28 أغسطس 2018


الموضوع: افتتاح الموسم الدراسي


الخطبة الأولى
     الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلماتِ والنور، والحمد لله الذي فضل العلم على الجهل فقال: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهد لنفسه بالوحدانية وشهد بها ملائكته والعلماء، قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم". وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
     أما بعد، فلقد كان اهتمام شريعة الإسلام في الحض على العلم عظيما، وكانت العناية بالتكوين العلمي فائقة كبيرة، والآيات والأحاديث التي تأمر المسلمين بالعلم وتحضّهم عليه وتسوقهم إليه أعظم من أن تحصى، قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". الزمر:9. وقال سبحانه: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". المجادلة:11. وقال أيضا: "وقل رب زدني علما". طه:114. وحسبنا أن يكون أول نداء إلهي يفتتح الله به وحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تلكم الآية الكريمة: "أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم". القلم:1 ـ5.
    من أجل هذا جعل الرسولُ صلى الله عليه وسلم طلبَ العلم فرضا فقال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". رواه ابن ماجه. وجعل المعاناة في تحصيله جهادا فقال: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". رواه الترمذي. وأخبرنا–صلى الله عليه وسلم-أن كل أمجاد الدنيا كاذبة وزائلة إلا مجد الإستقامة والعلم فقال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما". رواه الترمذي وابن ماجه. فمن كان يعرف في تكريم العلم والعلماء أروع من هذا فليأتنا به؟.
    أيها المباركون: عمّا قريب تفتح المدارس أبوابها أمام أبنائنا وقرةِ أعيننا وعدّةِ مستقبلنا وذخيرةِ بلادنا وأمل مجتمعنا في التقدم والرقي والازدهار.
   فماذا نتمنى لأبنائنا وبناتنا ولمعلميهم وأساتذتهم؟.
  لا شك أننا نتمنى لهم سنة طيّبة سعيدة مليئة بالنشاط والجّد والإجتهاد ونيل أحسن الدرجات والشهادات إن شاء الله.
   ولكن لا يخفى عليكم أن الموسم الدراسي لا يكون ناجحا إلا إذا وجد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع، فإذا لم يقم الأب في البيت بمسؤوليته على الوجه الأكمل، فربما انحرف الولد وعندئذ لا ينفع مع الولد توجيه ولا يجدي في تقويم اعوجاجه معلم، لذا حمّل الإسلام الآباءَ والأمهاتِ مسؤوليةَ التربية. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون". التحريم:6. وأكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من وصية بضرورة العناية بالتربية قال صلى الله عليه وسلم: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم". رواه ابن ماجه، وروى الطبراني عن على كرم الله وجهه مرفوعا: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن". إلى غير ذلك من الأحاديث.
   فالتربية الصالحة للطفل هي التي تُنشئ الشاب الصالح الذي يخدم دينه وأمته ووطنه، ولقد وضع لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم مادة أساسية، مفادها أن الإبن يشبّ على دين والديه. أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم: "ما من مولود إِلا يولد على الْفطرة فأَبواه يُهَوِّدَانه أو َيُنصِّرَانه أو يُمجِّسَانه".
    فالأسرة هي المحضن الأول الذي ينشأ فيه الأبناء، ورب الأسرة وزوجته كلاهما شريك الآخر في تلك المؤسسة الاجتماعية التي أمر الإسلام برعايتها والحفاظ عليها، ولا يمكن أن يتحقق النجاح للأسرة إلا إذا تعاون كل من الرجل والمرأة في تربية الأولاد، والولد يتأثر بوالديه في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته واتجاهاته الدينية والعقائدية.
   فعليكم ـ أيها الآباء والأمهات ـ مراعاةِ أولادكم وحمايتَهم من ضياع الوقت وانحراف العمل والسلوك، تفقدوهم في كل وقت وامنعوهم من معاشرة ومصاحبة من يُخشى عليهم منه الشر والفساد، فإنكم عنهم مسئولون، وعلى إهمال رعايتهم وتأديبهم معاقبون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
    ويا أيها المعلم: اعلم أن مهنة التعليم لا تساويها مهنة في الفضل والرفعة، فوظيفتك من أشرف الوظائف وأعلاها. ولعل الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه، يبين لنا ولك فضل تعليم الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير».
      لكن اعلم أن مهمتك لا تقتصر على طرح المادة العلمية على طلابك فقط، بل هي مهمة عسيرة وشاقة -وهي يسيرة على من يسرها لله عليه-فهي تتطلب منك صبراً وأمانة ونصحاً ورعاية لمن تعلمهم. وتذكر دائما قول الحكيم العربي:
يأيها الرجلُ المعلــــمُ غيرَهُ * هلا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ  
      فالمعلم إذا لم يكن ملتزما في سلوكه ومعاملته بمنهج الإسلام، وعلى دراية تامة بمبادئ الأخلاق ليسير على طريق الإصلاح والتربية على أسس متينة، فهو أولى وأجدر بالتعليم والتأديب. فحافظْ على الوقت زمنًا وأداءً، والتزمْ الحضورَ في وقتك، وأدّ هذا العملَ بجدٍّ واجتهاد، ولا تستخفّ بهذه المسؤولية، ولا تستهن بها، فإنها أمانة عندك، والله سائلك عنها، قال تعالى: "إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا".  النساء:58.
    ولكن على رسلكم ـ يا عباد الله ـ فاليد الواحدة لا تغسل نفسها، وكذلك الشخص الواحد لا يضطلع بأي مهمة وإن بدت يسيرة، فالولد مهما كان استعداده للخير عظيما، ومهما كانت فطرته نقية سالمة، فإن للبيئة الأثرَ الأكبرَ في تربيته وإصلاحِ حاله واستقامة أمره، ومن هنا كانت وصية ابن سينا في تربية الولد قوله: "أن تكون مع الصبي في مكتبه صِبيةٌ حسنة آدابهم مرضية عاداتهم، لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ وبه آنس". فالولد حينما تتوفر له البيئة الصالحة، من قبل أصدقاء صالحين، ورفقاء مخلصين. فإنه– لا شك-يتربى على الفضيلة والإيمان والتقوى.
  فلا بد – إذن-من إيجاد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع علميا وروحيا وجسديا. قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب". المائدة:2.
    وفق الله طلابنا ومعلميهم لما فيه الخير وأيّد خطاهم وجعل النجاح حليفهم في كل مراحل حياتهم الدراسية، أقول قولي هذا وأستغفر الله..

الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد، أيها المعلمون والأساتذة: لقد أعطاكم الإسلام مكانتكم ورفع درجتكم، وذلك لأن عليكم لأمتكم ومن يتعلمون منكم حقوقا عظيمة، فقوموا بها لله مخلصين، وبه مستعينين، ولنصح أبنائكم ومن يأخذون العلم عنكم قاصدين، أخلصوا في التعليم، وامتثلوا أمام طلبتكم بكل خلق فاضل كريم، فإن المتعلم يتلقى من معلمه الأخلاق، كما يتلقى منه العلوم.
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة .. جاءت على يديه الأبصار حولا
   ويا أيها الطلبة، يا من أنتم على مقاعد الدرس والتحصيل وفي جوّ العلم ومحرابه المقدس، احرصوا على طلب العلم لغاياته الكريمة وأهدافه السامية والتي تعود عليكم كأفراد بالخير والرفعة وعلى أمتكم بالتقدم والرقيّ والإزدهار. وتذكروا دوما قول الله عزّ وجل: "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم". البقرة:182. .  دخول موفق وعام دراسي مليء بالنشاط والعمل الجاد مع دوام الصحة والعافية بحول الله وقوته..
     اللهم اشرح صدورنا وصدور أبنائنا وبناتنا للإيمان وافتح قلوبنا وقلوبهم للعلم والمعرفة، واجعل النجاح حليفهم في موسمهم الدراسي. اللهم وألهِم الأساتذة والمعلمين السداد في القول والعمل، وسدد خطاهم على طريق الحق والصواب، اللهم كرمنا وإياهم بنور الفهم وأخرجنا من ظلمات الوهم وافتح علينا وعليهم بمعرفة العلم وحسّن أخلاقنا بالحلم، واجعلنا وإياهم وتلامذتهم من الناجحين الفائزين في الدنيا والأخرة بمنّك وفضلك يا ذا الجلال والإكرام، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الخطبة الأولى
     الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلماتِ والنور، والحمد لله الذي فضل العلم على الجهل فقال: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهد لنفسه بالوحدانية وشهد بها ملائكته والعلماء، قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم". وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
     أما بعد، فلقد كان اهتمام شريعة الإسلام في الحض على العلم عظيما، وكانت العناية بالتكوين العلمي فائقة كبيرة، والآيات والأحاديث التي تأمر المسلمين بالعلم وتحضّهم عليه وتسوقهم إليه أعظم من أن تحصى، قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". الزمر:9. وقال سبحانه: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". المجادلة:11. وقال أيضا: "وقل رب زدني علما". طه:114. وحسبنا أن يكون أول نداء إلهي يفتتح الله به وحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تلكم الآية الكريمة: "أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم". القلم:1 ـ5.
    من أجل هذا جعل الرسولُ صلى الله عليه وسلم طلبَ العلم فرضا فقال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". رواه ابن ماجه. وجعل المعاناة في تحصيله جهادا فقال: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". رواه الترمذي. وأخبرنا–صلى الله عليه وسلم-أن كل أمجاد الدنيا كاذبة وزائلة إلا مجد الإستقامة والعلم فقال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما". رواه الترمذي وابن ماجه. فمن كان يعرف في تكريم العلم والعلماء أروع من هذا فليأتنا به؟.
    أيها المباركون: عمّا قريب تفتح المدارس أبوابها أمام أبنائنا وقرةِ أعيننا وعدّةِ مستقبلنا وذخيرةِ بلادنا وأمل مجتمعنا في التقدم والرقي والازدهار.
   فماذا نتمنى لأبنائنا وبناتنا ولمعلميهم وأساتذتهم؟.
  لا شك أننا نتمنى لهم سنة طيّبة سعيدة مليئة بالنشاط والجّد والإجتهاد ونيل أحسن الدرجات والشهادات إن شاء الله.
   ولكن لا يخفى عليكم أن الموسم الدراسي لا يكون ناجحا إلا إذا وجد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع، فإذا لم يقم الأب في البيت بمسؤوليته على الوجه الأكمل، فربما انحرف الولد وعندئذ لا ينفع مع الولد توجيه ولا يجدي في تقويم اعوجاجه معلم، لذا حمّل الإسلام الآباءَ والأمهاتِ مسؤوليةَ التربية. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون". التحريم:6. وأكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من وصية بضرورة العناية بالتربية قال صلى الله عليه وسلم: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم". رواه ابن ماجه، وروى الطبراني عن على كرم الله وجهه مرفوعا: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن". إلى غير ذلك من الأحاديث.
   فالتربية الصالحة للطفل هي التي تُنشئ الشاب الصالح الذي يخدم دينه وأمته ووطنه، ولقد وضع لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم مادة أساسية، مفادها أن الإبن يشبّ على دين والديه. أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم: "ما من مولود إِلا يولد على الْفطرة فأَبواه يُهَوِّدَانه أو َيُنصِّرَانه أو يُمجِّسَانه".
    فالأسرة هي المحضن الأول الذي ينشأ فيه الأبناء، ورب الأسرة وزوجته كلاهما شريك الآخر في تلك المؤسسة الاجتماعية التي أمر الإسلام برعايتها والحفاظ عليها، ولا يمكن أن يتحقق النجاح للأسرة إلا إذا تعاون كل من الرجل والمرأة في تربية الأولاد، والولد يتأثر بوالديه في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته واتجاهاته الدينية والعقائدية.
   فعليكم ـ أيها الآباء والأمهات ـ مراعاةِ أولادكم وحمايتَهم من ضياع الوقت وانحراف العمل والسلوك، تفقدوهم في كل وقت وامنعوهم من معاشرة ومصاحبة من يُخشى عليهم منه الشر والفساد، فإنكم عنهم مسئولون، وعلى إهمال رعايتهم وتأديبهم معاقبون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
    ويا أيها المعلم: اعلم أن مهنة التعليم لا تساويها مهنة في الفضل والرفعة، فوظيفتك من أشرف الوظائف وأعلاها. ولعل الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه، يبين لنا ولك فضل تعليم الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير».
      لكن اعلم أن مهمتك لا تقتصر على طرح المادة العلمية على طلابك فقط، بل هي مهمة عسيرة وشاقة -وهي يسيرة على من يسرها لله عليه-فهي تتطلب منك صبراً وأمانة ونصحاً ورعاية لمن تعلمهم. وتذكر دائما قول الحكيم العربي:
يأيها الرجلُ المعلــــمُ غيرَهُ * هلا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ  
      فالمعلم إذا لم يكن ملتزما في سلوكه ومعاملته بمنهج الإسلام، وعلى دراية تامة بمبادئ الأخلاق ليسير على طريق الإصلاح والتربية على أسس متينة، فهو أولى وأجدر بالتعليم والتأديب. فحافظْ على الوقت زمنًا وأداءً، والتزمْ الحضورَ في وقتك، وأدّ هذا العملَ بجدٍّ واجتهاد، ولا تستخفّ بهذه المسؤولية، ولا تستهن بها، فإنها أمانة عندك، والله سائلك عنها، قال تعالى: "إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا".  النساء:58.
    ولكن على رسلكم ـ يا عباد الله ـ فاليد الواحدة لا تغسل نفسها، وكذلك الشخص الواحد لا يضطلع بأي مهمة وإن بدت يسيرة، فالولد مهما كان استعداده للخير عظيما، ومهما كانت فطرته نقية سالمة، فإن للبيئة الأثرَ الأكبرَ في تربيته وإصلاحِ حاله واستقامة أمره، ومن هنا كانت وصية ابن سينا في تربية الولد قوله: "أن تكون مع الصبي في مكتبه صِبيةٌ حسنة آدابهم مرضية عاداتهم، لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ وبه آنس". فالولد حينما تتوفر له البيئة الصالحة، من قبل أصدقاء صالحين، ورفقاء مخلصين. فإنه– لا شك-يتربى على الفضيلة والإيمان والتقوى.
  فلا بد – إذن-من إيجاد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع علميا وروحيا وجسديا. قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب". المائدة:2.
    وفق الله طلابنا ومعلميهم لما فيه الخير وأيّد خطاهم وجعل النجاح حليفهم في كل مراحل حياتهم الدراسية، أقول قولي هذا وأستغفر الله..

الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد، أيها المعلمون والأساتذة: لقد أعطاكم الإسلام مكانتكم ورفع درجتكم، وذلك لأن عليكم لأمتكم ومن يتعلمون منكم حقوقا عظيمة، فقوموا بها لله مخلصين، وبه مستعينين، ولنصح أبنائكم ومن يأخذون العلم عنكم قاصدين، أخلصوا في التعليم، وامتثلوا أمام طلبتكم بكل خلق فاضل كريم، فإن المتعلم يتلقى من معلمه الأخلاق، كما يتلقى منه العلوم.
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة .. جاءت على يديه الأبصار حولا
   ويا أيها الطلبة، يا من أنتم على مقاعد الدرس والتحصيل وفي جوّ العلم ومحرابه المقدس، احرصوا على طلب العلم لغاياته الكريمة وأهدافه السامية والتي تعود عليكم كأفراد بالخير والرفعة وعلى أمتكم بالتقدم والرقيّ والإزدهار. وتذكروا دوما قول الله عزّ وجل: "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم". البقرة:182. .  دخول موفق وعام دراسي مليء بالنشاط والعمل الجاد مع دوام الصحة والعافية بحول الله وقوته..
     اللهم اشرح صدورنا وصدور أبنائنا وبناتنا للإيمان وافتح قلوبنا وقلوبهم للعلم والمعرفة، واجعل النجاح حليفهم في موسمهم الدراسي. اللهم وألهِم الأساتذة والمعلمين السداد في القول والعمل، وسدد خطاهم على طريق الحق والصواب، اللهم كرمنا وإياهم بنور الفهم وأخرجنا من ظلمات الوهم وافتح علينا وعليهم بمعرفة العلم وحسّن أخلاقنا بالحلم، واجعلنا وإياهم وتلامذتهم من الناجحين الفائزين في الدنيا والأخرة بمنّك وفضلك يا ذا الجلال والإكرام، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

18 أغسطس 2018

الموضوع: خطبة عيد الأضحى

الخطبة الأولى
      الله أكبر (7)، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
   الحمد لله العلي الكبير، الحميدِ المجيد، شرع الدِّين لمصالح العباد، وبيَّن لهم ما ينجيهم يوم المعاد؛ "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ". البقرة: 132.
   الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه؛ "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ". القصص: 70.
    الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه، أبهج بالعيد نفوسَنا، وشرع لنا أضحيَّتَنا، وأكْمل لنا ديننا، وأتمَّ نعمته علينا، ودفَع السوء عنا، ومن كل خير أنالنا، هو ربُّنا ومالكنا ومعبودنا، نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدلٌ فينا قضاؤه، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، يجزي على الحمد حمدًا وفضلاً، ويكافئ على الشكر زيادة وبِرًّا، ويدفع بالاستغفار عقوبةً ويغفر ذنبًا،    
      وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عمَّ فضلُه العالمين، ووسع إحسانُه الخلقَ أجمعين، وكتب رحمتَه للمؤمنين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أنار الله - تعالى - به الطريق للسالكين، ورفع ذِكره في العالمين، وجعله حُجةً على العباد أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه السادة المتقين، والغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اتاكم العيد بالافراح فاحتفلوا واكثروا من تهاني العيد واتصلوا
وبلغوا الاهل والاصحاب تهنئة بالعيد يزهر فيها الحب والامل
       أما بعد أيها المسلمون: فإن الزمان دارت رحاه واستدار في فلكه ووافانا أفضل أيام السنة على الإطلاق؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ".  رواه أبو داود وهو صحيح 
     فيا ربنا لك الحمدُ سرًّا وجهرًا، ولك الحمدُ دومًا وكرًّا، ولك الحمد شعرًا ونثرًا. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
    أيها المسلمون: هذا يوم عظيم، هو يوم الحجِّ الأكبر أفضل أيام السَّنة، وهو أكبر العيدين وأفضلُهما، وهو أيضا خاتمة أفضل عشرٍ في العام، وهو الوسط بين أيام العشر وأيام التشريق، وكلُّها أيام ذِكرٍ وتكبير؛ قال تعالى: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ". الحج: 28، وهي أيام العشر؛ "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ". البقرة: 203، وهي أيام التشريق، وهي أيام أكْلٍ وشربٍ وذِكرٍ لله -تعالى -كما جاء في الحديث. فما أعظمَ فضلَ الله -تعالى -علينا! وما أشدَّ رحمتَه بنا! إذ هدانا إلى ما يقرِّبنا إليه، فله الحمد دائمًا وأبدًا.
    اليوم -يا عباد الله -يومُ الذِّكر والشكر، وهو يوم الذبح والنحر، قال تعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ". الكوثر: 2. وهو يومٌ امتحن الله فيه قلوب عباده المؤمنين وأوليائه الصالحين، ليَعلم علم مشاهدةٍ ما تنطوي عليه هذه القلوب من الخير والطاعة والإستسلام والتضحية.     
    يومٌ امتحن الله فيه نبيه ورسوله وخليله أبا الأنبياء إبراهيم على نبينا وعليه السلام لرؤيةٍ رآها، كما ذكر الله في كتابه العزيز، قال تبارك وتعالى: "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ". سورة الصافات: 99ـ111
    فيا له من بلاء، ويا له من امتحان.. ولكن أمر الله يجب أن يطاع، والأنبياء أحرص الناس على طاعة الله، وقد صدّق إبراهيم الرؤيا ورضي بقضاء الله وسلّم تسليما، ولم يجد من ابنه إسماعيل إلا الصبر والطاعة المطلقة والإستسلام التام: "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين".
         ويطرح إبراهيم ابنه على جبينه لينفّذ أمر الله فيه، فإذا برحمة الله التي هي دوما قريب من المحسنين، ويعلم الله من الأب والإبن إخلاصَهما وصفاءَ معدنهما فيجعل لهما من أمرهما مخرجا، ويأتي النداء من السماء: "يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين". وينظر إبراهيم على نبينا وعليه السلام فيجد الكبش محضرّا أمامه ويُؤمَر بذبحه ويخلي سبيل ابنه، فذبحه وهو يكبر تعظيما لله وشكرا له. ويخلِّد القرآن هذا الحادث ويصفه بأنه البلاء المبين.. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.
     عباد الله: لقد مرّ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بامتحان التّكليف فَوَفَّيَا، فهل نوفي نحن أم ننتكس؟
       فبعض المغزى من قصة إبراهيم على نبينا وعليه السلام أن يمتثل المسلم أمر الله لا يتلكّأ ولا يتهرب، وأن يكون سخيّا معطاء، وأن يعتقد بأن الله جاعل له من أمره يسرا، قال تعالى: "إنا كذلك نجزي المحسنين".
     وما هذه الأضاحي التي تتقرّبون بها إلى الله في يومكم هذا إلا سنة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد عليهما الصلاة والتسليم، ولقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لنا بكل شعرة منها حسنة وبكل صوفة حسنة، وإنها تأتي يوم القيامة شاهدة لصاحبها بما قام به من الشكر لله والتودّد إلى إخوانه. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحبّ إلى الله من إهراقه دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدّم ليقع من الله عزّ وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا". رواه الترمذي.
       فهنيئا لكم هذا اليوم، وهنيئا لكم بما منّ الله عليكم من بهيمة الأنعام، فاشكروا الله وكبروه، وضحّوا عن أنفسكم وأهليكم، واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، حيث ضحّى عنه وعن أهل بيته. قال أنس رضي الله عنه: "ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين– أي أبيضين خالصين– أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما". رواه البخاري.
   ألا وإن السنة في ذبح الأضحية أن تكون بعد صلاة العيد، فقد روى البخاري بسنده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إنَّ أوّلَ ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحَر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا، ومن نحر قبلَ الصلاة فإنما هو لحم قدّمه لأهله، ليس من النسُكِ في شيء".
      أيها المباركون: إذا رجعتم إلى منازلكم فاذبحوا أضاحيكم، وليكن رائدكم في عملكم هذا تقوى الله، قال الله تعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم". الحج: 137. وكلوا منها وأطعموا البائس الفقير والقانع والمعترّ، واعلموا أن ما تقدّمونه من خير فلأنفسكم، فلقد روى الترمذي في سننه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنهم ذبحوا شاة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها إلا كتفها".  لقد بين صلى الله عليه وسلم أن الجزء الذي يذهب للفقراء والمساكين هو يذهب إلى الله، وهو الباقي. قال تعالى: "ما عندكم ينفذ وما عند الله باق".
       ألا واعلموا ـ أيها المؤمنون ـ: إن الأعياد ليست بعودة الأيام ولا بتكرّر السنين، وإنما بما يتحقّق فيها من القيم الإنسانية والأهداف النبيلة، قال أبو إسحاق الألبيري مبينا حقيقة معنى العيد:
ما عيدُك الفخْمُ إلا يومَ يُغفَرُ لَكْ * لا أن تَجُرَّ به مستكبراً حُلَلَكْ
كم من جديدِ ثيابٍ، دينُهُ خَلِقٌ * تكادُ تلعَنُه الأقطار حيث سَلَكْ
ومن مُرَقَّعِ الأطْمارِ ذي وَرعٍ * بكت عليه السَّمَا والأرضُ حين هَلَكْ
    فما الأعياد ـ أيها المسلمون ـ إلا مظهر من مظاهر الأخوة الصادقة والتعاون والتعاطف والتراحم بين المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا، فيومكم هذا هو يوم تآخ وتصادق وتسامح وتصالح، أفرغوا صدوركم من الضغائن والحقد والغلّ والحسد، وصِلوا أرحامكم وأقاربكم وجيرانكم وأصلحوا ذات بينكم، وتذكّروا دوما ما رواه الأمام مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب الجنة يوم اثنين وخميس فيُغفَر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظِروا هذين حتى يصطلحا". وروي ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أمّ قوما وهو له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان، وأخوانٍ متصارمان".
    فلتتصافحْ في هذا اليوم وكلّ يوم قلوبكم قبل أيديكم، واستغفروا لذنوبكم، واعملوا من الصالحات ما تجدونه يوم ترجعون فيه إلى الله، أعرفوا قدر يومكم هذا، وتعرّضوا لنفحات ربكم فإنه رحيم كريم.. 
    الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. اللهم اجعل لنا مواسم الخيرات مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات إلى رحمتك طريقا وسلما، وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...
                                                                  الخطبة الثانية
     الله أكبر(5) ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه بكرة وأصيلا، ورضي عن أصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
     أما بعد، فيا أيها المسلمون: آن لكم أن ترجعوا راشدين إلى بيوتكم على غير الطريق التي أتيتم منها، لتشهد لكم ملائكة الطريقين كما جاء بذلك الأثر، فتذبحوا أضاحيكم بأيديكم، ومن لم يحسن الذبح كفاه أن يوكّل من يقوم بالذّبح بدله ويشهد ذلك، فلقد روى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابنته: "يا فاطمة، قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بكل قطرة من دمها أن يغفر لك الله ما سلف من ذنوبك، قلت يا رسول الله: ألنا أهل البيت أو لنا وللمسلمين؟. قال: بل لنا وللمسلمين".
     اذبحوا أضاحيكم واشكروا الله وأكثروا من حمده وعظموا شعائر الله، "فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ". الحج:32، ضحّوا وطيبوا نفسًا بضحاياكم، فإنه ما عُبِد الله في يوم النحر بمثل إراقة دم الأضاحي، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، واعلموا أن الذبح ممتد إلى غروب الشمس من ثالث أيام التشريق، وأنه يشرع في هذه الأيام التكبير المقيد في أدبار الصلوات المكتوبة، فكبّروا وارفعوا به أصواتكم، وأحيوا سنة نبيكم نَضَّرَ الله وجوهكم،  الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
    هذا، وأذكّركم ونفسي آلاء الله ونِعمَ الله وعطاءَ الله، فاشكروه سبحانه وتعالى يزدكم، فإنه من لم يشكر الله عز وجل أصابه موعوده سبحانه وتعالى من الهلاك والدمار، قال تعالى: "وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ". النحل:112.
     فانظروا ـ عباد الله ـ  أي نعمة نعيشها؛ نعمة الأمن في الأوطان واجتماع الأهل والخلان والصحة في الأبدان، ولذا وجب علينا أن نشكر الله، ونتذكّرَ إخوانًا لنا مفزَّعين ملْتَاعِين في فلسطين وفي بلادِ الرافدَين وفي ليبيا واليمن وفي كلّ مكان، بل إن العالم الإسلامي اليوم ـ أيها المؤمنون ـ لتجتاح كثيرا من بلدانه أمواج عاتية من الفتن، فتنٌ تحرق الدين وتحرق العقل وتحرق البدن، فتنٌ لا تُبقي ولا تذر، فتن اجتالت الأنفس والثمرات، وأذهبت الأموال والممتلكات، وأحرقت المدن والأرياف، فتنّ شرّدت وأفزعت الرجال والنساء والصغار والكبار، والله المستعان على ما تَصف وتَنْقُل وكالات الأنباء ونشرات الأخبار..
   ولا يسعنا إلا أن نقول: اللهم تدارَك أمةَ نبيِّك الأمين، وانصرهم على عدوّك وعدوهم يا قوي يا متين، اللهم انشُر بينهم الأمن والإيمانَ والتقوى، وجنِّبنا وإياهم الآفات في السر والنجوى، يا كاشف كلِّ بلوى، لا إله إلا أنت يا رب العرش العظيم، اكفِنا ما أهمَّنا وما لا نهتمُّ به، وما أنت أعلمُ به منا، وكن هَمَّنا أنت وحدَك يا أكرم الأكرمين. اللهم يا محوِّل الأحوال حوِّل حالنا وحال المسلمين أجمعين إلى أحسن حال، وعافِنا من أحوال أهل الضلال وفِعل الجهال يا رب العالمين، اللهم نسألك لنا ولبلدنا وللأمة مِن خير سألك منه عبدُك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك مما استعاذك منه عبدُك ونبينك سيدُنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم وإن لنا إخوانا هم حجاج بيتك نغبطهم على ما يسرت لهم، لكن نسألك أن تتقبّل منهم، وأن تيسّر أمورهم، وأن تجعل حجهم مبرورا وذنبهم مغفورا، وأن تعيدهم إلى بلدانهم سالمين وبالأجر غانمين. ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، وأعد علينا على اليوم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
. كل عام والجميع بتوفيق الله في خير وعافية، وصلى الله وسلم على محمد.

16 أغسطس 2018


الموضوع: وقفة مع خطبة حجة الوداع..
الخطبة الأولى

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. مَنْ يهدِ الله فلا مُضلَّ له ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أُوصيكم عباد الله بتقوى الله وأَحُثُّكُم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير..
      وبعد، أيها المسلمون: تعود بِنا الذّكرى تتراآى لعينِ القلبِ المُحِبّ المُشتاقِ المُلَبِّي، وإن حَبَسَهُ حابسٌ وحالَ دونَ سيره حائِل .. فنعيش معا في ظلال صورة وارفة ومشهد مهيب، زمناً نستقطعهُ من زمننا هذا..
    نعم أيها الأفاضل: عمّا قليل.. وفي أطهر البقاع، في منى وعرفات يلتقي البشر من مختلف أنحاء العالم، ينصهرون جميعا في بوتقة الإيمان والتعبد والتضرع إلى الله عز وجل، يتوافدون رجالا وركبانا من كل فج عميق، في أعظم رحلة يقوم بها المسلم في حياته لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام..
     ونحن هنا.. وأعناقنا تشرئب إلى المسجد الحرام، ونتابع في خشوع ما يدور هناك، وما سيكون في منى وعرفات، وتكتحل عيوننا برؤية جموع الطائفين والقائمين والركع السجود، وتصل إلى أسماعنا هتافاتهم بالتلبية حتى أعماق قلوبنا. لبيك اللهم لبييك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..
   وإننا لنسعد والحجيج زوار بيت الله الحرام، تترى أخبارهم وهم يقومون بهذه الشعيرة بكل حبّ وإيمان وتجرّد، بما تنقله لنا وسائل الإعلام في رسائلها المبثوثة والمصوّرة، وإننا لنمدّ أبصارنا وأفكارنا لنستعيد الكثير الكثير من الصور المتعلقة بهذا الركن.. وأهمّها وأجلّها وأعظمها على الإطلاق صورة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي سعدت به الدنيا ثلاثا وستين سنة، وها هو يحج حجة الوداع، تلك الحجة التي قام بها صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، فعلّم الناس مناسكهم وبيّن لهم سنن حجهم، وألقى خطبته الجامعة في عموم المسلمين..
      إنه اليوم يلمّح بالرحيل بعد أن بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة، وغرس الإيمان في قلوب من آمن به لينشروا دين الله بعده، إنها كلمات مضيئة، وعبارات جامعة، وبنود معدودة، يلقي بها إلى سمع الدنيا، وعليها أن تسمع، لقد استنصت الناس، وأمر واحدا من الذين كانوا يقفون إلى جواره أن يردّد ما يقول، وليردّد ثالث ورابع، حتى يصل كلامه إلى أبعد الحجيج مكانا، وكانوا مائة ألف أو يزيدون، وقف الجميع وكأنما على رؤوسهم الطير، ما بين معجب ومشرئب بعنقه وواجم، وخاصة عند ما قال: "أيها الناس: اسمعوا أبين لكم، فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا...". أنصت الناسُ طويلا، وفكّروا مليّا، وجذبتهم بقوة هذه العبارة، وساد الصمت والقلق ودمعت العيون، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يتحدّث كعهده دائما بكل الحبّ والصدق والإخلاص..
   وما أسعدني اليوم.. وأنا أكرّر هذه الخطبة، كما كرّرها يومئذ ربيعة بن أمية بن خلف وراءه، وكما جاءت في كتاب سيرة ابن هشام رحمه الله في الجزء الرابع صفحة 250 وما بعدها..
  قال ابن إسحاق: وخطب النّاس خطبته الّتي بيَّن للنّاس فيها ما بيّن، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال:
"
أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَقَدْ بَلَّغْتُ. فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ؛ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ، قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لا رِبًا وَإِنَّ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ بَنُو هُذَيْلٍ، فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ " إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ"، (سورة التوبة آية36ـ37 )، وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنَّ أَلا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنِ انْتَهَيْنَ ؛ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لا يَمْلِكْنَ لأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، فَاعْقِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَاسْمَعُوا قَوْلِي؛ فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ، وَتَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ وَاعْقِلُوهُ؛ تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِخْوَةٌ، فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إِلا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَلا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالَ: فَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ".
    ألا ما أعظم السؤال! وما أعظم المَقام! ثلاثة وعشرون عاماً قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ والدعوة والصبر والمصابرة والجهد والجهاد، ومع ذلك يَسأل ويَستشهِد على بلاغه لأمته، فأجابته الجموع بفمٍ واحد: نشهد أنك قد بلَّغت ونصحت وأديت الذي عليك، فرفع صلى الله عليه وسلم إصبعه الشريفة إلى السماء، وجعل ينكتها إلى الناس وهو يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد .  
    وإنا نشهد يا نبي الله أنك قد بلغت وأديت، ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك، ما تركت أمراً يقرب من جنة الله إلا وأرشدتنا إليه، وما تركت جرماً يبعدنا عن الله إلا وحذرتنا منه..
صلَّى عليك الله يا خيرَ الورى * تعداد حبات الرمال وأكثرا
صلَّى عليك الله ما غيثٌ همى * فوق السهول وبالجبال وبالقرى
يا خير مبعوث بخير رسالةٍ * للناس يا خير الأنام وأطهرا
صلى عليك الله في عليائه * ما صاح داع للأذان و كبرا
صلوا على المختار أحمد إنه * أزكى الأنام وخير من وطئ الثرى
   اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى أله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام على خير من حج واعتمر، ووقف بعرفة والمشعر، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، وسلم تسليماً كثيراً .
    أما بعد، أيها المسلمون: لقد كانت خطبة الوداع والتي تخللت شعائر الحج لقاءً بين أمة ورسولها؛ كان لقاء توصية ووداع، توصيةَ رسول لأمته، لخّص لهم فيه أحكام دينهم ومقاصده الأساسية في كلمة جامعة مانعة، خاطب بها صحابته والأجيال من بعدهم، بل خاطب البشرية عامة، بعد أن أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح للأمة في أمر دينها ودنياها.
والعالم الإسلامي يمر بالمرحلة التي تعرفون، فإن الإيمان والعقل والوعي والخلق القويم، يفرض علينا أن نستفيد من هذه الخطبة.. فيا لو عمل المسلمون بهذه التوجيهات الكريمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لسادوا ولأصبحوا أقوى الشعوب قوة، ولكن.. يا أسفاه..
    ليتهم يدركون عند تأملّهم قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس"، ولم يقل: "يا أيها الذين آمنوا"، فإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على يقضته صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي على الناس يوما يتّهم الإسلام بما ليس فيه، وأكّد ذلك في أول بند من بنود هذه الخطبة.. وذكر شريعته في المال والدماء، "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم"، وكان البند الثاني والقرار الصارم، هو إماتة الروح الجاهلية في نفوس المؤمنين، فلا فخر ولا استعباد ولا ظلم، فأبعدهم عن ربا الجاهلية والدم، وحذّرهم من التشبيه بالجاهليين، وأعلن في قرار ثالث، وصيته بالنساء خيرا، فأثبت لهنّ ضمانات حقوقهنّ وكرامتهن. وفي البند الرابع وضع صلى الله عليه وسلم القانون الإلهي الذي إن تمسّك به المسلمون نجوا ونجحوا، وكانوا خير أمة أخرجت للناس..
      خطبة افتتحها صلى الله عليه وسلم بما افتتحت به، وألقاها في مثل أيامكم هذه من السنة العاشرة للهجرة، وأشهد عليها آباءكم وأسلافكم حين قال كما جاء في رواية صحيح مسلم: "وأنتم مسؤولون عنّي فما أنتم قائلون؟.
   وفي هذه الكلمة وحدها ـ أيها المسلمون ـ ما يدلّ دلالة واضحة على أهمية شأن هذه الخطبة، وأهمية العناية بها، وأن الحاجة ماسة إلى معرفتها في حق كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى، لتكون تثبيتاً للمؤمنين وتذكرة للغافلين وإرشاداً للذين ابتعدوا عن الصراط المستقيم..
    رزقنا الله البصيرة بسنته والاهتداء بهديه، وجعلنا من ينال رضاه وشفاعته، اللهم اجعل لنا مواسم الخيرات مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات إلى رحمتك طريقا وسلما، اللهم تدارَك أمةَ نبيِّك الأمين، وانصرهم على عدوّك وعدوهم يا قوي يا متين، اللهم انشُر بينهم الأمن والإيمانَ والتقوى، وجنِّبنا وإياهم الآفات في السر والنجوى، يا كاشف كلِّ بلوى، لا إله إلا أنت يا رب العرش العظيم، اكفِنا ما أهمَّنا وما لا نهتمُّ به، وما أنت أعلمُ به منا، وكن هَمَّنا أنت وحدَك يا أكرم الأكرمين. اللهم يا محوِّل الأحوال حوِّل حالنا وحال المسلمين أجمعين إلى أحسن حال، وعافِنا من أحوال أهل الضلال وفِعل الجهال يا رب العالمين، اللهم وإن لنا إخوانا هم حجاج بيتك نغبطهم على ما يسرت لهم، لكن نسألك أن تتقبّل منهم، وأن تيسّر أمورهم، وأن تجعل حجهم مبرورا وذنبهم مغفورا، وأن تعيدهم إلى بلدانهم سالمين وبالأجر غانمين. وتقسم لنا ما قسمت لهم من الرحمة والمغفرة، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين..