنا جميعاً، لكن مع ذلك فقد تكون أنت أشد استهدافاً.
      وأقول للجميع: ما من مشكلة يعاني منها المجتمع، إلا ونحن جميعاً مسؤولون عنها، أفراداً وجماعات ومنظمات وهيئات رسمية وغير رسمية، المجتمع كلٌّ متداخل، فلا بد من الوعي، ولا بد من الحركة نحو الإصلاح، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. 
     نسأل الله أن يعافينا في أنفسنا وفي ديننا وأهلينا، وأن يقينا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، وأن يردَّ ضالَّ المسلمين إليه ردًّا جميلاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..


الخطبة الثانية

      الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضح لهم طريق الهداية، وجعل اتباع الرسول عليه دليلاً، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أصحابه.
      ثم أما بعد، فيا عباد الله: إن ظاهرة تعاطي المخدرات -كغيرها من الظواهر الاجتماعية – لا يمكن الجزم بوجود سبب واحد في انتشارها، بل هي مجموعة أسباب متداخلة، وفي خطبتي هذه، أذكر أهمها:
    أولا-ضعف الإيمان وأساس ذلك يأتي في الجهل بالعلم الشرعي، فمتى وجد الجهل وجد ضعف الإيمان، لأن الإيمان أساس العلم الشرعي الذي يهدي لأرشد طريق.  
     ثانيا-عامل التربية والتوجيه الذي يُفتقد في بعض الأسر، فينشأ الطفل في المنزل دون أن يجد من يوجهه وينصحه ويعلمه ويذكره، وبالتالي يقع فريسة هذا البلاء لجهله بعواقبه..
    ثالثا-رفقة السوء والتي تكون داعية شر وبلاء، ونشر للفساد بين أفراد المجتمع، فكم من فتى كانت بدايته جيدة، ثم تعرف على رفقة سيئة كانت سببا في انحرافه ووقوعه في كثير من الشرور وفي مقدمتها المخدرات.
      أيها المسلمون، ألا وإن المسؤولية في محاربة هذا الخطر تقع على كواهلنا جميعـاً، فعلى البيت مسؤولية، وعلى المدرسـة ومناهج التعليم مسؤولية، وعلى الإعـلام والقائمين عليه مسؤولية، وعلى الدولة والمجتمع مسؤولية، وليس في تقصير البعض ما يبرر إعراض الآخرين عن القيام بالواجب، لأن الخطأ لا يبرره خطأً آخر.
     فاتقوا الله -أيها المسلمون-وتعاونوا على الخير، حاربوا الشر؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل من صفات المؤمنين المسلمين أن يوصي بعضُهم بعضاً لكل خير، وأن يتآمروا بالمعروف وأن يتناهوا عن المنكر. قال تعالى: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ".  سورة العصر
    أسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من هذه الشرور، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى إنه جواد كريم. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا آمنا سالما وجميع بلاد المسلمين، اللهم اسلك بنا سبيل الأبرار، ووفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأحسن عاقبتنا وأكرم مثوانا برحمتك يا أرحم الراحمين. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.