28 مارس 2017



الموضوع: "سمكة ابريل" والوقوعَ في مزالق الكذب واستسهال أمره..

الخطبة الأولى

     الحمد الله، الحمد لله الصادق القيل، خصنا بأفضل شريعة وأحسن تنزيل، أحمده سبحانه وأشكره، وعد الصادقين بأعظم المثوبة ومزيد الفضل والتبجيل، وأوعد بالعذاب الوبيل أهلَ الأكاذيب والأضاليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها في دار الكرامة الظلَّ الظليل، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير من أرسل بأزكى خصال وأسطعِ دليل، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان بأكرم الشيم وأقومِ السبيل، وسلم تسليمًا كثيرا.
    أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ذي العظمة والجلال ولزوم الصدق في الأقوال والأفعال ليتحقق لكم الخير والفلاح في الحال والمآل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ". التوبة:119.
      ألا وإنَّ من أجلِّ نعمِ الله تعالى على العبد المسلم أن يُحبِّبَ إليه الصـــــدقَ، فلا ترتاحُ نفسُهُ ولا يهــدأُ ضميرهُ إلا بالصدق، فإذا تردَّدَ في أمر: آثر الصمتَ على أن يقول قـولاً لا يدري أفي حق هو أم في باطل؟، وفي الحديث: "دع ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ، فإنَّ الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكذبَ ريبةٌ ".
والكذبُ ـ أيها المباركون-له صورٌ متفرقةٌ وأوديةٌ متشعِبة، يجمعها وصفٌ واحدٌ هو: الإخبارُ بخلافِ الحقيقةِ عَمْدًا.
وَمَا شَـيْءٌ إِذَا فَكَّــرْتَ فِـيهِ * بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ * وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال

     ألا ومن أنواع الكذبِ المنتشرةِ بين الناسِ: الكذبُ لإضحاكِ الجلساءِ، فعن مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ للذي يُحدِثُ بالحديثِ ليضحِكَ به القومَ فيكذِبُ، ويلٌ له، ويل له".  رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
     وللأسف   تتجـدّد تتجدّد في كل عام المنـاقشات حول شهر أبريل، وما اشتهر فيه من "كذبة   أبريل" أو سمكة أبريل (le poisson d'avril) تلك الكِذبة التي يتذرّع بها كثير من الناس للمزاح بالكذب؛ الأمر الذي يتسبب في كثير من الأحوال في فواجع ومشكلات جمّة قد تصل إلى حالات من الفزع، أو خسارة أموال أو ما شابه ذلك من المصائب دون أدنى قدر من المسؤولية أو العقل.
    وكِذْبَةِ أبريل. أو سمكة أبريل موروث غربي وتقليد أوربي قائم على المزاح ‏يقوم فيه بعض الناس في اليوم الأول من أبريل بإطلاق الإشاعات أو الأكاذيب، ويطلق ‏على من يصدق هذه الإشاعات أو الأكاذيب اسم "ضحية كذبة أبريل". التي يُذكَر في أصل نشأتها كما ذهبت إلى ذلك أغلبية آراء الباحثين على أنها بدأت في فرنسا بعد تبنّي التقويم المعدَّل الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م، وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وحتى ذلك التاريخ كان الإحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21 مارس، وينتهي في الأول من أبريل بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة، وعندما تحول عيد رأس السنة إلى الأول من يناير ظل بعض الناس يحتفلون به في الأول من أبريل كالعادة، ومن ثم أطلق عليهم ضحايا أبريل، وأصبحت عادة المزاح مع الأصدقاء وذوي القربى في ذلك اليوم رائجة في فرنسا، ومنها انتشرت إلى البلدان الأخرى، وانتشرت على نطاق واسع في إنجلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي...
وهناك باحثون آخرون يرون أن: (سمكة أبريل)، دلالة على انتقال الشمس فيه من برج الحُوت -الذي ينتهي يوم 20 مارس إلى برج الحمل الذي يبدأ يوم 21 مارس، وقد يكون دلالة على اصطياد المغفَّلين مثلما تُصطاد السّمكة!.
   والواقع أن هذه الأقوال وغيرها لم تكتسب الدليل الأكيد لإثبات صحتها وسواء كانت ‏صحيحة أم غير صحيحة، وفي كلِّ الأحوال فكِذبة أبريل تقليدٌ أوروبي يقوم على إشاعة الأكاذيب بين النَّاس في اليوم الأوَّل من أبريل، ويكون فيه من يُصدِّق هذه الأكاذيب ضحيَّة كذبة أبريل..
   وللأسفِ.. أنَّ بعض المغفلين في مجتمعنا، وفي وسائلِ الإعلامِ ومواقعِ الإنترنت وعلى صفحات الفايس بوك، يقلدون أولئك بحجة المزاح، ويخالفون أخلاقَ المؤمنينَ وسنةَ خاتمِ المرسلينَ عليه الصلاة والسلام، فقد جاء في الأثر: "لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْلٍ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.  
    ألا ليت هؤلاء يتأملون ذلك الموقف الذي حدّث به أبو سفيان رضي الله عنه قبل أن يسلم، حينما كان في أرض الشام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قَوْم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟.
قالوا: نعم، قال: فدُعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه، فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني، فكذبوه، فقال أبو سفيان: "وأيم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت".
    فتأملوا ـ يا مسلمين ـ كيف حاذر هذا الرجل الذي كان مشركًا يومئذ من الكذب؛ لأنه يراه عارًا وسُبّةً لا تليق بالرجل الذي يعرف جلالة الصدق وقبح الكذب؟!.
 إنها مروءة العربي الذي كان يعد الكذب من أقبح الأخلاق، فكيف بكم أيها المسلمون، أفإن راجَت سوقُ سمكة أبريل عندَ من لا خلاق لهم ولا دين فهل يجوز أن تجد لها رواجا ومكاناً بينكم؟.
    ألا ..فإياكم إياكم والكذبَ والوقوعَ في مزالقه واستسهال أمره، حتى ولو كان لإضحاك الناس أو كذبا أبيض، فليس في الكذب ما هو أبيض، فكلّه أسود مظلم حالك مهلِك يجرّ الويل والنكبات، فالكذب مذموم أصلا ولا يصلح في جد ولا هزل، كما قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل.
ولعل من الحكمة في النهي عنه ولو في المزاح ما ذكره بعض أهل العلم من أنه يجرّ إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب وإشاعته فيختلط في المجتمع الحقّ بالباطل والباطل بالحقّ، وقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
ألا فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، فأهل الصدق هم الناجون يوم العرض الأكبر على ربهم، كما قال تعالى: "قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم". المائدة: 119.
جعلني الله وإياكم منهم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم..


الخطبة الثانية
   الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
   أما بعد، فاتقوا الديان -عباد الرحمن-، والزموا الصدق فإنه مرقاةً للنعم، ولا تقربوا الكذب فإنه مِرْداةٌ في النقم، ولا يَغُرَّنَكُم باللهِ الغَرور، ولا يَفتِنكُم كثرةُ الهالكين، وكونوا مع الصادقينَ.
    أيها المسلمون: إن الشريعة الإسلامية مبناها على شيئين: الصدق في الأقوال، والعدل في الأحكام، قال تعالى: "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". الأنعام: 115.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: "الصدق، وإذا صدق العبد برّ، وإذا برّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة، قال: يا رسول الله ما عمل النار؟ قال: الكذب، إذا كذب فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار".
     فاتقوا الله عباد الله وتحلوا بالصدق، واصدقوا في عبادتكم، وأعمالكم وجميع معاملاتكم، تسعدوا في دنياكم، وتدخلوا جنة ربكم.. قال صلى الله عليه وسلم: " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ".
     فاللهم اجعلنا من الصادقين في إيماننا وجميع أقوالنا وأفعالنا، وطهّر قلوبنا من النفاق وأعيننا من الخيانة وألستنا من الكذب، واسلك بنا سبيل الصادقين الأبرار، وجنبنا طريق الكَذَبة الأشرار يا عزيز يا غفار. اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك، واغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله

01 مارس 2017



  الموضوع: التحذير من الطائفة الأحمدية وإظهار بعض ضلالاتها..

الخطبة الأولى
    الحمد لله الذي حثَّ عبادَه على الاعتصام بالكتاب والسنَّة، أحمده سبحانه وأشكرُه ذا الفضل والمنَّة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعاذ عبادَه من شرِّ الناس والجِنَّة. وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه قائدُ المؤمنين ودليلُ المِلَّة. صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه في السرَّاء والمُلِمَّة.
آما بعد، فإن الاعتصامَ بحبل الله المتين هو الحِصنُ الحصين، والحِرزُ المتين لجمع كلمة المُسلمين، ولمِّ شملِهم، وقوَّتهم ومنَعَتهم، قال الله تعالى: "أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" الشورى: 13.
  وفي هذا السياق يحدثنا العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله: إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيدَ انْقَادَ." رواه ابن ماجة.
  أيها المسلمون: إن الخطَر عظيمٌ والأعداء كثيرون، والباطل يُنمَّق ويُحسَّن، ودُعاته أكثَر من دُعاة الخير، ومذاهبه مُتعدِّدة، وكلُّ فرقة تدعو إلى مذهبها وتحسين باطلها، وتسعى في كسب أنصار ومُروِّجين، والحقُّ واحد، فاللهَ اللهَ في التمسُّك بدِينكم وعَقِيدتكم، فلقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "عَلَى الْبَيْضَاءِ لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ».
 والبيضاء هي الجادّة، وهي صراط الله وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ وسلف الأُمة، الذي يجب على الخلف أن يسلكوه وأن يسيروا معه، قال تعالى: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ". الأنعام: 153. فصراط الله واحد، وأما ما عداه فهي طرقٌ كثيرة، وعلى كل طريقٍ منها شيطان يدعوا الناس إليه، فمن ترك الصراط المستقيم وقع في هذه الطرقات المُلتفّة الكثيرة، وأخذتهُ الشياطين، روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن جابر رضي الله عنه، قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَّ خَطًّا هَكَذَا أَمَامَهُ فَقَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"، وَخَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَخَطَّيْنِ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ: "هَذِهِ سَبِيلُ الشَّيْطَانِ"، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأَسْوَدِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: "وَأَنَّ هَـذَا صِرطِي مُسْتَقِيمًا فَتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". الأنعام: 153.
     ألا فاحذَروا سبل الشيطان ودَسائس أعداء الإسلام والمسلمين؛ فإنَّ لهم صولات وجولات، وتحسينًا للباطل، ولعل ما يجب أن أحذر منه مجموع الأمة في هذه العجالة، ذلكم الداء الوبيل الذي بدأ بالتفشّي في جسم الأمة وهي في غفلة عنه، بل الأدهى والأمرّ أن بعضهم لا يلقي له بالا وهو يعيث فسادا فينا كالافعى وينفث سمومه، لولا أن الله تداركنا برحمة منه وقيض رجالا من أبناء هذا الوطن، يحفظون ديننا ومقدَّساتنا وأمننا وأموالنا وأنفسنا وأهلينا، حفظهم الله وزادهم إيماناً مع إيمانهم وثباتاً إلى ثباتهم، ولهم منا كل الشكر والإحترام..
    أعني بهذا الداء والخطر الذي بدأ يتسرب من وراء الباب: طائفة الأحمدية، أو القاديانية نسبة للقرية المولود فيها المؤسس، وهي قرية قاديان الهندية، تلك الطائفة التي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر تحت اسم مؤسسها المدعي ميرزا غلام أحمد، الذي نشأ وفياً للاستعمار البريطاني مطيعاً له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتفّ حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار. الذي كان عليه إحسانات كثيرة لهذا المتنبي.
 فالأحمدية خروجٌ عن ثوابت العقيدة العقيدة الإسلامية، فهي أُنشئت بتخطيط ودعم من الاستعمار البريطاني في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام..
   بدأ هذا الرجل مسيرته مدعيا الصلاح، ثم ادّعى انه مجدّد العصر، ثم تدرَّج شيئا فشيئا حتى صرح انه نبي مرسل، ثم زعم أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود معا، وله كتب ومقالات، والغريب في الأمر أنه وجد من يصدّقه ويمشي وراءه مكبّا على وجهه دون ان يعقل او يتدبّر! ومن باب قول القائل: 
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
    فطائفة الأحمدية فرقة ضالة، تتّخذ من الإسلام غطاء لها لخدمة مصالح أجنبية وتحقيق أغراض هدامة، تتمثل في إخراج المسلمين عن دينهم ليتمكن منهم أعداؤهم، والحديث عنها ليس من باب السرد التاريخي، وإنما للتحذير من شرها وإظهار بعض خرافاتها، والحث على لزوم فرقة أهل السنة والجماعة. كيف لا، وهم يعتقدون أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، وأن الله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً وأن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد بالوحي، وأن إلهاماته كالقرءان، ويعتقدون أن الحج الأكبر هو الحج إلى قاديان وزيارة قبر القادياني، ونصّوا على أن الأماكن المقدسة ثلاثة: مكة والمدينة وقاديان، ويعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة، ويبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات، ويعتقدون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً..
   ولهذه الأسباب وغيرها انعقد مؤتمرٌ لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في شهر أبريل 1974م وحضره ممثلون عن المنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل معها، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومجوع البحوث الإسلامية بالأزهر، وبهذا أفتى الشيخ ابن باز والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر، والشيخ المودودي وغيرهم، كما حكى شيخنا: الشيخ أحمد حماني ــ رحمه الله ـ رئيس مجلس الإسلامي الأعلى إجماع علماء الأمة على كفرهم في كتابه: الصراع بين السنة والبدعة..
   وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يُبعَث دجَّالون كذَّابون قريب من ثلاثين، كلٌّ يزعم أنه رسول الله". رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    جعَلَنا الله جميعًا هُداةً مهتدين، وجنَّبَنا الضالِّين والمُضِلِّين، وغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين اجمعين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية
     الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم كثيرا إلى يوم الدين.
    أما بعد، أيها المسلمون: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
نعم.. لقد كذَبَ هؤلاء حتى صار الكذب صفةً لازمةً لهم على صيغة المبالغة، فهذا مسيلمةُ الكذاب، والأسودُ العنسي الكذاب، وسجاحُ وغيرُهم ممن ادّعى النبوة والوحي، وهذا الميرزا غلام أحمد القادياني الذي مِن كذبه وترّهاته وعَوَارِه وضلاله، قوله: "رأيت في إحدى رؤاي أنني أنا نفسي الله، وكنت متأكداً أنني أنا هو، وأنه لم يبق من مشيئتي وإرادتي وأفعالي البشرية شيء، وكأنني أصبحت مثل المنخل أو كأن كياني اندمج داخل كيان آخر بحيث يختفي الكيان الأول داخل الكيان الجديد ولا يبقى للكيان الأول أي أثر أبداً، وفي هذه المرحلة رأيت أن روح الله المقدسة قد دخلت في كياني وصار الله يسيطر على جسدي واندمج كياني مع كيان الله حتى لم يبق مني جزيء بشري واحد...." إلخ. كتاب البرية: ص 102-103.
     ألا فاحذَرُوا ـ عباد الله ـ دُعاةَ هذه الفرقة الضالة؛ التي ظهرت وانتشرت منذ زمن بعيد، وما زالت تدعو وتُروِّج لباطِلَها وتدعو إلى عَقائدها الفاسدة والمفسِدة بكافة الوسائل وخصوصًا الثقافية، ولقد نجحوا في اجتذاب العديد من العلماء والمهندسين والأطباء، ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي (mta)، قناة باسم الإسلام تهدّم الإسلام، يديرها أتباع القاديانية ويروجون فيها لأفكارهم الهدامة المنحرفة، بالإضافة إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، ولا يخفى عليكم اكتشاف العديد من تلكم الخلايا الأحمدية في مناطق مختلفة من القطر الوطني التي تحاول وضع قدم لها للإخلال بالأمن الديني والإجتماعي ومن ثَمّ  إيجاد بؤرة توتر باسم احترام المعتقد لتنفيذ المخطط الإستخباراتي للأعداءِ الطّويلِ الأمد.. وأني لهم؟.
    فستظل الجزائر بحول الله وقوته، ثم بعزَمات رجالها وإيمان أهلها ـ رغم المؤامرات والدعوات المُغرِضة ـ بلدَ إسلامٍ وسلام، وخيرٍ وإحسانٍ، آمنةً مطمئنة، ساكنةً مستقرة، ورحم الله العالم الرباني سيدي عبد الرحمن الثعالبي، فخْرَ الجزائر المحروسة، وصاحب تفسير الجواهر الحسان رحمه الله إذ قال:
إنّ الجـزائر في أحوالـها عـجـب * ولا يدوم بها للناس مكــروه
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع * إلا ويُسر من الرحمن يتلوه
  فالله ـ دوما ـ بفضله يعمر الجزائر بدوام الذكر، ويؤمنها كل مكر، ولكن كونوا على حذَرٍ، فلدَيْكم المنبع الصافي والمعين العذب؛ كتاب الله وسنَّة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم -، فلا خير إلا دلَّنا عليه، ولا شر إلا حذَّرنا منه؛ قال -صلوات الله وسلامه عليه: "تركتُكم على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنَهارِها لا يَزِيغ عنها إلاَّ هالك".
  اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم وبارِك فِي الجزائر، أَرْضِها وسمائها، وأكثر خيرها في بَرِّها ومائِها، وحفظ لها أمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، وأكرم حماتها وحراسها وكن لهم وليا وحافظا ونصيرا، واجعلها بلدا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه آجمعين.