24 مايو 2017

الموضوع: شهر رمضان، الحبيب الذي طال انتظاره..

الخطبة الأولى

      الحمد لله يمنُّ على عباده بمواسم الخير أفراحًا، ويدفع عنهم بلطفه أسباب الردى شرورًا وأتراحًا، أحمده تعالى وأشكره شكرًا يتجدد ويتألق غدوًا ورواحًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مبدع الكائنات أرواحًا وأشباحًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله رافع لواء الدين دعوة وإصلاحًا، والهادي إلى طريق الرشاد سعادة وفلاحًا.  صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيار هذه الأمة تقىً وصلاحًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام مساءً وصباحًا، وسلم تسليمًا كثيرًا.
       أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، فهي العدّة العتيدة لمن رام خيرًا وصلاحًا، ونَشَد عزًا وفلاحًا، وقَصد برًّا وتوفيقًا ونجاحًا.
    أيها المسلمون، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ". البقرة:183. فـ"اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد".
      عباد الله: بهذه المعاني كان عليه الصلاة والسلام يستقبل رمضان، إيذانا منه للبشرية جمعاء وللمسلمين خاصة، بأن دين الله عزّ وجل إنما جاء لتطهير العقائد وتربية النفوس وصقل الأفكار الهائجة التي تمرّدت على فطرة خالقها، وسلكت دون الإسلام سبيلا، ورمضان بالمفهوم الذي في ـ استشرافه: أمن وإيمان، سلامة وإسلام، مناسبة لتجديد الولاء لمثل هذه المعاني، ومحطّة للتذكر والتذكار.
     فالواجب يملي علينا ونحن نستقبل هذا الشهر المبارك، أن نقف مرة أخرى لمراجعة ذواتنا بصدق، لأن ذلك هو الكفيل باسترجاع أمجاد زمان، وتدارك ما فات، يوم أن كانت الشمس لا تغرب على دولة الإسلام، ويوم أن كان ولي أمر المسلمين يخاطب السحاب قائلا: سيأتينا خراجك أينما كنت.. فإذا ما كان رمضان فرصة للإنتصار على شهوات النفس ورغباتها، فلننتصر نحن على أنانيتنا، ولنحقق معنى التقوى لننال العزة والإكرم.
         أيها المسلمون: إن شهر رمضان هو الحبيب الذي طال انتظاره، واستبدّ الشوق بالقلوب للقياه، وإن لقدوم الحبيب الغائب لفرحة ما أروعها من فرحة، فيا با غي الخير أبشر، ويا با غي الشر أقصر..
       لقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمّون بشهر رمضان، ويفرحون بقدومه. وأيّ فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات والمغفرة وتنزل الرحمات.. ها هو ذا صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه ويبشرنا، فيقول: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبوب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم".  رواه النسائي والبيهقي. قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضُهم بعضاً بشهر رمضان.
وكيف لا يُـبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟
وكيف لا يـبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟
وكيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان؟
    إنها البشارة التي عمل لها العاملون.. وشمر لها المشمّرون.. وفرح بقدومها المؤمنون .. فيا عبد الله: أين فرحتك؟ وأين شوقك؟!. 
إذا رمضان أتى مقبلاً ** فأقبل فبالخير يستقبلُ
لعـــــــلك تخطـــــئه قابلاً ** وتأتي بعـذر فلا يقـــبلُ
          إن شهر رمضان هو شهر الطاعات بكل أنواعها، صيام وقيام جود وقرآن وصلوات وإحسان وتهجد وتراويح وأذكار وتسابيح..  وبلوغه نعمة كبرى يقدّرها الصالحون المشمّرون، وإن الواجب علينا هو استشعار هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وإنها لئن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، فأيّ خسارة أعظم من أن يدخل المرء فيمن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه على منبره في مساءلة بينه وبين الأمين جبريل عليه السلام فقال: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله فقل آمين، فقلت آمين".  صحيح ابن حبان.  
       أيها المسلمون: هذا الشهر العظيم له في نفوس الصالحين بهجة، فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، والنفوس الطاهرة تعلو حين تغتنم الفرصة الذهبية والهدية الإلهية، فتترك كثيرا من اللذائذ وتنفطم عن كثير من الرغائب، لأن الراحة لا تنال أبدا بالراحة، ولأن سلعة الله غالية، أما عبّاد المادة وعبّاد الشهوات وأرباب الهوى فإنهم يعيشون لغرائزهم وأهوائهم، وهم الذين أخبر عنهم المولى في قوله: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون".
      نعم.. للأسف انعكست المفاهيم عند البعض، وأصبح استقبالهم لهذا الشهر الكريم استقبالاً واستعدادًا للمأكولات والمشروبات والمقليات والمعجنات، مبالغة في إعطاء نفوسهم ما تشتهيه، وكأنه موسم البطون، ومضمار تتنافس فيه الموائد الزاخرة بصنوف الأطعمة وألوان الأشربة، فتراهم يفزعون إلى الأسواق من كل فج عميق، يكيلون من الأطعمة ويتزودون من الكماليات، وكأن رمضان حفلة زفاف أو وليمة نجاح تبسط فيها الموائد العريضة، وتنشر الأطعمة المتنوعة، ثم ترمى في النفايات..
      فهل ترون يا إخوة الإيمان أضعف همة وأنجس بضاعة، ممن أنعم الله عليه بإدراك شهر المغفرة ثم لم يتعرض فيه للنفحات؟..
جاء شهر الخيرات بالبركات ** فأكرم به من زائرٍ هو آت
    فيا أمة الصيام ويا أمة القيام: اتقوا الله وأكرموا هذا الزائر، فإنه أحق بالإكرام، جاهدوا النفوس بالطاعات، وتقربوا إلى ربكم وابذلوا الفضل من أموالكم في البر والصلات، وجدّدوا العهد مع الله، وشدوا العزم على الاستقامة، واتقوا الله فإن تقوى الله أقوى وأقوم.
إذا هلّ الهلال على العبادة ** فسارع يا أخيّ لجمع الزاد
فإن الشـــــــــــهر أيام ستـــــمـــــــضي ** وتبقى حســــرة لذوي الرقــــاد
    جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم رحمة الله".
فاللهم أهله علينا بالخير والإيمان، والسلامة والإسلام، والفراغ من الشغل والسلامة من الأسقام، برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.. هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية
    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.
     أما بعد، فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أن رجلين من بُلَىٍّ (حي من قبيلة قُضَاعَة) قدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفّى. قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذِن للذي توفّي الآخِر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّثوه الحديث، فقال: من أيّ ذلك تعجبون؟. فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدّ الرجلين اجتهاداً، ثم استُشهد، ودخل هذا الآخِرُ الجنةَ قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض.
   الله أكبر، إن بلوغَ رمضانَ نعمةٌ عظيمة، وفضلٌ كبير من الله تعالى، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان.
   ألا فاقدروا لهذا الشهر قدره ـ أيها المسلمون ـ وإياكم أن تفَرِّطوا في لحظاته، فضلا عن أيامه ولياليه. إياكم أن تجعلوا أيام رمضان كأيامكم العادية، بل اجعلوها غرةً بيضاءَ في جبين أيام أعماركم. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك، عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك، ويوم فطرك سواء".
      فيا عبد الله: إذا كنت قبل رمضان كسولاً عن شهود الصلوات في المساجد، فاعقِدِ العزم في رمضان على عمارة بيوت الله، عسى الله تعالى أن يوفقك لذلك حتى الممات، وإذا كنت شحيحاً بالمال فاجعل رمضان موسماً للبذل والجود، فهو شهر الجود والإحسان. وإذا كنت غافلاً عن ذكر الله تعالى فاجعل رمضان أيام ذكر ودعاء وتلاوة لكتاب ربك تعالى، فهو شهر القرآن.
أتى رمضان مزرعــــــــــة العـــــباد * لتطهـــــــــــــــــير القلوب من الفساد
فأدّ حقــــــوقه قــــــــــولا وفــــــــعــــلا * وزادك فاتّخِـــــــــــــــــذه إلى المعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها * تــــــــــــــــأوّه نادما يـــــــــوم الحصــــــــاد
      فيا أيها المسلمون ـ أروا الله من أنفسكم خيرًا، افتحوا صفحة جديدة من حياتكم، مسطرة بأحرف الخير والبر والتقوى والعمل الصالح.
      فاللهم بلغنا بمنك وكرمك شهر رمضان، اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والفراغ من الأشغال والسلامة من الأسقام والتوفيق لما تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام، واغفر اللهم لنا ما سلف وكان، من الذنوب والخطايا والعصيان، اللهم اجعله شهر عزٍّ ونصرٍ للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنك خير مسؤول وأكرم مرتجى مأمول. برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

18 مايو 2017



الموضوع: اليوم الوطني للطالب الجزائري

الخطبة الأولى

    الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
     أما بعد، فيا أيها السادة الكرام: لقد أمرنا تعالى بدراسة سِيَر مَن قبلنا للوقوف على العبر واستخلاص الدروس التي ترشدنا في حياتنا. فقال عز وجل: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ آل عمران: 137-138 ].
    أيها الأكارم: لا بد أن نقرأ تاريخنا، فنحن أمة ليست مبتوتة ولا منقطعة، إنّ هناك أحداثا كبيرة يجب أن نقرأها ونقف عندها، فتاريخنا غنيٌ جداً بالأحداث وبالعبر والعظات، وإذا كان هناك تاريخ يُسجَّل لأفراد أو جماعات، فإن الثورة الجزائرية بعيدة عن هذا النهج، لأنها لم تكن ثورة أفراد، وإنما كانت ثورة شعب تقوده طليعة مؤمنة امتهنت المقاومة والكفاح، فسجّلت صفحات خالدة من البطولات والأمجاد.
    وما يومنا هذا إلا خير مثال. يوم الطالب(19 ماي 1956) إنه يوم مــرجعيٌّ يسجله تاريخ ثورة التحرير الجزائرية الكبرى للطلاب الجزائريين الذين استجابوا للنداء الذي وجهه جيش التحرير الوطني لهم كي يغادروا مقاعد الدراسة ويلتحقوا بالثورة في الجبال، حيث تقوم هناك معركة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي..
    نعم.. في مثل هذا اليوم ترك الطلبة مدارسهم وأثبتوا للعالم أجمع بأنهم على قدر كبير من الوعي والنضج، وأنهم أصحابُ إرادة قوية لا تقهر.. خرجوا وكان نشيدهم ..
نـحـن طـــــــلاب الجـزائـر نحن للمــجــد بــنــــاة
نـحـن أمــــال الجـــزائــــر في اللـيـالـي الحـالـكات
كـم غـرقــنـــا في دمـــاهــا واحـتـرقـنـا في حـمـاها
وعـبـقـــنـا في ســــمــاهـا بعــبـيــر المــهـــجــات
نحن طــــــــلاب الجزائـــر نحن للمـــجــد بــنـــــاة
فـخـــذوا الأرواح مـــــنـــا واجعــلوهـا لـبـنــــــات
واصنعوا منها الجزائـر
وخــــــذوا الأفـكـار عــنــا واعصروا منها الحـيـاة
وابعــثــوا منها الجـزائـــر
     لكن أقول: ـ أيها السادة ـ ما قيمة التاريخ، إذا كان قراءة للأحداث دون استيعاب، ولَوْكًا للماضي دون عبرة، وتغنّياً به من غير استخلاصِ الـموجبِ الخلاقِ لإثراء الحاضر بالتجارب العظيمة، ومــدِّه جسرا إلى الـمستقبل بمزيد من التصميم والحماســة والإقبال.
ألا إن في تاريخ هذا اليوم درسا يهزّ منا السواكن، و يَشحَذ فينا الإرادة، و يُهيئ للناشئة السُّبُلَ القويمة لتتعظ بعِبَرِ أسلافها.. فإذا كان الطالب بالأمس قدّم أغلى ما يملك من أجل الجزائر، فإن طالب اليوم مطالب بأن يكون جنديا في ساحة العلم، لأنه سلاح المستقبل والقوة التي تمدّ الوطن بكل امكانات الرقى والإزدهار.
   ألا فاعلم ـ أيها الطالب ـ أنَّ الأمنَ واللحمةَ الوطنية وتماسُكَ المجتمَع وحمايةَ المُقدَّسات هي أعلى وأغلى ما نملِك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين. وان هذا الوطن -بفضل الله وعونِه- شارك في صُنعِه آباؤُنا وأجدادُنا، ويَسهر عليه رجالٌ من أبناء هذا الوطن، إنهم يحفَظون أمنَنا ومُقدَّساتِنا وسعادتنا وأحوالَنا وأموالَنا وأنفسنا وأهلينا، فلتكن منهم ومعهم.
   والسّاحةُ للصادقين المُخلصين، والانتماءُ الوطني هو الأغلَى، وتيّارُ الحقِّ والكرامة هو الأقوى، في عَدالةٍ سائدة وحريةٍ مُنضَبِطة وشعورٍ جماعيّ بالحِفاظ على الوطَن والممتلكات والمُكتَسبات، والبعد والتصدي لكلِّ فتنةٍ أو مسلكٍ أو دعوةٍ تُهدِّد الوطَن ووحدَته والمجتمعَ وعَيشَه.
 ألا فكُونُوا صفًّا واحدًا في كَتيبَةٍ واحدةٍ مُتراصَّة لمواصلة الطريق، وتعاونوا على البِرِّ والتَّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان.
     بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم·

                                      الخطبة الثانية

     الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى وآله وصحبه والتابعين بإحسان·
     وبعد: فإن الأمم إنما ترتقي وتزدهر حضارتها بقدر ما تحقق من العلم والمعرفة مع توظيف ذلك في الحياة وعدم الخروج بذلك على مقتضى الإيمان بالله·
     أيها المسلمون، وإني أغتنم هذه المناسبة لأقول للطلبة، أنتم أمل الأمة في حاضرها ومستقبلها، وأنتم صُناع حضارتها تنعقد عليكم ـ بعد الله عز وجل ـ الآمال في النهوض بأمتنا، ولن يتحقق لهم ذلك إلا إذا أخذتم بأسباب الرقي في تحصيل العلم النافع وتطبيقه، سواء ما اتصل بعلوم الدنيا أو بعلوم الدين مع توظيف ذلك عملياً في الحياة ونقله من حيز التجريد إلى أرض الواقع، نقول ذلك ونحن ـ وأنتم أيها الطلبة ـ نعيش في عالم يُوصف بأنه عصر الانفجار الثقافي، وفي عالم لا يعترف بالجاهل ولا يجد فيه موقعاً، ولا بالضعيف، لذلك ينبغي أن نوصيكم وأنفسنا بأن نسلك كل مسلك نحو العلم والمعرفة في إطار البناء لا الهدم، وباسم الله الذي خلق، لا باسم الشهوات والأهواء·  

   فاللهم وفق طلبتنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وأقرّ عيوننا بصلاحهم وفلاحهم يا رب العالمين·  اللهم واغمر أرواح شهدائنا الذين عبدوا لنا طريق العزة والكرامة بتضحيات جسام، ومتِّع الباقين بالصحة والعافية، ومكِّن لناشئتنا من أسباب الرقي والسؤدد ما يجعلهم خير خلف لخير سلف.
  اللهم واحفظ بلادنا وأمننا وعقيدتنا من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، اللهم الف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم..