الموضوع:
بين يدي امتحان البكالوريا
الخطبة الأولى
الحمد
لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد
الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، جعل هذه الدار دار امتحان وبلاء وعمل، والآخرة دار جزاءٍ وقرارٍ إلى
الأبد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين وجاهد في الله حتى أتاه
اليقين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن أصحابه
الغر الميامين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد: فخير الوصايا وأنفعها وأصلحُها وللخير أجمعها: الوصية بتقوى الله عز وجل؛ فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وأتاه خيرًا كثيرًا.
أما بعد: فخير الوصايا وأنفعها وأصلحُها وللخير أجمعها: الوصية بتقوى الله عز وجل؛ فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وأتاه خيرًا كثيرًا.
أيها
المسلون: حينما تتكرر المناسبة ليس بمستغرب أن يتكرر الحديث، نعم ها إن بعض البيوتات
قد أعلنت استنفارها، وأوقفت ـ إلى حين ـ مواعيدها ومناسباتها، وأظهرت همومها
واهتماماتها، فالآباء في همّ، والأمهات في غمّ، وكذلك بعض الطلبة والطالبات، وما
ذللك، إلا لأن امتحان البكالوريا على الأبواب، وقد قيل: عند الإمتحان يكرم المرء
أو يهان، ومن جدّ وجد، ومن زرع حصد.
ألا وإني لأغتنم
هذه الوقفة، لأقدم هذه الكلمة بين يدي هذا الإمتحان، عسى ربّ البرية أن ينفع بها
الطلبة والطالبات، وجميع المسلمين والمسلمات.
وأول ما أبدأ به
قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن
الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...".
فيا أيتها الطالبة، ويا أيها الطالب:
استعينا بالله ولا تعجزا، واعلما أن هذا هو مفتاح النجاح وأسبابه، إنه التوكل على
الله، والثقة به مع الأخذ بالأسباب.
إذا لم يكن من الله عون للفتى * فأول ما
يقضي عليه اجتهاده
لا تعتمد على نفسك
وقوتك، فكم من طالب دخل قاعة الإمتحان وهو واثق من نفسه، لكنه لما وضعت أمامه
أسئلة الإمتحان بهت وحار. فاستعن بالله ولا تعجز، وادع الله سبحانه، وقل:
"اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت إذا شئت تجعل الحزن سهلا".
ألا واحذروا من الغش والتزوير، فإنه خيانة، وبئست البطانة،
قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". ومن كانت حياته مبنية على
الغش سلبه الله البركة والخير في دنياه وآخرته، وإن نال أعلى الدرجات وأفضل
الشهادات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من خادع الله يخدعه".
فالغش سبيل الضعفاء
والكسالى والفاشلين، أولئك الذين يرغبون في الشهادات والنجاح دون جدّ واجتهاد، من
بعض طلبة المدارس والثانويات وحتى الجامعات، وإن هذا لأمر خطير على مستقبل الأمة،
لما له من نتائج سيئة، وكيف لا.. وقد تعطى الشهادات لغير المؤهّلين، وتسند المناصب لغير الجدرين، فتخيل
طبيبة او طبيبا نجحا بالغش، وتخيل مهندسة أو مهندسة نجحا بالغش.. إنه الدمار
والخراب.. فاللهم سلّم سلّم..
فيا أيها المسلمون: أغرسوا في قلوب أبنائكم
وبناتكم مراقبة الله، وخفّفوا عنهم التبعات، وليس الصواب أن تجعلوا هذا الإمتحان
شبحا وغولا، يراد له أن ينتهي وبأي صورة، وكيفما كانت النتيجة. يجب عليكم أن
توجهوا أبناءكم وبناتكم إلى تدارك النقص والعيوب الذاتية والثقة بالنفس، للتمكن من
الحفظ والتحصيل، بدل الحديث عن صعوبة الإمتحان وكثرة المواد المقررة، وإن لي ولكم
درسا نفيسا نقله لنا الإمام الشافعي رحمه الله عن شيخه في علوم الحديث:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك
المعاصي
وقـــال لــي: إن
العــلـم نـور * ونــور الله لا يهـــدى لـعــاص
واعلموا أن هذا الإمتحان ليس هو النهاية، إن ربح فيه الإنسان
ربح كل شيء، وإن خسر فيه خسر كل شيء، كلا.. إن الخسارة هي خسارة الآخرة، قال سبحانه:
"قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران
المبين"... فما امتحان الباكالوريا إلا موقف من المواقف
الكثيرة التي يتعرض لها كل واحد في حياته اليومية .. وعليكم كما عليهم تمنّي الخير
وتوقّع الشر، فالبكالوريا (أو أية شهادة أخرى) لا تساوي الجنة. فالإخفاق لا يعني النهاية،
إن جعلناه درسا للبداية!!.
ولكن مما ينبغي أن
يُعنى به في مثل هذه الأيام: صدق الدُّعاء وتمام الالتجاء إلى الله جل وعلا بأن
يحقق لأبنائنا وبناتنا النجاح في الدنيا والآخرة، فالنّجاح بيده سبحانه والتوفيق
منه جل وعلا.
قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى
الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ، ولا تعجز".
فكم هو جميلٌ أن يُوجَّه الابن والبنت إلى الله
جل وعلا، يدعوه بصدق، ويلحُّ عليه بالدعاء بأن يكتبه من الناجحين وأن يجعله من
الفائزين الرابحين.
اللهم يسر لهم كل عسير، وافتح لهم كل مغلق،
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا، والحمد لله رب
العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما أمر، والشكر له وقد
تأذن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام على سيد البشر، وشفيعهم في المحشر، وعلى
آله وأصحابه السادة الغرر..
أيها المسلمون: إن الموفق من العباد لا يمر به موقف -حتى وإن
كان دنيوياً بحتاً- إلا تذكر به الآخرة ويوم الحساب، ونحن -عباد الله- مقبلون على امتحانات
الطلاب وهذه الأيام حري بنا أن نتذكر بها يوم السؤال والحساب، وما أعد الله فيه من
الثواب والعقاب.
فالسائل هو رب العزة والجلال، والمسؤول هو أنت، ومحل السؤال
كل ما عملته في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، يا له من امتحان!!.. ويا له من سؤال!!
وياله من يوم يجعل الولدان شيباً .
هذا، واعلموا ـ
عباد الله ـ أنه إن حرص أهل الدنيا على إخفاء أسئلة الإمتحانات، فإن الله من رحمته
وفضله، جعلها مكشوفة معلومة
روى الإمام مسلم
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ
فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ
مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى
إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
فإننا سنسأل غداً
كما يسأل أولادنا اليوم، وشتان بين الموقفين، فلنأخذ من الأدنى عبرة للأعلى،
ولنعتبر برهبة العرض الأصغر للعرض الأكبر.
غدا توفّى النفوس ما كسبت * ويحصد الزارعـون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم * وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا
وفي الآخرة، ويجعلنا من أهل اليمين، ويجعلنا من الفائزين المفلحين، إنه خير مسؤول،
وأجود مأمول. اللهم ووفق أبناءنا وبناتنا في امتحاناتهم، ويسر لهم كل عسير، وافتح لهم
كل مغلق.. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً... اللهم أنر بصائرهم وعقولهم بالعلم، واكتب
لنا ولهم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، اللهم حقق آمالهم، وحقق أمالنا فيهم
بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.. اللهـم اجعل مواسم الخـيرات لنا مربحا ومغـنما،
وأوقات البركات والنفـحات لنا إلى رحمـتك طريقا وسلما، فبارك لنا في شعبان وبلغنا
رمضان في عافية من الأجسام وفراغ من الأشغال، واجعلنا فيه من العتقاء من النار.. ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل الله وسلم على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم..