04 أكتوبر 2017



الموضوع: الشأن في الزكاة أن يأخذها آخذ، ويردها رادّ..

الخطبة الأولى
    الحمد لله مستوجب الحمد برزقه المبسوط، وكاشف الضرّ بعد القنوط، الذي خلق الخلق وبسط الرزق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أفاض على العالمين أصناف الأموال، وابتلاهم فيها بتقلب الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره، والشكر واجب له على كل حال. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وضع أسس التكافل بين الجماعة الإسلامية، فوثق الروابط وشد الإخاء. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
  أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الناس لن يغنوا عنه من الله شيئًا. أوصيكم بتقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، الواعظون بها كثير، والعاملون بها قليل، جعلنا الله وإياكم من المتقين.  
     أيها المسلمون: إن الزكاة من أكبر آيات الإيمان، وموجبات الثواب والرضوان، إنها تبوئ غرف الجنان. وهي زكاة بما تحمله من اسم طيّب، تزكي الأنفس والأبدان والأموال. قال تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم". التوبة:153.
   وإننّي في هذا المقام، لا أريد أن أتحدث فرضية الزكاة، ولا عن من تجب عليهم، ولا عن وعائها ومقاديرها ومصارفها، فإن ذلك له وقت آخر، ولكن أريد أن أقف اليوم لتعلموا:
    أن الزكاة ليست منحة من القادرين للمعوزين، أو نحلة من الموسرين للمحتاجين، وإنما هي حق للفقير والمحتاج، أُودع لدى الغني الموسر أمانة عنده، يقوم على حفظها ورعايتها. وعليه أن يردّ الوديعة والأمانة إلى صاحبها. وهذا هو الأسلوب الذي أدبنا به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استخدم لفظ إعادة الحق إلى أهله الفقراء والمحتاجين. لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن قائلا: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هـم أطـاعـوا لذلك، فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".  رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
     ثم لتعلموا-أيها المسلمون ـ: كذلك أنّ الزكاة هي أرفع أركان الإسلام شأنا. وأكثر أوامره ذكرا، وأوفر مقاصده عناية، ولو ذهبنا نستقصي ما نزل في القرآن الكريم من الآيات في العبادات، لوجدنا أن آي الصوم في القرآن أربع آيات، وأي الحج بضع عشرة آية، وآي الصلاة لا تبلغ الثلاثين، أما آي الزكاة والصدقة فإنها تربو على خمسين. لذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم فرضيتها وبين مكانتها في دين الله، ورغّب في أدائها ورهّب من منعها بأحاديث شتى وأساليب متنوعة. أذكر منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مثل يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني بشدقيه– ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية: "ولا تحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة".
     لعلكم–عباد الله–من ذكر هذا الحديث تدركون أهمية الزكاة في الإسلام، فهي ليست فرعا ولا نافلة، ولا بالقدر الذي يخفي أثره في حياة الفرد والمجتمع.
   ذلكـم أيهـا المسلمون: إن الزكاة ليس حقا موكولا للأفراد، يؤدّيه منهم من يرجو الله والدار الآخرة، ويَدَعه من ضعف يقينه بالله والدار الآخرة، كلا!. إنها ليست إحسانا فرديا، وإنما هو تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولة، وهو من واجباتها الأساسية. قال تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". الحج 41 .
     ولقد كان صلى الله عليه وسلم يوجّه ولاّته وسعاتـه إلى الأقاليم والبلدان لجمع الزكاة، ويأمرهم أن يأخذوا الزكاة من أغنياء البلد ثم يردونها على فقرائه، ولقد سمعتم آنـفا حديـث معاذ بن جبل المتفق عليه. وشاهدنا منه قوله صلى الله عليه وسلم: "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم...". فبين الحديث: أن الشأن في الزكاة أن يأخذها آخذ، ويردها رادّ، لا أن تترك لاختيار من وجبت عليه.
     قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر:"… استُدِل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منهم أخذت منه قهرا". فتح الباري 5/123. هذا هو الذي جاءت به السنة القولية، وأكدته السنة العلمية، والواقع التاريخي الذي جرى عليه العمل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده.
      وبهذه المناسبة فإني أدعو أولئك الذين آتاهم الله من فضله، أن يخرجوا زكاة أموالهم طيبة بها أنفسهم، واضعيها في الحساب البنكي لهيئة الزكاة. لتقوم نيابة عنهم بتوزيعها وصولا إلى أصحاب الحاجة، خاصّة الذين لا يسألون الناس إلحافا، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
    ولقد جُبل الجزائريون- مثل إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها- على فعل الخير وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حيث الأفراد يتولون إخراج زكواتهم، ويقومون بأنـفـسهم بالسؤال عن المحتاجين، وتفقد الفقراء وإيصال الزكاة إليهم لسد حاجتهم ويعانون في ذلك مشقة في إخراجها والبحث عن مستحقيها،  والحال هذه، فإن الزكاة لا تؤتي ثمارها، لذا ارتأى الخيّرون من هذه الأمة– بارك الله جهودهم– على إيجاد نظام حديث ومتقدم، يرعى شؤون الزكاة – يتولى جمعها وتوزيعها في أبواب الزكاة المشروعة، وكان بحمد الله صدور القانون بإنشاء هيئة الزكاة .  
   فاتقوا الله عباد الله: وأدُّوا زكاة أمولكم طيبة بها أنفسكم. ضعوها في صندوق الزكاة، أدّوها من ولاه الله أمركم، فمن برّ فلنفسه، ومن أثم فعليها، قـال تـعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله .... ما كنتم تكنزون". التوبة: 34.
     أقول قولي هذا....

الخطبة الثانية
   الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الأمين، صلى الله عـلـيـه وعـلـى آلـه وصحـبـه أجمعين.
     أما بعد: فقد روى مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدّي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أتى بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها رُدّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدون. ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو النار".
   فاتقوا الله، عباد الله: وأدّوا زكاة مالكم طيبة بها أنفسكم، مبرهنين على إنسانيتكم وإيمانكم، كفكفوا دموع اليتامى والأيامى من إخوانكم وأخواتكم، وانهضوا بهذا المشروع. وأدّوها إلى لجنة الزكاة التي تعمل على سعادتكم، "وأنـفـقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".
    اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبيل السلام. واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، ووفق– اللهم- ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق