18 مايو 2017



الموضوع: اليوم الوطني للطالب الجزائري

الخطبة الأولى

    الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
     أما بعد، فيا أيها السادة الكرام: لقد أمرنا تعالى بدراسة سِيَر مَن قبلنا للوقوف على العبر واستخلاص الدروس التي ترشدنا في حياتنا. فقال عز وجل: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ آل عمران: 137-138 ].
    أيها الأكارم: لا بد أن نقرأ تاريخنا، فنحن أمة ليست مبتوتة ولا منقطعة، إنّ هناك أحداثا كبيرة يجب أن نقرأها ونقف عندها، فتاريخنا غنيٌ جداً بالأحداث وبالعبر والعظات، وإذا كان هناك تاريخ يُسجَّل لأفراد أو جماعات، فإن الثورة الجزائرية بعيدة عن هذا النهج، لأنها لم تكن ثورة أفراد، وإنما كانت ثورة شعب تقوده طليعة مؤمنة امتهنت المقاومة والكفاح، فسجّلت صفحات خالدة من البطولات والأمجاد.
    وما يومنا هذا إلا خير مثال. يوم الطالب(19 ماي 1956) إنه يوم مــرجعيٌّ يسجله تاريخ ثورة التحرير الجزائرية الكبرى للطلاب الجزائريين الذين استجابوا للنداء الذي وجهه جيش التحرير الوطني لهم كي يغادروا مقاعد الدراسة ويلتحقوا بالثورة في الجبال، حيث تقوم هناك معركة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي..
    نعم.. في مثل هذا اليوم ترك الطلبة مدارسهم وأثبتوا للعالم أجمع بأنهم على قدر كبير من الوعي والنضج، وأنهم أصحابُ إرادة قوية لا تقهر.. خرجوا وكان نشيدهم ..
نـحـن طـــــــلاب الجـزائـر نحن للمــجــد بــنــــاة
نـحـن أمــــال الجـــزائــــر في اللـيـالـي الحـالـكات
كـم غـرقــنـــا في دمـــاهــا واحـتـرقـنـا في حـمـاها
وعـبـقـــنـا في ســــمــاهـا بعــبـيــر المــهـــجــات
نحن طــــــــلاب الجزائـــر نحن للمـــجــد بــنـــــاة
فـخـــذوا الأرواح مـــــنـــا واجعــلوهـا لـبـنــــــات
واصنعوا منها الجزائـر
وخــــــذوا الأفـكـار عــنــا واعصروا منها الحـيـاة
وابعــثــوا منها الجـزائـــر
     لكن أقول: ـ أيها السادة ـ ما قيمة التاريخ، إذا كان قراءة للأحداث دون استيعاب، ولَوْكًا للماضي دون عبرة، وتغنّياً به من غير استخلاصِ الـموجبِ الخلاقِ لإثراء الحاضر بالتجارب العظيمة، ومــدِّه جسرا إلى الـمستقبل بمزيد من التصميم والحماســة والإقبال.
ألا إن في تاريخ هذا اليوم درسا يهزّ منا السواكن، و يَشحَذ فينا الإرادة، و يُهيئ للناشئة السُّبُلَ القويمة لتتعظ بعِبَرِ أسلافها.. فإذا كان الطالب بالأمس قدّم أغلى ما يملك من أجل الجزائر، فإن طالب اليوم مطالب بأن يكون جنديا في ساحة العلم، لأنه سلاح المستقبل والقوة التي تمدّ الوطن بكل امكانات الرقى والإزدهار.
   ألا فاعلم ـ أيها الطالب ـ أنَّ الأمنَ واللحمةَ الوطنية وتماسُكَ المجتمَع وحمايةَ المُقدَّسات هي أعلى وأغلى ما نملِك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين. وان هذا الوطن -بفضل الله وعونِه- شارك في صُنعِه آباؤُنا وأجدادُنا، ويَسهر عليه رجالٌ من أبناء هذا الوطن، إنهم يحفَظون أمنَنا ومُقدَّساتِنا وسعادتنا وأحوالَنا وأموالَنا وأنفسنا وأهلينا، فلتكن منهم ومعهم.
   والسّاحةُ للصادقين المُخلصين، والانتماءُ الوطني هو الأغلَى، وتيّارُ الحقِّ والكرامة هو الأقوى، في عَدالةٍ سائدة وحريةٍ مُنضَبِطة وشعورٍ جماعيّ بالحِفاظ على الوطَن والممتلكات والمُكتَسبات، والبعد والتصدي لكلِّ فتنةٍ أو مسلكٍ أو دعوةٍ تُهدِّد الوطَن ووحدَته والمجتمعَ وعَيشَه.
 ألا فكُونُوا صفًّا واحدًا في كَتيبَةٍ واحدةٍ مُتراصَّة لمواصلة الطريق، وتعاونوا على البِرِّ والتَّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان.
     بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم·

                                      الخطبة الثانية

     الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى وآله وصحبه والتابعين بإحسان·
     وبعد: فإن الأمم إنما ترتقي وتزدهر حضارتها بقدر ما تحقق من العلم والمعرفة مع توظيف ذلك في الحياة وعدم الخروج بذلك على مقتضى الإيمان بالله·
     أيها المسلمون، وإني أغتنم هذه المناسبة لأقول للطلبة، أنتم أمل الأمة في حاضرها ومستقبلها، وأنتم صُناع حضارتها تنعقد عليكم ـ بعد الله عز وجل ـ الآمال في النهوض بأمتنا، ولن يتحقق لهم ذلك إلا إذا أخذتم بأسباب الرقي في تحصيل العلم النافع وتطبيقه، سواء ما اتصل بعلوم الدنيا أو بعلوم الدين مع توظيف ذلك عملياً في الحياة ونقله من حيز التجريد إلى أرض الواقع، نقول ذلك ونحن ـ وأنتم أيها الطلبة ـ نعيش في عالم يُوصف بأنه عصر الانفجار الثقافي، وفي عالم لا يعترف بالجاهل ولا يجد فيه موقعاً، ولا بالضعيف، لذلك ينبغي أن نوصيكم وأنفسنا بأن نسلك كل مسلك نحو العلم والمعرفة في إطار البناء لا الهدم، وباسم الله الذي خلق، لا باسم الشهوات والأهواء·  

   فاللهم وفق طلبتنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وأقرّ عيوننا بصلاحهم وفلاحهم يا رب العالمين·  اللهم واغمر أرواح شهدائنا الذين عبدوا لنا طريق العزة والكرامة بتضحيات جسام، ومتِّع الباقين بالصحة والعافية، ومكِّن لناشئتنا من أسباب الرقي والسؤدد ما يجعلهم خير خلف لخير سلف.
  اللهم واحفظ بلادنا وأمننا وعقيدتنا من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، اللهم الف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق