04 نوفمبر 2016



الموضوع: بمناسبة الجفاف، وتأخر الناس عن صلاة الإستسقاء 

الخطبة الأولى
     الحمد لله الحليم التواب، أحمده سبحانه، يغفر الذنب لمن تاب إليه وأناب. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. "وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد"، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل رسول، أنزل عليه خير كتاب. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المآب، وسلم تسليما.
    أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، وتوبوا إليه واستغفروه، واخلصوا له في العبادة ووحّدوه، اتقوه سبحانه باجتناب مساخطه ومناهيه، والقيام بفرائضه ومراضيه، تفهموا كتاب ربكم وتدبّروا معانيه، واعلموا – يا عباد الله - أن الله سبحانه وتعالى قصّ علينا في القرآن الكريم ما حل بالأمم التي كفرت بأنعم الله، من قصم الأعمار وخراب الديار ما تقشعر منه الجلود، من ذلك ما قصه عن قبيلة سبأ التي أنعم الله عليها بالجنتين، قال تعالى: " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ" .  الآيتان15 ـ16، من سورة سبأ.
أعرضوا عن الشكر، وكذّبوا الأنبياء، فأرسل الله عليهم سيل العرم، وهو الوادي الممتلئ بالماء الغزير، الذي أغرق ديارهم، وأهلك حروثهم وأشجارهم، فبُدّلوا بالغنى فقرا، وبالاجتماع تفرقا وتشتتا في البلاد، قال تعالى: "فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كل ممزق " .
ومن ذلك– أيضا– ما ضربه لنا مثلا: القرية، قال تعالى: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون". النحل:112.
 أي جعل الله هذه القرية، مثلا لمن أنعم الله عليه فكفر بالنعمة، فأنزل الله عليه النقمة، حيث وفّر الله لأهل هذه القرية الأمان والإطمئنان والرزق الرغد، فلما لم يشكروا هذه النعم. تحولت إلى أضدادها، فبدلوا بالرزق الرغد جوعا، وبالأمن والإطمئنان خوفا وقلقا.
وهكذا القرآن الكريم، يقصّ علينا أنباء السابقين ويقول: "قد خلت من قبلكم سنن، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين".  آل عمران:137.
     أيها المسلمون: ومن واجبنا نحن-هذه-الأمة التي أنـزل الله عليها هذا الكتـاب المبين، أن نعتبر ونتذكّر، ونعلم أننا لسنا أشد ممّن سبقنا قوّة، حتى يعجز الله عن إبادتنا – لو شاء-كما أباد من سبقنا، فما أغنت عنهم آلهتهم ولا أموالهم ولا قصورهم، ولا الوسائل التي كانوا ينحتوها لمنع الهلاك، كما فعل قوم صالح، لما رأوا قوم عاد أهلكوا بالريح، نحتوا بيوتهم في الجبال. قال تعالى: "وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين". الشعراء:149. وكأنهم بهذا تحدّوا أمر الله ولكن: "إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون". يس:29. ولو شاء الله لاقتلع الجبال التي كانوا يسكنونها كما فعل بمدن قوم لوط، إذ جعل عاليها سافلها، ولكن أراد الله إهلاكهـم بالصيحـة فقـط. قـــال تعالى: "وأخذ الذيـن ظلمـوا الصيحة فأصبحوا في ديـارهم جاثمين". هود:67. وصدق الله: "فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" . العنكبوت :40.
     أيها المسلمون: والآيات في هذا الشأن كثيرة، يأمرنا الله فيها بالاعتبار، وهذا من رحمته سبحانه، يعظنا لعلنا نتذكر، فيقول: "وما هي من الظالمين ببعيد".  هود:83.
عباد الله: ولو نظرنا في أمرنا وما يجري حولنا، لأدركنا أننا في حالة خطر شديد إن لم نستدرك أمرنا، ونصلح ما فسد من أحوالنا، فلقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث متعددة بعناوين مختلفة في معنى التواصي بالخير والمنع عن الشر، وإلا فإن الله يسلط عذابا من عنده.
فالمعاصي لها عقوبات عاجلة وآجلة، ولها آثار سيئة على البلاد والعباد، فكم أهلكت من أمم وكم دمرت من بلاد، إنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد، في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، قال تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". الروم 41. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال إلا قطع عنهم الرزق". رواه الإمام مالك. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا". رواه الطبراني.
        أيها المسلمون: من المُسلّم به في العقول السليمة والفطر المستقيمة، أن الرجوع إلى الحق فضيلة، وأن الحق الذي يجب أن يرجع الناس إليه، محاسبة النفس على أهوائها وهفواتها، كما قال أمير المؤمنين عمر بن خطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". والبحث عن أخطائها لتستصلح، فكل بني آدم خطاء وخير الخطّائين التوابون".
       أيها المسلمون: أقيمت صلاة الإستسقاء، وللأسف كان من شهدها قلة، وكان من اشترك فيها نسبة ضئيلة بالنسبة للمجموع، وكانت الشوارع تموج بالناس في بيع أو شراء أو أخذ وعطاء، وكأنّ طلب السُقيا والتضرع  إلى الله لإنزال الغيث لا يعنيهم في قليل أو كثير، وكأنهم ليسوا من أفراد هذا المجتمع، ألم يسمع هؤلاء قول الحق تبارك وتعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". غافر:60. وما هذا إلا تقصير وتفريط، ومظهر من مظاهر الغفلة عن الله، ومن أعرض عن ذكر الله في الذاكرين، وعن عبادته مع العابدين، أنساه الله العمل لصالح نفسه.
 فاتقوا الله – عباد الله – ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، واعلموا أن ما توعدون لآت، وأنكم في دار هي محل العبر والآفات، وأنتم على سفر إلى دار الآخرة، فتزودوا من دنياكم لآخرتكم، وتداركوا هفواتكم بالتوبة والاستغفار قبل وفاتكم، واعلموا أن كثرة المصائب وتعدد الفواجع وتنوع الكوارث لأعظم معتبر وأكـبر مزدجر، وإن فيها تذكيرا للمعتبرين وإنذارا للغافلين، فتوبوا إلى الله قبل: "أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت من الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين". الزمر: 56ـ58.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم...
الخطبة الثانية
      الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
      أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، وتقربوا إليه بعبادته وطاعته، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب. قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكـم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السـر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا". رواه ابن ماجة.
       فاللهم ارزقنا وانصرنا واجبرنا، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء. أنـزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، واجعل ما أنزلته علينا قوّة وبلاغا إلى حين، اللهم إن بالـبلاد والعـباد والبهـائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك مالا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بـركات السـماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلايا ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت يا أرحم الرحمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق