10 يوليو 2012


الموضوع: اختتام الموسم الدراسي، والعطلة الصيفية
الخطبة الأولى
      الحمد لله المتحبّب لعباده بترادف نعائمه، أحمده سبحانه على سرائه وضرائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في صفاته وأسمائه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لا خير إلا دل أمته عليه، ولا شرّ إلا حذرها منه. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
      أما بعد، فيا عباد الله: إذا كانت النعم فيضا من المولى الكريم لا يقف تتابعه، وغيثا لا يكف هطوله، كما قال تعالى: "وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها..". النحل:18.  فإن من بين هذا الفيض نعمتين يغبن فيهما الكثير من الناس، أفصح عنهما الرسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". رواه البخاري.
     أيها المسلمون:  لقد اختُتِم العام الدراسي، الذي أمضى فيه أبناؤنا وقرة أعيننا جهدا كبيرا في العمل والنظر والدراسة، وختموه بامتحانات نسأل الله لهم فيها السداد والتوفيق والنجاح.
ولكنّ البعض منهم سيحسّ بمشكلة الفراغ التي قال فيها الرسول صلى الله عليه و سلم: "مغبون فيها كثير من الناس".
هذه النعمة – نعمة الفراغ- متوفرة الآن لشبابنا فما أدري أيكون شبابنا من الكثير المغبون؟. أم سيكون من ذوي العزم والقوة الذين يربحون أوقات صحتهم وفراغهم؟.
    أيها المسلمون: إن هذا الفراغ الذي حصل للشباب بعد انقضاء الموسم الدراسي الذي كانوا فيه مستغلين أوقاتهم وقواتهم العقلية والفكرية والجسمية، هذا الفراغ الذي حصل، لابد أن تنعكس آثاره على نفوسهم وتفكيرهم وسلوكهم، فإما أن يستغلوه في خير وصلاح، فيكون ربحا وغنيمة للفرد والمجتمع، وإما أن يستغلوه في شر وفساد، فيكون خسارة للفرد والمجتمع.
إن الشباب بعد الجهد الجهيد الذي أمضاه في عامه الدراسي، إذا كانت العطلة فسيجد الفجوة واسعة بين حالته اليوم، وحالته بالأمس، وسيحسّ بالفراغ النفسي والفكري. سيقول بماذا أقضي هذه العطلة؟.
ولكن الشباب المتطلع إلى المجد والعلا، يستطيع أن يستغل هذه العطلة بما يعود عليه وعلى أمته بالخير. يمكن أن يستغل وقت العطلة بمذاكرة العلم، ومراجعة دروسه الرسمية الماضية أو المستقبلية، أوفي دروس أخرى يتثقف بها ثقافة عامة. أو يذهب إلى مدرسة من مدارس تحفيظ القرآن، فيحفظ ما شاء الله له أن يحفظ، فمن شغله القرآن فقد فاز فوزا عظيما. قال صلى الله عليه و سلم فيما رواه البخاري و مسلم: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه".
وإذا لم يتمكن من استغلال العطلة بالقراءة، فإنه يمكنه أن يستغلها بالعمل البدني، يكون مع أبيه أو أخيه في دكانه، أو مصنعه، أو أية مهنة مباحة يمارسها، ليكسب من ذلك ويفيد غيره، ويسلم من خمول الذهن وتبلبل الفكر واضطراب المنهج والسلوك.
وإذا لم يتمكن من هذا أو ذاك، فإنه يمكنه أن يقضي وقته في رحلة يكسب بها استطلاعا على بلده ووطنه، ويتعرف على إخوانه، شريطة أن يحافظ على دينه وخلقه، فيصلّي الصلاة لوقتها ويؤديها على الوجه المطلوب، ويتجنب كل رذيلة وخلق سافل، ويستصحب القرناء الصالحين، الذين يذكّرونه إذا نسي، ويقومونه إذا أعوجّ.
     عباد الله: إننا نتحدث عن الشباب، لأنهم جيل المستقبل، ورجال الغد، وأمانة في أعناق من فوقهم، وفي أعناق أوليائهم بالذات، ولقد كان للمدرسة العبء الثقيل، والآن المسؤولية على أولياء أمورهم من الآباء والأمهات.
       فعليكم – أيها المسلمون- مراعاة أولادكم، وحمايتهم من ضياع الوقت، وانحراف العمل والسلوك، وامنعوهم من معاشرة أهل الفساد.
                    فإن الأفاعي وإن لانت ملامسها     عند التقلب في أنيابها العطب
وفق الله أبناءنا وبناتنا إلى الخير والصلاح، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم، آمين.
الخطبة الثانية 
      الحمد لله رب العلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد، فيا أيها المسلمون: إننا لا ننكر حق الشباب في الراحة والترفيه البريء عن النفس، فهذا أمر دعا إليه الدين، وتتطلبه الطبيعة البشرية القائمة على التوازن والإعتدال بين الروح والجسد، فقد جاء في الأثر : "روّحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلّت ملّت". ولكننا نشفق على من يبدّدون أوقاتهم، ويضيعون أعمارهم فيما لا يفيد.
     إلى هؤلاء أذكر هذه القصة : "قام رحّالة في أحد العصور القديمة برحلة إلى مدينة نائية، وأثناء جولته في منطقة تضم المقابر، استرعى انتباهه أنه مسجل عليها أعمار الموتى، وقد تجاوز كثير منهم المائة عام، إلا أن حياتهم تراوحت ما بين سنوات قليلة، أو أيام معدودة، مثلا: كتب على قبر فلان بن فلان عاش سبعين سنة وعمره عشر سنوات. فاستغرب الرحالة لحال هؤلاء القوم، فسأل أحدهم عن حقيقة الأمر، فأجابه: بأن العمر الحقيقية عندنا إنما تقدّر بالأعمال العظيمة التي قام بها كل واحد منا. فصمت السائل برهة، ثم قال له: "إذا وافتني المنية في بلدكم، فاكتبوا على قبري، هذا الرجل مات قبل أن يولد".
     فاعتبروا بهذا أيها المسلمون: وتدبروا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي".
فاللهم وقفنا لصالح الأعمال والأقوال، واجعل خير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك، ووفق شبابنا إلى العمل بما يرضيك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تنصرنا على أنفسنا حتى نستقيم على أمرك، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام، وأدخلنا الجنة دار السلام، اللهم واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين. ووفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

02 يوليو 2012


 الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
أما بعد، فلقد عاشت الجزائر 132 سنة من الإستيطان والإستعمار الإستدماري الوحشي الذي مارسته فرنسا، والذي نتج عنه أكثر من عشرة ملايين شهيد، ضحوا بأرواحهم كي ننعم بالحرية جيلاً بعد جيل، منهم مليون ونصف مليون شهيد في الثورة المباركة التي دامت 7 سنوات ونصف، والتي اندلعت يوم الإثنين الفاتح من نوفمبر 1954،وانتهت بالإعلان عن الإستقلال والحرية لهذا البلد العظيم في 5 جويلية 1962. وهو نفس تاريخ الإعلان عن استعمار الجزائر إذ هو يوم احتلالها– يوم وقع فيه "الدّاي حسين" على وثيقة الاحتلال– وكان ممكنا أن تحتفل الجزائر باستقلالها قبل هذا اليوم. لأن قرار توقيف إطلاق النار، كان يوم 19 مارس. كما أن القوات الفرنسية انسحبت من نفس مكان دخولها شاطئ سيدي فرج بالعاصمة. وهذا لغاية نعلمها. وهو أن الرجال الأحرار والمجاهدين الأبطال، أبوا إلا أن يثأروا لكل يوم موتور من تاريخ الجزائر، حتى يحققوا للحرية نصاعتها وقدسيتها.
   ذلك في الماضي أما في الحاضر فها هو رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة حفظه الله يشرف على الاحتفالات الرسمية المخلدة للذكرى بميناء سيدي فرج في الضاحية الغربية للعاصمة لإعلان الاحتفالية في خطوة رمزية من الموقع الذي شهد تدفق أول قوافل الاحتلال الفرنسي.
    وها نحن اليوم وبعد 50 سنة نقف وقفة إجلال وإكبار ونحيي أبطالنا على ما قدموه لنا ولأرضنا المباركة الطيبة، فرحم الله شهداءنا الأبرار وأسكنهم الفردوس الأعلى، أولئك الذين كانوا يتنافسون في الجهاد، ويتسابقون إلى النضال، وعدّتهم في ذلك الصبر والثبات. وشعارهم: "أحرص على الموت توهب لك الحياة"، وغايتهم الدفاع عن أنفسهم، وصيانة أوطانهم، وحماية دينهم وعقيدتهم.
أيها السادة الكرام: هذا يوم ليس كباقي الأيام, يوم يزهو فيه الجزائريون بوطنهم. ويحتفلون فيه باستقلالهم، ويباهون به أهل الدنيا. يذكرون أبطالهم الأوفياء الذين قامت الجزائر على أكتافهم، ونهضت بهمتهم، وعلت بعزيمتهم, ويترحمون على من قضى نحبه من شهدائهم، ويدعون الله بالعمر المديد والصحة والعافية لمن ما زال على العهد ثابتا.
فلنرفع الرأس عاليا بوطننا، ونشد من عزم أبنائه، ونترحم على شهدائه، ولا نصغي ابدا الى مثبطي العزائم والمحبطين والموتورين الذين يحاولون تقزيم كل جهد جزائري., ولكن الله يحبط كيدهم دائما. فوطننا حقق الكثير وما زال يطمح بأن يحقق الأكثر بهمة أبنائه وبعزمهم, ولن يخذل الجزائريون وطنهم ابدا, ولن ندعي الكمال، لأن الكمال لله وحده.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل درجاتهم في عليين ... واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم أدم عليه الفتح والنصر، ودمّر من أراده بسوء يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا، وأصلح قادتنا، واجمع كلمتنا على الحق يا رحيم. اللهم وفّق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.