18 أكتوبر 2015



الموضوع: فضل يوم عاشوراء، واستحباب صومه وإن وافق يوم السبت! .

الخطبة الأولى
       إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
      أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله، جعلني الله وإياكم من عباد المتقين.
     عباد الله: إن الله تعالى قد اختصّ بعض مخلوقاته بتشريف وتكريم، وفَضّل بعض الأيام على بعض سعةً في رحمته، وشمولا لمغفرته، وتنزّلا لنعمـائـه، وتحدّثا بآلائه، وموسما لأفضاله وأنعامه.
     وإن يوم عاشوراء يوم مبارك كريم، كتب الله له الخلود، فبرز في جبين الزمن محفوفا بالخيرات محاطا بالبركات، فلقد صامه أولوا العزم من الرسل. صامه نوح عليه السلام شكرا لله على نعمته، حيث استوت فيه سفينته على الجودي، "وقيل بعدا للقوم الظالمين"، وصامه موسى عليه السلام شكرا لله على آلائه وفضله، ففيه أنجاه الله ومن معه من بطش فرعون وجنوده، وأوحى إليه أن يضرب بعصاه البحر، "فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وأزلفنا ثم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين"، وصامه سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين، وأمر أمته بصيامه. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان، قال: "من شاء صامه ومن شاء لم يفعل"، ولقد واضب على صيامه قبل الهجرة وبعدها، ولم يدَعْ صيامه طيلة حياته، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي رحمهما الله، عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صيام يوم عاشوراء، والعشر– أي من ذي الحجة، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة".
     أيها المسلمون: ولقد بيّن صلى الله عليه وسلم فضل صيام عاشوراء، وماله من منزلة كريمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم". رواه مسلم. وروى أيضا عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية"، وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه".
  ولقد ذكّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأحقّيتها بصوم يوم عاشوراء من اليهود. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء تعظّمه اليهود وتتخذه عيدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموه أنتم". رواه البخاري ومسلم. كما أراد صلى الله عليه وسلم مخالفة اليهود والنصارى في هذا الصيام فزاد اليوم التاسع. روى مسلم وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: "إن كان العام القابل ـ إن شاء الله ـ صمنا التاسع، قال: فلم يأت العام القابل حتى توفى رسول الله".
    أيها المسلمون: بعد الذي ذكرت يقول البعض: إن صوم عاشوراء صادف في عامنا هذا يوم السبت، وقد ورد النهي عن صوم السبت في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن بسر عن أخته الصمّاء رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لِحاء عنبة أو عود شجر فليمضغه".
      فاعلموا وفقني الله وإياكم، وهو الهادي إلى الرشاد: إن صوم يوم السبت مسألة خلافية، لاختلاف الفقهاء في تصحيح هذا الحديث. فقد قال أبو داود راوي هذا الحديث إنه حديث منسوخ، كما جاءت روايات أخر تؤذن وتبيح صوم يوم السبت، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده". وكقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث، وقد دخل عليها صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهي صائمة. فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا. قال: فافطري". وأيضا ما جاء في صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم يوما من الأيام، يوم السبت، ويوم الأحد، كان يقول: "إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم".
    فمن هذه الأحاديث وغيرها، نفهم جواز صيام يوم السبت إذا لم يفرد، أو وافق عادة كيوم عرفة أو تاسوعاء أو عاشوراء.
     ولعل قارئ مؤلفات الأقدمين رحمهم الله، يرى تبويبهم لهذه المسألة بما يلي، فهذا ابن قدامة ـ رحمه الله ـ صاحب المغنى يقول: "كراهية إفراد يومي الجمعة والسبت بالصوم"، وهذا البغوي ـ رحمه الله ـ صاحب كتاب شرح السنة يبوّب بقوله: "باب صوم يوم السبت وحده". وصاحب الترغيب والترهيب رحمه الله يقول: الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، وما جاء عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت". أما أبو داود الذي روى حديث النهي السابق الذكر يقول: "باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم". ثم يقول بعد ذلك: "باب الرخصة في ذلك". وكذلك أبو عيسى الترمذي الذي روى حديث النهي يقول معلقا بعد ذكر نص الحديث: "هذا حديث حسن".  ومعنى كراهيته في هذا: أن يخص الرجل السبت بصيام". إلى غير ذلك من أقوال الفقهاء والمحدثين.
      وخلاصة القول: أنه يجوز صوم يوم السبت، بل يستحبّ ويطلب لأنه وافق يوم عاشوراء وليس تخصيصا له. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم السبت" أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، أما النفل فمكروه، ولا تزول الكراهية إلا بضمّ غيره له، أو بموافقته عادة، وقد وافق يوم السبت يوم عاشوراء، الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ صيامه يكفر سنة ماضية. فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية".
    فأقبلوا ـ عباد الله ـ على طاعـة ربكـم، وتزودوا من الخير وأكثروا لأنفسـكم، واعلموا أن الصيام فرضه ونفله فضله عظـيم، وفوائده كثـيرة، قال صلى الله عليه وسـلم: "من صام يوما في سـبيل الله عز وجـل زحـزح الله وجـهه عن النار لذلك اليوم سـبعين خـريفا". رواه الترمـذي والنسـائي.
     فصوموا - أيها المسلمون - هذا اليوم واطلبوا فضله، واسألوا الله سبحانه وتعالى أن يكتب لكم في هذه الأيام عملا صالحا يرفعه، يكفر به السيئات، ويرفع به الدرجات، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، آمين.

الخطبة الثانية

      الحمد لله، واسع العطاء والجود، أحمده سبحانه وهو الرب المعبود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنه محمدا عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود والحوض المورود، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله وأطيعوه، وتقربوا إليه بالأعمال الصالحة وأحبّوه، وسيروا على الصراط المستقيم الذي أمركم بأن تسلكوه؛ على وفق ما شرع النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليه صحابته الكرام والسلف والتابعون وتابعوهم بإحسان.
    واعلموا ـ عباد الله ـ إنه حريٌ بالمسلم مع بداية العام الهجري الجديد أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة سريعة، ومراجعة دقيقة، وفي تلك الوقفة طريق نجاة وسبيل هداية، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفَطِن من ألزم نفسه طريق الخير وخطمها بخطام الشرع. وقد أجمل ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ طريقة محاسبة النفس وكيفيتها فقال: "جماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكّر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسب نفسه على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله".
       فليكن لكم ـ إخوة الإيمان ـ في مستهل عامكم الهجري الجديد بداية طيبة بالإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية، واعلموا أن شهركم هذا، هو شهر الله الحرام الذي يُمتحَن فيه إيمانكم بإخراج زكواتكم، وتذكروا ـ دوماـ أن المال مال الله، استخلف فيه من شاء من عباده امتحانا وابتلاء لينظر كيف يتصرفون فيه، وإن الذي أنعم على الأغنياء بالمال هو القائل:  إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"، التغابن:15.  وهو الذي أمر الأغنياء بإيتاء الفقراء حقهم، قال تعالى: "وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ"، النور:33.  فيجب أن تخرجوا من هذا الإمتحان بالفوز والنجاح، وهو التغلّب على طبيعة الحرص فيكم، فبرهنوا على إيمانكم، وأخرجوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وأدّوهــا لمستحقيهـا، قــال الله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله والله عليم حكيم". التوبة:60.
     فواسوا فقراءكم، وكفكفوا دموع اليتامى والأيامى من إخوانكم وأخواتكم، "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".
    نسأل الله سبحانه أن يبارك لأغنيائنا في أموالهم، وأن يوفقهم للوفاء بما افترضه عليهم من حقوق فيها، وأن يرزق فقراءنا العفاف والكفاف، ويحفظهم من ذل المسألة وشر الفقر. اللهم أعد علينا هذا اليوم وهذا الشهر بالخير والبركات، وعمّنا فيه بفضلك ورحمتك، وسامحنا بعفوك وقدرتك، وعاملنا بلطفك وإحسانك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين. 

07 أكتوبر 2015

الموضوع: خطف الأطفال..حوادثٌ  تهز المجتمع من هولها
الخطبة الأولى
    الحمد لله الذي جعل للطفولة من شرعه ميثاقا، وهيأ لها قلوبا غمرها مودة ورأفة ووفاقا. أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أبدع الكون بقدرته، وشمل العباد برحمته، وسوى خلقهم بحكمته. و أشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدا عبده ورسوله، كان خير الناس لأهله، وأجمع العباد لشمله، اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا عليه و على آله وصحابته..
   أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي المنجية من عذاب أليم، والموصلة لرضوان الرحمن الرحيم ، فاتقوا الله أيها العباد، فالتقوى سيبل الرشاد للحاضر والباد .
  أيها المسلون: إن أبناءنا هم ثمار قلوبنا، وفلذات أكبادنا، غرس الله تعالى حبهم في فطرتنا، وجعلهم زينة في حياتنا، قال سبحانه: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا".
    وإن الإسلام الحنيف دينٌ كرّم الطفولة وأجلّ شأنها، ولو ذهبت تبحث عن مكانة الطفل في الإسلام لبهرتك هذه المكانة، وحسبك أن تجد الحق تبارك وتعالى يقسم بها في القرآن الكريم، قال تعالى: "لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد". البلد:1ـ3.  ويزيد في تكريمها حينما يجعلها نعمة يمنّ بها على من يشاء من عباده، ويذكرنا بقدرها وحقها فيقول: "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة". النحل: 82. بل يجعلها نعمة على أنبيائه ورسله فيقول: "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية". الرعد:38. 
     ولو رجعنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم، لوجدنا فيها تكريما للطفولة ورعاية لها، فلقد بلغ من عناية الرسول بالأطفال أن ألقى لهم باله حتى أثناء تأديته للعبادة، يقول أبو قتادة: كان رسول الله يصلي وهو حامل أمامة بنت بنته زينب، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وكان إذا سمع بكاء الصبيّ وهو في صلاته تجوّز فيها مخالفة الشفقة من أمه. متفق عليه.
    ولقد كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ  التغابن:15، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"، ثم أكمل خطبته. رواه أهل السنن.
      إن الاطفال ـ أيها الكرام ـ:  زينة تحقّق السعادة في الأسر والبيوت، وتدخل الفرحة على قلوب الآباء والأمهات، إنهم نعمة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشـاء من عباده ولو كان فقيرا، ويمنعها عمن يشاء من خلقه ولو كان غنيا، قال تعالى: "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير) "الشورى : 49، 5.".
إنما أولادنا بيننــا أكبادنا تمشي على الأرض، أو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمـض.
     وإنه لمن دواعي الحزن والأسى ما نسمعه اليوم ونقرؤه في وسائل الإعلام من قتل أطفال أبرياء، جاءوا إلى هذه الحياة ليملأوها بابتسامتهم البريئـة، وحركاتهم الوديعة، إنهم فلذة الأكباد، ومبلغ الفرح والأنس في الحياة..  إنها الأيادي الآثمة والقلوب الفاجرة لتمتدّ إليها بالخطف، ولربما بالقتل..
      ظاهرة مقيتة غريبة على مجتمعنا، لم نسمع بها ولم نشاهدها في الماضي، ولا أجد أحسن من جواب يعقوب عليه السلام: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ".  يوسف:18 .
    حقا.. إن اختطاف الأطفال أمرٌ مروّع ومؤلم لأي إنسان يملك مثقال ذرة من عقل وإيمان.. أيعقل أن يوجد بين أظهرنا من هو أشد من الذئاب في افتراسها؟!.
       إن من يحمل هذا القلب الأسود على أبناء وأخوات المؤمنين، ليس له الحقّ في أن يعيش بيننا، بلْهَ لا حقّ له في الحياة.
     عباد الله: إذا كان أخْذُ مَتاعِ المسلم كنَبْل أو نَعْلِ وإخفائه من أجل إفزاعه وإخافته استنكره نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم واستعظمه، فكيف بخطف فلذة كبده، لقد روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ, فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ, فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا, فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ, فَضَحِكَ الْقَوْمُ, فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: لا، إِلا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا". وروى الطبراني في الكبير عن عَمْرِو بن يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي حَسَنِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا عَقَبِيًّا، قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ وَنَسِيَ نَعْلَيْهِ, فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ فَوَضَعَهُمَا تَحْتَهُ, فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: نَعْلِي، فَقَالَ: الْقَوْمُ مَا رَأَيْنَاهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ ذِهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا صَنَعْتُهُ لاعِبًا، فَقَالَ: "كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ ـ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا".
      أي أن هذا التخويف حرام، ولو كان في هذه الصورة البسيطة القريبة، ولو كان دافعه المزاح والمداعبة، ما دام عاقبته الترويع والتفزيع. بل إن مجرد النظرة المخيفة يعتبرها الإسلام ترويعا ويحرمها، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من نظر إلي مسلم نظرة يخيفه منها ـ بغير حق ـ أخافه الله يوم القيامة"  رواه الطبراني.
    فإذا كان هذا، فكيف بمن يفجع الآباء والأمهات، ويروع المجتمع كاملا؟.
   إن ما يحدث بيننا ـ أيها المسلمون ـ من خطف الأطفال الأبرياء من حين إلى آخر على أياد آثمة فاجـرة لا تخشى الله ولا ترعى في مؤمن إلا ولا ذمة، لجرمٌ تقشعّر له الأبدان وتنخلع له القلوب.
هؤلاء إخوة يوسف عليه السلام اختطفوه، ولكن هل قُتل؟، هل فُعل به الأفاعيل؟. إنه ضمير واحد جعلهم يرتعشون لهول ما هم مقدمون عليه، واقترح حلاً يريحهم من يوسف، ويخلي لهم وجه أبيهم، قال تعالى:: "قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ" يوسف:10
    وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقف يوم فتح مكة عشرة آلاف مقاتل من أصحابه، من أجل عصفورة كانت تطير فوق رأسه، تذهب وتعود، وقال غاضبا مستنكرا: من فجع هذه بأفراخها، ردوا عليها أفراخها؟.   فعن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ومررنا بشجرة فيها فَرَخَا حُمرة، فأخذناهما، قال: فجاءت الحُمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فجع هذه بفرخيها؟. قال، فقلنا: نحن. قال: فردّوهما". رواه أبو داود والحاكم. و قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
   يا لروعة هذه القيم والأخلاق: من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها؟ .
    إيهٍ .. يا رحمة الله المهداة،  رحمةٌ وسعت حتى شملت البهائم والطيور..  هل صُمَّ عنها قلب هذا الأعوج الأهوج؟؟ ..
 إن هذا المجرم الذي يقوم بهذا العمل الآثم لجرثومة وورم خبيث ينهش جسم المجتمع، ينبغي استئصاله قبل أن يستشري الداء فيعزّ الدواء وذلك بتفعيل عقوبة الإعدام أو القصاص التي أمر بها الله عزّ وجل لردع المجرمين.  قال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة/33 .
   ويا أيها الآباء والأمهات: إن أولادكم هم فلذة أكبادكم، وأمانة إئتمنكم الله عليها، فحافظوا على الأمانـة وارعَوها حق الرعاية، راقبوهم ولا تغفَلوا عنهم، تحسّسوا أخبارهم، وتفقّدوا أحوالهم، واعلموا أنكم عنهم مسؤولون...
 اللهم إنا نسألك حفظك ولطفك.. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ما فسد من أحوالنا الله ..أكبر الله أكبر الله أكبر على أولئك الظالمين، والعاقبة الحسنة للمتقين.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..