27 مايو 2016



 الموضوع: بين يدي امتحان البكالوريا

الخطبة الأولى
     الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل هذه الدار دار امتحان وبلاء وعمل، والآخرة دار جزاءٍ وقرارٍ إلى الأبد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن أصحابه الغر الميامين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد: فخير الوصايا وأنفعها وأصلحُها وللخير أجمعها: الوصية بتقوى الله عز وجل؛ فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وأتاه خيرًا كثيرًا.  
         أيها المسلون: حينما تتكرر المناسبة ليس بمستغرب أن يتكرر الحديث، نعم ها إن بعض البيوتات قد أعلنت استنفارها، وأوقفت ـ إلى حين ـ مواعيدها ومناسباتها، وأظهرت همومها واهتماماتها، فالآباء في همّ، والأمهات في غمّ، وكذلك بعض الطلبة والطالبات، وما ذللك، إلا لأن امتحان البكالوريا على الأبواب، وقد قيل: عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، ومن جدّ وجد، ومن زرع حصد.  
     ألا وإني لأغتنم هذه الوقفة، لأقدم هذه الكلمة بين يدي هذا الإمتحان، عسى ربّ البرية أن ينفع بها الطلبة والطالبات، وجميع المسلمين والمسلمات.  
   وأول ما أبدأ به قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...".  
فيا أيتها الطالبة، ويا أيها الطالب: استعينا بالله ولا تعجزا، واعلما أن هذا هو مفتاح النجاح وأسبابه، إنه التوكل على الله، والثقة به مع الأخذ بالأسباب.
إذا لم يكن من الله عون للفتى * فأول ما يقضي عليه اجتهاده
   لا تعتمد على نفسك وقوتك، فكم من طالب دخل قاعة الإمتحان وهو واثق من نفسه، لكنه لما وضعت أمامه أسئلة الإمتحان بهت وحار. فاستعن بالله ولا تعجز، وادع الله سبحانه، وقل: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت إذا شئت تجعل الحزن سهلا".  
ألا واحذروا من الغش والتزوير، فإنه خيانة، وبئست البطانة، قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". ومن كانت حياته مبنية على الغش سلبه الله البركة والخير في دنياه وآخرته، وإن نال أعلى الدرجات وأفضل الشهادات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من خادع الله يخدعه".
   فالغش سبيل الضعفاء والكسالى والفاشلين، أولئك الذين يرغبون في الشهادات والنجاح دون جدّ واجتهاد، من بعض طلبة المدارس والثانويات وحتى الجامعات، وإن هذا لأمر خطير على مستقبل الأمة، لما له من نتائج سيئة، وكيف لا..  وقد تعطى الشهادات لغير المؤهّلين، وتسند المناصب لغير الجدرين، فتخيل طبيبة او طبيبا نجحا بالغش، وتخيل مهندسة أو مهندسة نجحا بالغش.. إنه الدمار والخراب.. فاللهم سلّم سلّم..  
      فيا أيها المسلمون: أغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم مراقبة الله، وخفّفوا عنهم التبعات، وليس الصواب أن تجعلوا هذا الإمتحان شبحا وغولا، يراد له أن ينتهي وبأي صورة، وكيفما كانت النتيجة. يجب عليكم أن توجهوا أبناءكم وبناتكم إلى تدارك النقص والعيوب الذاتية والثقة بالنفس، للتمكن من الحفظ والتحصيل، بدل الحديث عن صعوبة الإمتحان وكثرة المواد المقررة، وإن لي ولكم درسا نفيسا نقله لنا الإمام الشافعي رحمه الله عن شيخه في علوم الحديث:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقـــال لــي: إن العــلـم نـور * ونــور الله لا يهـــدى لـعــاص
واعلموا أن هذا الإمتحان ليس هو النهاية، إن ربح فيه الإنسان ربح كل شيء، وإن خسر فيه خسر كل شيء، كلا..  إن الخسارة هي خسارة الآخرة، قال سبحانه: "قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين"...  فما امتحان الباكالوريا إلا موقف من المواقف الكثيرة التي يتعرض لها كل واحد في حياته اليومية .. وعليكم كما عليهم تمنّي الخير وتوقّع الشر، فالبكالوريا (أو أية شهادة أخرى) لا تساوي الجنة. فالإخفاق لا يعني النهاية، إن جعلناه درسا للبداية!!.
    ولكن مما ينبغي أن يُعنى به في مثل هذه الأيام: صدق الدُّعاء وتمام الالتجاء إلى الله جل وعلا بأن يحقق لأبنائنا وبناتنا النجاح في الدنيا والآخرة، فالنّجاح بيده سبحانه والتوفيق منه جل وعلا.
قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ، ولا تعجز".
     فكم هو جميلٌ أن يُوجَّه الابن والبنت إلى الله جل وعلا، يدعوه بصدق، ويلحُّ عليه بالدعاء بأن يكتبه من الناجحين وأن يجعله من الفائزين الرابحين.
  اللهم يسر لهم كل عسير، وافتح لهم كل مغلق، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما أمر، والشكر له وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام على سيد البشر، وشفيعهم في المحشر، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر..   
أيها المسلمون: إن الموفق من العباد لا يمر به موقف -حتى وإن كان دنيوياً بحتاً- إلا تذكر به الآخرة ويوم الحساب، ونحن -عباد الله- مقبلون على امتحانات الطلاب وهذه الأيام حري بنا أن نتذكر بها يوم السؤال والحساب، وما أعد الله فيه من الثواب والعقاب.
فالسائل هو رب العزة والجلال، والمسؤول هو أنت، ومحل السؤال كل ما عملته في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، يا له من امتحان!!.. ويا له من سؤال!! وياله من يوم يجعل الولدان شيباً .
   هذا، واعلموا ـ عباد الله ـ أنه إن حرص أهل الدنيا على إخفاء أسئلة الإمتحانات، فإن الله من رحمته وفضله، جعلها مكشوفة معلومة
    روى الإمام مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
    فإننا سنسأل غداً كما يسأل أولادنا اليوم، وشتان بين الموقفين، فلنأخذ من الأدنى عبرة للأعلى، ولنعتبر برهبة العرض الأصغر للعرض الأكبر.
غدا توفّى النفوس ما كسبت * ويحصد الزارعـون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم * وإن أساءوا فبئس ما صنعوا

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويجعلنا من أهل اليمين، ويجعلنا من الفائزين المفلحين، إنه خير مسؤول، وأجود مأمول. اللهم ووفق أبناءنا وبناتنا في امتحاناتهم، ويسر لهم كل عسير، وافتح لهم كل مغلق.. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً... اللهم أنر بصائرهم وعقولهم بالعلم، واكتب لنا ولهم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، اللهم حقق آمالهم، وحقق أمالنا فيهم بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.. اللهـم اجعل مواسم الخـيرات لنا مربحا ومغـنما، وأوقات البركات والنفـحات لنا إلى رحمـتك طريقا وسلما، فبارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان في عافية من الأجسام وفراغ من الأشغال، واجعلنا فيه من العتقاء من النار.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

25 مايو 2016

الموضوع: عيادة المريض آداب وذوقيات..

الخطبة الأولى
     الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، والمتفرد بالبقاء والكمال، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا هو الكبير المتعال.  وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، المنقذ بإذن ربه من الضلال، الداعي إلى كريم السجايا وشريف الخصال، صلى الله عليه وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد: فإن يكن من شيءٍ أولى بالتذكير، ووصيّةٍ أجدر بالتحبير، فإنها الوصية بتقوى الله عز وجل، فهي جماع الخيرات ومعدن البركات، فما من خير ظاهرٍ ولا باطنٍ إلا وهي سبيل إليه ودليل عليه، ولا شرٍّ ظاهرٍ ولا باطنٍ إلا والتقوى حصن منه مكين ودرع منه متين، هي دعوة الأنبياء وشعار الأولياء، فكل نبي يقول لقومه: "ألا تتقون"، وأولياء الله هم: "الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ". يونس: 63.
   أيها المسلمون: إن من أعظم مقاصد الشريعة، ومن أجلِّ أهداف الإسلام، تأليف القلوب وجمع الشمل وتوحيد الكلمة وتوثيق العلاقة الأخوية بين المسلمين، وقد أوصى ديننا الإسلامي المسلم بأخيه المسلم خيراً في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
   ألا وإن من أخلاق المؤمنين التي وصى بها ندب إليها واستحبها، بل جعلها سنة مؤكدة، عيادة المرضى. ففي ذلك تعهّدٌ وسقيٌ لشجرة الأخوة والرابطة الإسلامية، وفي ذلك أيضًا أجر جزيل، لا يفرِّط فيه الحريص على زيادة أجره وحسناته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضًا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها". وأخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يعود مسلما غُدوة، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خَرِيفٌ في الجنة". وعند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضا نادى مناد من السماء: طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا".
    لكن ـ أيها المسلمون ـ: إن لعيادة المريض آداباً يجب أن تحترم، ولها ذوقياتٌ يجب أن تراعى، وكلّها تصب في مواساة المريض ورفعِ معنوياته، والحرصِ على راحته وعدم إزعاجه، واكتسابِ الأجر والثواب الموعود به، نذكر منها على عجل:
  أولا ـ لا بدّ من اختيار الوقت المناسب لعيادة المريض، وإن لم يرد في السنة ما يدل على تخصيصها بوقت معين، لكن المقصود من عيادة المريض هي الترويح والتخفيف عليه، وذلك كرّه بعضُ أهل العلم الزيارةَ في وسط النهار، كما نُقل عن الإمام أحمد بن حنبل، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل، وقال له شيخ كان يخدمه تجيء إلى فلان مريض سمّاه يعوده، وذلك عند ارتفاع النهار في الصيف، فقال: "ليس هذا وقت عيادة". لأنه من الآداب، ألا تعود المريض في وقت يسبّب له حرجا أو ضجرا، أو يشقُّ فيه على أهل المريض؛ أوفي الأوقات التي ينهى الطبيب فيها عن زيارته. قال الحافظُ رحمه الله في الفتح: "العيادة لا تتقيَّد بوقتٍ دون وقت، لكن جرَت العادةُ بها في طرَفَي النَّهار". فعليك أخي أن تختار وبقرائن أوقاتا ملائمة لذلك.. .
   ثانيا ـ من السنة تخفيف العيادة، ولاسيما عند ضعف المريض، أو عند كثرة الزوار أو عند ضيق المكان، ويكون الدخول إلى المريض بحسب حالته واحتياجه، لأنه قد يكون في الإطالة إثقالاً عليه، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها، أو يريد أن يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإطالة الجلوس عنده يوقعه أو أهله في الحرج. قال سفيان الثوري رحمه الله: "حماقة العائد أشر على المرضى من أمراضهم، يجيئون من غير وقتٍ، ويطيلون الجلوس". وقال بعض الظرفاء لقوم عادوه في مرضه، فأطالوا الجلوس: المريض يعاد، والصحيح يزار.     
       ثالثا ـ لا تسأل المريض عن علّته ولا عن طبيبه إلا بما يسره، ولا تذكر له صديقا بما يكره، أو عدواً له بما يحب، ولا تتحدث عن أهله وأولاده إلا بكل خير، رفقاً به وملاطفةً له، ولا تثقل عليه في السؤال. دخل رجلٌ على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، يعوده في مرضه فسأله عن علّته فأخبَره، فقال الزائر: إن هذه العلة ما شفي منها فلان، ومات منها فلان. فقال عمر: إذا عدت مريضاً فلا تنعِ إليه الموتى، وإذا خرجت عنا، فلا تعد إلينا. .
   أيها المسلم: إن في عيادتك لأخيك المريض إيناسٌ لقلبه، وإزالة لوحشته، وتخفيفٌ من ألمه، وتسليةٌ لنفسه ولأقاربه، فاحرص على تحقيق ذلك، واحفظ لأخيك المريض حقوقه، قم بها على وجهها، راع آدابها، وحقق مقاصدها، يَعظُمِ الأجر، ويصلح الشأن، ويفش الخير، وتسُد المودة..
  ومما يستحب لك أن تفعله إذا عدت مريضا أن تدعو له بالشفاء، وتأمره بالصبر، لحديث عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، إن أباها قال: اشتكيت بمكة وجاءني النبي صلى الله عليه وسلم، يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال: "اللهم اشف سعداً وأتمم له هجرته". أخرجه البخاري مطولاً وأبو داود والبيهقي.
     وهناك أدعية واردة يحسن بالزائر أن يدعو بها للمريض، منها حديث أبي داود والترمذي وقال حديث حسن، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض". وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا جاء يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً، أو يمشي لك إلى جنازة". أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان. وكذلك الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعضَ أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً".
  نعم، أيها المسلمون: فكم من مريض شفاه الله عزَّ وجل حينما زاره مؤمن وبثَّ في قلبه الطمأنينة ورفع معنوياته، ثم إذا عُدتَ مريضاً، اطلب الدعاء منه، لأنه قريب من الله عزَّ وجل، ولأنه صافي النفس، ويقظُ الفؤاد، وحينما تطلب منه الدعاء هذا رفع آخر لمعنوياته. فلا تنس ذلك..
  أسأل الله أن يعافينا من كل بلاء، وأن يمنّ على مرضانا بعاجل الشفاء، وصلى اللهم وسلمَ وباركَ وأنعمَ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

الخطبة الثانية
   الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين
    أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ واحفظوا لإخوانكم حقوقهم، وقوموا بها على وجهها، راعوا آدابها، وحققوا مقاصدها، يعظُمِ الأجر، وتَسُدِ المودة. وتذكروا على الدوام أن الإنسان لا يسلم من المرض، وكلٌّ بحسبه، وعلى المرء أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يصبر وأن يحتسب حتى يبلغ الأجر والثواب من الكريم الوهاب، وأن يدعو الله تعالى ويلتجئ إليه سبحانه بالدعاء، وأن يكثر من الذكر والاستغفار، وأن يردّ للناس حقوقهم، وأن يتذكر الصحة والعافية، وأن يبحث عن الدواء المباح، وأن يتوب إلى الله جل وعلا.
    قال جل ذكره: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاْدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". قال ابن جرير ـ رحمه الله: "واختبرناهم بالرخاء في العيش والخفض بالدنيا والدعة والسعة في الرزق، وهي الحسنات التي ذكرها جل ثناؤه، ويعني بالسيئات: الشدة في العيش والشظف فيه والمصائب والرزايا في الأموال "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، أي ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليه ويتوبوا من معاصيه" اهـ. فهذا هو قضاء الله تعالى وقدره:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة * لمؤمن واثق بالله لا لاهـي
إن جاءه فرج أو نابـه تـرح         * في الحالتين يقول الحمد لله
ومن رحمة الله بعباده أن جعل لكل مرض شفاء، قال عليه الصلاة والسلام: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاءً". وجاءت الأعراب إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله: أنتداوى؟ فقال: "نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم".  وإن أولَ الدواء ـ أيها المسلمون ـ التوجهُ إلى الله تعالى بخالص الدعاء، مع اليقين أن الله تعالى هو الشافي، فالدعاء واللجوء إلى الله تعالى يثير قِوىً سرية في جسم الإنسان تُقَوِّى بها مناعته، وكم من أمراض قرر الأطباء أن لا علاج لها، شفى الله منها، فهو سبحانه القادر على كل شيء لا رب سواه. قال تعالى: "وإذا مرضت فهو يشفين".
     اللهم إنا نسألك العافية، اللهم إنا نسألك العافية، اللهم إنا نسألك العافية، فليس هناك عطاء في الدنيا أوسع ولا أحسن ولا أمتع ولا أجمل من العافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بك من أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك صحة في إيمان، وإيمانا في حسن خلق وعمل، اللهم أنزل رحمتك وشفاءك على مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين.  واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء، وقنا الزلازل والمحن، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا سميع الدعاء، اللهم فرّج همّ المهمومين من المسلمين، واقض الدّين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين. ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولوليّ أمرنا ولسائر المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين..