07 أكتوبر 2015

الموضوع: خطف الأطفال..حوادثٌ  تهز المجتمع من هولها
الخطبة الأولى
    الحمد لله الذي جعل للطفولة من شرعه ميثاقا، وهيأ لها قلوبا غمرها مودة ورأفة ووفاقا. أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أبدع الكون بقدرته، وشمل العباد برحمته، وسوى خلقهم بحكمته. و أشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدا عبده ورسوله، كان خير الناس لأهله، وأجمع العباد لشمله، اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا عليه و على آله وصحابته..
   أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي المنجية من عذاب أليم، والموصلة لرضوان الرحمن الرحيم ، فاتقوا الله أيها العباد، فالتقوى سيبل الرشاد للحاضر والباد .
  أيها المسلون: إن أبناءنا هم ثمار قلوبنا، وفلذات أكبادنا، غرس الله تعالى حبهم في فطرتنا، وجعلهم زينة في حياتنا، قال سبحانه: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا".
    وإن الإسلام الحنيف دينٌ كرّم الطفولة وأجلّ شأنها، ولو ذهبت تبحث عن مكانة الطفل في الإسلام لبهرتك هذه المكانة، وحسبك أن تجد الحق تبارك وتعالى يقسم بها في القرآن الكريم، قال تعالى: "لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد". البلد:1ـ3.  ويزيد في تكريمها حينما يجعلها نعمة يمنّ بها على من يشاء من عباده، ويذكرنا بقدرها وحقها فيقول: "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة". النحل: 82. بل يجعلها نعمة على أنبيائه ورسله فيقول: "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية". الرعد:38. 
     ولو رجعنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم، لوجدنا فيها تكريما للطفولة ورعاية لها، فلقد بلغ من عناية الرسول بالأطفال أن ألقى لهم باله حتى أثناء تأديته للعبادة، يقول أبو قتادة: كان رسول الله يصلي وهو حامل أمامة بنت بنته زينب، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وكان إذا سمع بكاء الصبيّ وهو في صلاته تجوّز فيها مخالفة الشفقة من أمه. متفق عليه.
    ولقد كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ  التغابن:15، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"، ثم أكمل خطبته. رواه أهل السنن.
      إن الاطفال ـ أيها الكرام ـ:  زينة تحقّق السعادة في الأسر والبيوت، وتدخل الفرحة على قلوب الآباء والأمهات، إنهم نعمة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشـاء من عباده ولو كان فقيرا، ويمنعها عمن يشاء من خلقه ولو كان غنيا، قال تعالى: "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير) "الشورى : 49، 5.".
إنما أولادنا بيننــا أكبادنا تمشي على الأرض، أو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمـض.
     وإنه لمن دواعي الحزن والأسى ما نسمعه اليوم ونقرؤه في وسائل الإعلام من قتل أطفال أبرياء، جاءوا إلى هذه الحياة ليملأوها بابتسامتهم البريئـة، وحركاتهم الوديعة، إنهم فلذة الأكباد، ومبلغ الفرح والأنس في الحياة..  إنها الأيادي الآثمة والقلوب الفاجرة لتمتدّ إليها بالخطف، ولربما بالقتل..
      ظاهرة مقيتة غريبة على مجتمعنا، لم نسمع بها ولم نشاهدها في الماضي، ولا أجد أحسن من جواب يعقوب عليه السلام: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ".  يوسف:18 .
    حقا.. إن اختطاف الأطفال أمرٌ مروّع ومؤلم لأي إنسان يملك مثقال ذرة من عقل وإيمان.. أيعقل أن يوجد بين أظهرنا من هو أشد من الذئاب في افتراسها؟!.
       إن من يحمل هذا القلب الأسود على أبناء وأخوات المؤمنين، ليس له الحقّ في أن يعيش بيننا، بلْهَ لا حقّ له في الحياة.
     عباد الله: إذا كان أخْذُ مَتاعِ المسلم كنَبْل أو نَعْلِ وإخفائه من أجل إفزاعه وإخافته استنكره نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم واستعظمه، فكيف بخطف فلذة كبده، لقد روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ, فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ, فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا, فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ, فَضَحِكَ الْقَوْمُ, فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: لا، إِلا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا". وروى الطبراني في الكبير عن عَمْرِو بن يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي حَسَنِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا عَقَبِيًّا، قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ وَنَسِيَ نَعْلَيْهِ, فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ فَوَضَعَهُمَا تَحْتَهُ, فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: نَعْلِي، فَقَالَ: الْقَوْمُ مَا رَأَيْنَاهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ ذِهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا صَنَعْتُهُ لاعِبًا، فَقَالَ: "كَيْفَ بروعةِ الْمُؤْمِنِ ـ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا".
      أي أن هذا التخويف حرام، ولو كان في هذه الصورة البسيطة القريبة، ولو كان دافعه المزاح والمداعبة، ما دام عاقبته الترويع والتفزيع. بل إن مجرد النظرة المخيفة يعتبرها الإسلام ترويعا ويحرمها، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من نظر إلي مسلم نظرة يخيفه منها ـ بغير حق ـ أخافه الله يوم القيامة"  رواه الطبراني.
    فإذا كان هذا، فكيف بمن يفجع الآباء والأمهات، ويروع المجتمع كاملا؟.
   إن ما يحدث بيننا ـ أيها المسلمون ـ من خطف الأطفال الأبرياء من حين إلى آخر على أياد آثمة فاجـرة لا تخشى الله ولا ترعى في مؤمن إلا ولا ذمة، لجرمٌ تقشعّر له الأبدان وتنخلع له القلوب.
هؤلاء إخوة يوسف عليه السلام اختطفوه، ولكن هل قُتل؟، هل فُعل به الأفاعيل؟. إنه ضمير واحد جعلهم يرتعشون لهول ما هم مقدمون عليه، واقترح حلاً يريحهم من يوسف، ويخلي لهم وجه أبيهم، قال تعالى:: "قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ" يوسف:10
    وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقف يوم فتح مكة عشرة آلاف مقاتل من أصحابه، من أجل عصفورة كانت تطير فوق رأسه، تذهب وتعود، وقال غاضبا مستنكرا: من فجع هذه بأفراخها، ردوا عليها أفراخها؟.   فعن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ومررنا بشجرة فيها فَرَخَا حُمرة، فأخذناهما، قال: فجاءت الحُمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فجع هذه بفرخيها؟. قال، فقلنا: نحن. قال: فردّوهما". رواه أبو داود والحاكم. و قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
   يا لروعة هذه القيم والأخلاق: من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها؟ .
    إيهٍ .. يا رحمة الله المهداة،  رحمةٌ وسعت حتى شملت البهائم والطيور..  هل صُمَّ عنها قلب هذا الأعوج الأهوج؟؟ ..
 إن هذا المجرم الذي يقوم بهذا العمل الآثم لجرثومة وورم خبيث ينهش جسم المجتمع، ينبغي استئصاله قبل أن يستشري الداء فيعزّ الدواء وذلك بتفعيل عقوبة الإعدام أو القصاص التي أمر بها الله عزّ وجل لردع المجرمين.  قال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة/33 .
   ويا أيها الآباء والأمهات: إن أولادكم هم فلذة أكبادكم، وأمانة إئتمنكم الله عليها، فحافظوا على الأمانـة وارعَوها حق الرعاية، راقبوهم ولا تغفَلوا عنهم، تحسّسوا أخبارهم، وتفقّدوا أحوالهم، واعلموا أنكم عنهم مسؤولون...
 اللهم إنا نسألك حفظك ولطفك.. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ما فسد من أحوالنا الله ..أكبر الله أكبر الله أكبر على أولئك الظالمين، والعاقبة الحسنة للمتقين.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق