03 ديسمبر 2019

الموضوع: مظاهرات 11 ديسمبر 1960ـ كانت فصل الخطاب في زمن الارتياب، فكونوا اليوم يدأ واحدة قي مواجهة التحدّيات.. ولا يثبّطنكم المرجفون..

الخطبة الأولى
   الحمد لله الذي منّ علينا بوطن من خيرة الأوطان، ونشر علينا فيه مظلة الإستقرار والأمان، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الأنداد والأولاد والأعوان، واشهد أن نبينا محمدا عبدالله ورسوله المؤيد بالحجة والبرهان. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه واصحابه ومن تبعهم باحسان، صلاة وسلاما متجددين بتجدد الأزمان.
    أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واذكروا أيامه لعلكم تتذكرون، اذكروا أيام الله بنصر أوليائه، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده فقضى بينهم بفضله وعدله لعلكم توقنون.
    أيها المسلمون: إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمّة هو نصرٌ للحق وذلّةٌ للباطل، وأخذٌ للمتكبر، ونعمة ٌعلى المؤمنين إلى قيام الساعة، فاتقوا الله تعالى وتعلّموا ما يكون به عبرةٌ لكم، واطّلاعٌ على حكمة ربكم في تقديره وتشريعه. فقد قص الله في القرآن الكريم أحوال الأمم السابقة وما جرى بيِنهم وبيِن أنبيائهم، وأمرنا باستخلاص العبر من تلك الأحداث، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ ..}. يوسف:111
    وهذا أسلوبٌ من الأساليب القرآنية للتذكير بنعم الله، لأن نعم الله تعالى وعطاياه ومنحه من آثار ربوبيته سبحانه وتعالى، بل هو أسلوبٌ أقرب إلى الحس والمشاهدة، بحيث لا يصعب إنكاره إلا من جاحدٍ للنعمة كافرٍ بها، ونحن نجد فيضًا من الآيات المذكِّرة بنعم لله تعالى على اختلافٍ في هذه النعم، ففي سورة إبراهيم على نبينا وعليه السلام، نقرأ قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }، (إبراهيم:5). فهذه الآية صريحة في بيان أيام الله، وأنها مما امتنّ الله تعالى به على بني إسرائيل من نعمة النجاة من عذاب فرعون وبأسه، وهو حريٌّ بهم أن يُذعِنوا بالطاعة والانقياد لله تعالى والإخلاص له بالعبادة. ولقد جاء مثل هذا التنبيه في خطاب مشركي قريش، حيث قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}. (إإبراهيم:28ــ29). حيث ذكر ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن هؤلاء هم كفار أهل مكة، جاءتهم نعمة الله ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا النعمة، وجحدوا بها وأهلكوا أنفسهم وقومهم في الدنيا يوم بدر، وفي الآخرة حيث ماتوا على الكفر والعياذ بالله. قلت: وأيُّ نعمة أعظم من نعمة الإسلام والهداية إلى التوحيد، وأي خسارة أعظم من الإعراض عن هذه النعمة.
    وإذا كان الخطاب موجه في كل ذلك إلى أولئك، فإننا مخاطبون بمثل ما خوطبوا به، ومذكَّرون بمثل ما ذُكروا به، ومُحذَّرون بمثل ما حُذِّروا منه، وقد أنعم الله علينا بمثل ما أنعم عليهم، وبأوفرَ مما أعطاهم وأجلّ، فمن واجبنا أن نذكُر نعم الله علينا ونشكره عليها..
  عباد الله: وإن أيام الجزائر وقصة َاستقلالها قصةٌ طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية وطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة أكثر من مليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، كتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أهريقت في ميادين المقاومة، وفي المساجد وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون .
   وما مظاهرات {11 ديسمبر من عام1960م}  إلا ذكرى تاريخية هامة، وحلقة مشرِّفة لملحمة من ملاحم ثورة التحرير المباركة. والتي عبَّرت بحقّ تعبيرا قويا عن صمود واستبسال الشعب الجزائري في سعيه نحو الإستقلال، فبعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة ديغول يوم 9 ديسمبر في عين تيموشنت والداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي، ومظاهرات المعمِّرين يوم 10 قبله الداعية إلى اعتبار الجزائر فرنسية، زحفت المظاهرات الشعبية في أرجاء الوطن بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر لتعبِّر عن وحدة الوطن، والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالإستقلال التام، هاتفة: الجزائر مسلمة، الجزائر جزائرية.
      حيث خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العمومية عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت "ساحة الورشات" كما كان يطلق عليها إبان ثورة التحرير (أول ماي) كثافة شعبية متماسكة مجنّدة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني. 
   ودامت هذه المظاهرات لأزيد من أسبوع، في جميع المدن والقرى الجزائرية.. وكشفت بفعل الصّدى الذي أحدثته على أكثر من صعيد حالة الإرتباك التي أصابت الاستعمار، وعن مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك سيادته المسلوبة، وجاء ردّ فعل السلطات الفرنسية قويا تجاه المظاهرات، إذ قابل الجيش الفرنسي الجموع الجزائرية بالدبابات والمدافع والرشاشات، وأمطروهم بنيران القنابل وأطلقوا عليهم الرصاص، كما قامت الشرطة الفرنسية بمداهمات ليلية لاختطاف الجزائريين من منازلهم والإغارة عليهم وهم يوارون شهداءهم، (كما هو الحال في مقبرة القَطّار وسيدي أمحمد،) مما زاد في عدد القتلى، بالإضافة إلى سلسلة الاعتقالات التي مست عددا كبيرا من الجزائريين.  
    ولقد كان وقع هذه الظاهرات على المستوى الخارجي كبيرا، حيث كشفت للعالم حقيقةَ الاستعمار الفرنسي ووجْهَه الإجرامي، كما أكسبت هذه الأحداث جبهة التحرير الوطني دعما دوليا واسعا، حيث اقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية التي كانت تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي. (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ..)، (إبراهيم:42). (..وَيمكُرُونَ وَيَمكُرُ الله ُوَالله ُخَيرُ الماكِرِينَ)، (الأنفال:30).
    فمظاهرات 11 ديسمبر 1960م ـ أيها المسلمون ـ كانت فصل الخطاب في زمن الارتياب لميلاد ثورة نوفمبر الحقيقة والأسطورة، وأظهرت الصورة التي كانت تغيبها فرنسا الاستعمارية عن الشعب الجزائري في التلاحم والاتحاد لنصرة قضيته التي رسمها نوفمبر الثورة بريشة الجهاد، وبمداد دم الشهداء، جوهرها الصدق والإيمان والوفاء للوطن.
   نعم.. إن ذكرى 11 ديسمبر 1960 ذكرى خالدة في سجل إنجازات هذا الشعب الأبيّ الذي جسَّد روح التضامن والوحدة، وعبَّر بصدق للعالم أجمع عن مطلبه السامي لحرية وطنه، مدركا أنْ لا بديل عن الاستقلال غير الفعل الثوري والصبر على المكاره ورفع التحديات والسمو بالهمّة إلى مستوى الوعي التاريخي، كان نشيده:
نحن جند في سبيل الحق ثرنا وإلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يصغى لنا لما نطقنا فاتخذنا رنة البارود وزنا
وعزفنا نغمة الرشاش لحنا وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب
ان في ثورتنا فصل الخطاب وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا
     وإذا كنا ـ أيها المسلمون ـ نحيي هذه الذكرى فإننا نهدف إلى استلهام العبر من سيرة الأبطال الذين وهبوا أنفسهم في سبيل الله والوطن، رجال لم تُغرهِمْ زخارف الدنيا ولا بريق المناصب ولا كسب الأموال، فتحدَّوا الصعاب وخاضوا معركة الشرف والكرامة، فكتبت لهم الشهادة، فهم في أعلى عليِّين. "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".
   فكونوا اليوم صفّا واحدا في كتيبة واحدة متراصّة لمواصلة الطريق، واحرصوا على تحمُّل المسؤولية في مسيرة البناءِ، والإخلاص  وحسن العطاء. كونوا خير خلف لخير سلف، سيروا على درب الأُلى الذين ساروا على نهج الهدى، وتدربوا على التضحية والفداء. صلوا الحاضر بالماضي، لتبلغوا أرفع مدارج العز في العاجلة، وخير منازل المقرّبين في العقبى .
    وإلى الله نتوجَّه ـ جميعا ـ بالشكر على ما أنعم به علينا من تخليصنا من أنياب شيطان الإستعمار، وأعاد أرض الإسلام إلى أمَّة الإسلام، ونستنزل رحمات الله الصيِّبة وصلواته الزكيَّة الطيبَّة، لشهدائنا الأبرار. فاللهم ارحمهم واجعل درجاتهم في عليين، ووفقنا للسير على طريقهم يارب العالمين.

الخطــبة الثانــية
     الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليّ الصالحين. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الأمين. اللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
     أما بعد، أيها المسلون: فإذا كان الجزائريون خرجوا في ذلك اليوم في مظاهرات رافضين لكل ما هو فرنسي وواقفين صفا واحدة وقالوا كلمة واحدة "لا لجزائر كقطعة فرنسية، ونعم لجزائر حرة أبية" . فما أحوجنا ـ اليوم  ـ في أزمنة هذه الأحداث الجسام التي تعصف بأمتنا هنا وهناك، إلى أن نذكِّر أنفسنا ونذكِّر الناس بأيام الله فينا، فالتذكّر والتذكير في القرآن قضية ملحّة تهزّ عقول البشر هزا عنيفا، وتزيح أستار الغفلة التي تلقيها عليها بين الحين والحين نوازع النفوس الآثمة ومغريات الحياة، وذلك ليعود للعقل البشري صفاءه، لأن تلك السنن، سنن الله ولن تجد لها تبديلا ولا تغييرا.
     فالجزائر تمر اليوم بمرحلة تاريخية حساسة وفارقة في تاريخها الحديث، وهي بمثابة إعادة تأسيسٍ لدورها الريادي والحضاري في المنطقة العربية والعالم، وستفرز ـ بحول الله ـ من يشكّل الوجهة الحضارية لمستقبلها، وإن من يقرأ المشاهد ـ قراءة صحيحة ـ ولو على عجل يعرف أن أعداءً كثيرين لا يريدون للجزائر أمانًا ولا استقرارًا ولا رخاء ولا ازدهارًا،  يحركون مَا ـ وَمَنْ ـ يستطيعون لإطالة عمر الأزمة وإحداث الخلل وزعزعة الأمن ليسهل التآمر والتفكيك لتوجُّهات الشعب الجزائري، فهم يرغبونها فوضى ويبغونها عوجًا.
  وليس بعيدا عنكم تغريدة ذلكم النائب الأوروبي الفرنسي ذوي الأصول الإسرائيلية "رفاييل غلوكسمان" ، والتي جعلت البرلمان الأوروبي يخصص إحدى جلساته لمناقشة الوضع في الجزائر، للتشويش الممنهج في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا تدخل سافر واستفزاز للشعب، وعمل مفضوح ومنبوذ يريد إشاعة الفوضى وترويج الفتنة وضرب استقرار البلاد.
   ولقد خفي على هؤلاء أن الجزائر على لسان شاعر ثورتها تمثّل في الوجود رسالة، رسالة ردّدت صداها جبال وصحاري ومدن وقرى الجزائر التي هبّ كل مواطن فيها ليصنع ملحمة تاريخية قلّ مثيلها في العالم، وعلى رجع صداها يسير المخلصون من أبناء الجزائر وبناتها. قال ـ رحمه الله ـ في خواطره وأسمعا:
إن الجزائرَ في الوجـود رسالةٌ الشعبُ حرّرها وربُّك َوَقّـعا
إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيّةٌ في الكون.. لحّنها الرصاصُ ووقّعا
     ومن هنا يفرض علينا الواجب الديني والوطني والخلقي ضرورة التحلّي باليقظة والإيجابية والوعي والبعد عن السلبية والهوى والعصبية والعاطفة، فهناك مستجدّات ومتغيّرات تستوجب وتستلزم من العقلاء وأهل الخير جميعًا الوقوف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص حتى لا يتحقّق للأعداء والمرجفون ما يكيدون، وإذا فات الفوت لا ينفع الصوت..
    أيها المباركون: وإن الشريعة إنما جاءت ـ كما قال ابن تيمية رحمه الله ـ "بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ورجّحت خير الخيريْن بتفويت أدناهما"، وكما يقال: "ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشرّ الشرين".
إن اللبيب إذا بدا من جسمه * مرضان مختلفان داوى الأخطرا
   فإياكم.. إياكم وتعطيل مصالح الناس وإعاقة جهود الارْتِقاء بالمجتمع، فإن ذلك مدعاةٌ لكل من يعجز عن محاكاة الصورة المثالية للتراجع وترك العمل.. ورحم الله عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد -رحمه الله- حيث روي أنه لما استعمل على الجزيرة وعلى قضائها وخراجها ميمون بن مهران -رحمه الله- صَعُبَ عليه أن يُحاكيَ الوضع المثاليَ هناك، فكتب إلى عمر يستعفيه قائلا: كلّفتني ما لا أَطيق. فكتب إليه عمر: "اجْبِ من الخراج الطَّيب، واقض بما استبان لك، فإذا التبس عليك أمر فادفعه إليَ؛ فإن الناس لو كان إذا كبُر عليهم أمر تركوه ما قام لهم دين ولا دنيا".  البداية والنهاية لابن كثير 9/317.
  فالإسلام شرع النظام ونبذ الاختلاف المؤذي في جوانب الحياة كلها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في السياسية الشرعية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بدّ عند الإجتماع من رأس". وساق رحمه الله الحديثين السابقين إلى أن قال: "ويقال: ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك". ا.هـ
البيتُ لا يُبتنى الا له عمدٌ * ولا عماد اذا لم تُرْس أوتاد
فان تجمَّعَ أوتادٌ وأعمدةٌ * وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم * ولا سراة إذا جُهالهم سادوا
  أيها المباركون: إن وطننا بحاجة إلى وقفة جديرة بحجمه وأهميته وقَدْره من رجال يستحقون أن يحملوا للوطن الكثير من العرفان، وأن يقدّموا له الجزيل من ردّ الجميل، والعطاء لأجل الوطن ليس صَدَقة أو مِنّة، ولكنه واجب وترجمة لمسؤولية لا يجوز التملّص منها، وإثبات بأنّ للوطن رجالاً يحيون من أجل الوطن.   
    فلا يثبطنّكم أصحاب المصالح والمرجفون الذين يوهنون قوى الأمة، ويفتّون في عضدها، أولئك لا يريدون إلا الفتنة وتفرق الشمل، فكونوا يدًا واحدة في مواجهة التحديات، وجنبًا إلى جنب وبكل ما أوتيتم من قوة ورأي وجهد في بقاء سفينة المجتمع الجزائري آمنة مطمئنة، تنعم بالسخاء والرخاء، لتصبح عصية على كل اختراق، ثابتة راسخة أمام أي ريح هوجاء قد تهب من هنا أو هناك، والله خير الحافظين..
    وليس من حق أي إنسان أن يوزع صكوك الوطنية علي الناس طالما هناك إجماع علي التغيير والهدف واحد ومتفق عليه، وهو خروج الشعب من هذه الهبَّة والحراك الباهر بحصيلة مركَّبة من نتائج باهرة ليس أعلاها قطع رأس أخطبوط الفساد، ولن يكون أدناها منح البلد رئيسا يتمتّع بقدر كبير من الشرعية، يؤطّر وبطانته الخيّرة لمنهج وطني شامل يقود الوطن وأهله إلى بر الأمان، ويسيّس أهلها بالإحسان..
     ثم بعد ذلك، وقبل ذلك.. لعل لله مَشيئةً تفوق طموح الشعب الجزائري، ويريد بهم ولهم فوق ما يطمحون.. قال العالم الرباني سيدي عبد الرحمن الثعالبي فخر الجزائر المحروسة وصاحب تفسير الجواهر الحسان رحمه الله:
إنّ الجزائر في أحوالها عجب * ولا يدوم بها للناس مكـروه
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع * إلا ويُسرٌ من الرحمن يتلوه
نعم.. فالجزائر ـ ستظل بحول الله ـ وبتماسك أبنائها محروسة عصيّة على الإنكسارات، وقوة متماسكة ضد الشرور، فلا مجال للذين يشكلون أدوات هدم، أو يتوهمّون أن باستطاعتهم النيل من تماسك الوطن وأبنائه..  ورحم الله الشاعر الكبير البرناوي الذي رحل في الرابع والعشرين من فبراير عام 2009، في قوله
قد كنا أمس عمالقة * في الحرب نذل أعادينا
وإنا اليوم عمالقة * في السلم حماة مبادينا
أبطالا كنا لا نرضى * غير الأمجاد تحيينا
نزهو بالماضي في ثقة * والحاضر يعلو ماضينا
      #دامت الجزائر بفضل الله إلى ما شاء الله علقما في عين كل حسود، وإثمدا في كل عين كل ودود، وسقى أرجاءها المشرقة وأغصانها المورقة شآبيب الإحسان ومهدها بالأمن واالإيمان، ووفق أبناءها لاختيار الرجال الصالحين الذي يعينونهم على دينهم ودنياهم، وبارك فِي أَرْضِها وسمائها، وأكثر خيرها في بَرِّها ومائِها، وحفظ أهلها وأمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، وجعلها آمنة مطمئة وسائر بلاد المسلمين.. وصل اللهم وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..