الموضوع: نفحات رمضان أوشكت على الوداع
الخطبة الأولى
الحمد لله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكورا
وأجرهم موفورا، الحمد لله الذي جعل لكل حيّ في هذه الدنيا زوالا، ولكل مقيم
انتقالا. ليَعتبِر أهل الإيمان فيبادروا بالأعمال الصالحات في زمن الإمهال، ولا
يغترّوا بطول الأعمار والآمال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العظيم
في قدره، المتعال فوق خلقه، الكريم في عطائه وفضله. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
القائل في سنته: "بادروا بالأعمال"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن
تبعه بإحسان إلى يوم المآل.
أما بعد، فاتقوا
الله عباد الله، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، واعلموا أنها تَنقص من
أعماركم، وتُطوَى بها صحائف أعمالكم، فبادروا بالتوبة الصادقة، والأعمال الصالحة
قبل أن يتخطّفكم المنون، فتندمون على ما أعطاكم الله من الفرص السانحة.
فها هو شهر رمضان قرُب رحيله وأزفّ
تحويله، وإنه شاهد لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فمن أودعه عملا صالحا
فليحمد الله على ذلك، وليبشَّر بحسن الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا،
ومن أودعه عملا سيّئا، فليتب إلى الله توبة نصوحا، فإن الله يتوب على من تاب، قال
تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى". طه:82.
عباد الله: وقد
أطلّت علينا خير ليالي شهر الخير، إيذانا بختام شهر رمضان المبارك، ليال تستحثّ
همم المتقين وتشدّ من عزم العابدين، ليال طالما تحدث عنها الخطباء وأطنب في ذكرها
الوعَّاظ وأفاض الناصحون بذكر فضائلها. ليال خصها الرسول صلى
الله عليه وسلم بمزيد من الاجتهاد في العبادة وكان له هدي وسنة في احيائها، ففي
صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يجتهد
في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره". .
ألا
وإن من أعظم ما يرجى فيها ويتحرى: ليلة القدر "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
ٱلْقَدْر". القدر:2. من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. منّةٌ ومنحةٌ لهذه الأمة التي يريد الله بها
خيراً بتكرار مواسم الخير لها، عن عائِشة رضي الله عنها أَنّ رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ
الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ ". . تَحَرَّوا"
أي اطلبوا وابحثوا، وفي رواية: "التمسوا"، وفي أخرى: "تَحَيَّنُوا ليلة القَدر"
أي: اطْلُبُوا حِينَها، وفي قوله: "تحرّوا ـ التمسوا ـ تحيّنوا"، دليل
على إخفاء ليلة القدر؛ لأن الشيء البيِّن لا يحتاج إلى الْتِماس وتَحَرٍّ. قال
الله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ (۱) وَمَا
أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (٢) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ
شَهْرٍ (۳)تَنَزَّلُ
المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلاَمٌ
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ (٥)". سورة القدر.
ولقد صحّ في الحديث عن عائشة رضي الله عنها،
أنها قالت للنبي صلة الله عليه وسلم: أَرَأَيتَ إِنْ وَافَقتُ لَيلَةَ القَدرِ،
مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قَولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ
فَاعفُ عَنِّي". رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ.
نعم-أيها المباركون-هذه ليال فيها ليلة لا تشبه ليالي الدهر،
إنها ليلة في هذه العشر، فاطلبوها وتحروها والتمسوها وتحينوا وقتها-رحمكم الله-بجدٍّ
وإخلاص، قال الإمام النووي رحمه الله: "ويستحبّ أن يكثر فيها من الدعوات
بمهمّات المسلمين، فهذا شعار الصالحين وعباد الله العارفين" ا.ه. فاسألوا
الله فيها لنا ولكم ولمسلمين أجمعين الغنيمة من البرِّ والخيرات والسلامة من
الآفات.
هذا واعلموا ـ رحمني الله
وإياكم ـ أن الله شرع الله لكم في ختام شهركم عبادات تزيدكم من الله قربا، وتزيد
في إيمانكم وفي سجل أعمالكم حسنات، فشرع لكم زكاة الفطر، روى البخاري ـ رحمه الله
ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنـهما قال: "فرض رسـول الله صلى الله عليه
وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تـمر علـى الصـغير والـكـبـير والعـبد
والمـمـلوك". ورُوى كذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا
نخرج في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر: صاعا من طعام، وكان طعامنا
الشعير والزبيب و الإقط".
أيها المسلمون: فزكاة الفطر واجبة
على الحر القادر عليها وقت الوجوب عن نفسه وعن كل من تلزمه نفقته، وزَمنُ وجوبها
غروب الشمس آخر يوم من رمضان، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، كما يجوز
إخراج القيمة نقدا. وقد قدرت هذا العام (1439 ه)
بمائة وعشرين دينار جزائري.(120دج) تدفع للمسلم الفقير أو المسكين. فأخرجوها طيبة بها نفوسكم،
وأقرضوا الله قرضا حسنا، قال صلى الله عليه وسلم: "صوم شـهـر رمضان معلّق بين
السماء والأرض، فلا يرفع إلا بزكاة الفـطـر". رواه الحافظ المنذري في الترغيب
والترهيب.
فهذا شهرِ الخير
والعطاء والفضلِ والبركة والجودِ والإحسان، وإننا جميعا نعلم أنه فرصةٌ لا
تُعوَّضُ، وقد لا تتكرَّرُ لكثيرٍ من الناس، فرصَة لا تعوَّضُ للتوبة إلى الله جلّ
وعلا، والإنابةِ إليه والإقبالِ إلى طاعته، والنَّدَمِ على التفريطِ في جَنبِ الله.
يا غافلا وليالي الصوم قد ذهبت * زادت
خطاياك قف بالباب وابكيها
واغنم بقية هذا الشـهر تحظ، فما * غرسـته من ثمار الخــير تجنــيها
وتب لعلك تحـظ بالقــبول عسى * أن تبلغ النـفسُ بالتــقوى أمانـــيها
وقل إلهي أنا العــبد الذليل وقد * أتيـت أرجو أجــــورا فاز راجـــــــــــيها
فلا تكـــــلني إلى علـــــمي ولا عملي * واغفر ذنــــــــوبي فإني غــارق فيها
واغنم بقية هذا الشـهر تحظ، فما * غرسـته من ثمار الخــير تجنــيها
وتب لعلك تحـظ بالقــبول عسى * أن تبلغ النـفسُ بالتــقوى أمانـــيها
وقل إلهي أنا العــبد الذليل وقد * أتيـت أرجو أجــــورا فاز راجـــــــــــيها
فلا تكـــــلني إلى علـــــمي ولا عملي * واغفر ذنــــــــوبي فإني غــارق فيها
أيها المسلمون: إن
شهر رمضان هو شهر الطاعات بكل أنواعها، صيام وقيام جود وقرآن وصلوات وإحسان وتهجد
وتراويح وأذكار وتسابيح، وبلوغه نعمة كبرى يقدّرها الصالحون المشمّرون، فانظروا ما
ذا أودعتم فيه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليبشّر
بِحسنِ الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب
إلى ربِّه توبة نصوحاً فإن الله يتوب على من تاب..
وفقني الله وإياكم لذلك، وتقبل صيامنا وقيامنا، ومتّعنا بعيد
سعيد، وعمر في الخير مديد، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا
كثيرا طيّبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
فيا شهر الصيام فدَتْك نفسـي * تمهـّل
بالرحيل والإنتـقال
فما أدري إذا مـــــا الحـــول ولّـى * وعدت
بقابل في خير حال
أتلقـاني مـع الأحـــــــــــيـاء حيًا * أو
أنك تلقني في اللحد بالي
ها هي ــ عباد الله ـ نفحات الخير توشك على الوداع، ويشتدّ سباق المشتاقين للعتق من النيران، وترتفع أيديهم بالدعاء، وصوت أنينهم يعلو، ولسان حالهم يقول: اللهم إنك عفوّ كريم تحب العفو فاعف عنا..
أيها المسلمون: لعل هذه آخر جمعةٍ لكم من هذا الشهر الفضيل، فانظروا ما ذا أودعتم فيه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليبشّر بِحسنِ الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب إلى ربِّه توبة نصوحاً فإن الله يتوب على من تاب، واحذروا التسويف وطول الأمل فإن الأجل أسرع، فعودوا إلى رب كريم رحيم، يغفر الذنوب ويكفر الزلات ويقيل العثرات، ويقبل التوبة ويضاعف الحسنات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". سورة العصر.
أيها المسلمون: لعل هذه آخر جمعةٍ لكم من هذا الشهر الفضيل، فانظروا ما ذا أودعتم فيه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليبشّر بِحسنِ الثواب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن أودعه عملاً سيئاً فليتب إلى ربِّه توبة نصوحاً فإن الله يتوب على من تاب، واحذروا التسويف وطول الأمل فإن الأجل أسرع، فعودوا إلى رب كريم رحيم، يغفر الذنوب ويكفر الزلات ويقيل العثرات، ويقبل التوبة ويضاعف الحسنات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". سورة العصر.
اللهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحا
ومغنما، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقا وسلما، اللهم ربنا تقبل منا
الصيام والقيام، واحشرنا في زمرة خير الأنام، ربنا تقبل دعاءنا، واغفر لنا
ولآبائنا ولأمهاتنا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات
بيننا، واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنّ بإخواننا في فلسطين، وفي
كثير من بلدان المسلمين من البلوى واللأواء ما لا يرفعه إلا أنت، فاللهم لا تشمت
فيهم عدوك وعدوهم، وآمنهم في أوطانهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك يا ذا الجلال
والإكرام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وكن للمظلومين وليا
ونصيرا برحمتك يا أرحم الرحمين. اللهم واجعل هذا الشهر شاهداً لنا وحجة لنا لا حجة
علينا، اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فأحسِن عملنا فيه، وإن قضيت
بقطع آجالنا فأحسِن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمّنا برحمتك
وغفرانك، واجعل الموعِدَ بحبوح جنتك ورضوانك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق