الموضوع: المحافظة على الوقت
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، جعل في اختلاف الليل والنهار عبرا، وجعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب. أحمده سبحانه وأشكره على نواله وأفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحـــده لا شريك له، هـو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الهادي إلى صراط مستقيم، والداعي إلى دين قويم، اللهم صل وسلم وبارك وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله ، اتقوا الله وأطيعوه، وراقبوه مراقبة من يعبده كأنه يراه، وأنه مطّلع على سرّه ونجواه، واعلموا أنّ ما مضى من الوقت لا يُعَوَّض ولا يعود، فاغتنموا كل لحظة من أعماركم فيما يعود عليكم بالنفع عاجلا وآجلا، وتذكّروا أنّ أوَّلَ ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، عمره فيما أفناه. ففي الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟، وعن شبابه فيما أبلاه؟، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟، وعن عمله ماذا عمل به "؟ .
أيها المسلمون: عند قراءتي لهذا الحديث، توقفت متأملا قضية القضايا، وهي: الوقت في حياة الإنسان، ولماذا يضيّعه، وهو عمره ؟ وأخذت أدير الفكر في الحساب والعقاب بعد الموت ، عندما يسأل ابن آدم عن عمره فيما أفناه، فهالني الأمر وأفزعني الموقف، ورحت أتأمل آيات الكتاب العزيز، فوجدت أن الله سبحانه وتعالى قد أقسم بالوقت في العـديد مـن السّور، أقسم بالليل والنهار وبالفجر والضحى وبالعصر ، وعندما يقسم ربّ العزة سبحانه بشيء من خلقه، فهذا دليل على أهميته وعظيم قدره .
وعدت بالذاكرة إلى حياة خاتم النبيين – صلى الله عليه وسلم – فوجدت أنه كان لا يضيّع وقته، فهو في نهاره بين أصحابه وبين الدعوة والتعليم والعمل الصالح وتدبير أمور المسلمين، وفي الليل يقسّم وقته بين أهله وبين عبادة ربه، أليس هو القائل – صلى الله عليه وسلم - :" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة و الفراغ " ؟. رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أما أصحابه رضوان الله عليهم، فلو قرأ شبابنا تاريخهم – الذي هجروه – لرأوا العجب العجاب في هذا الباب، إنهم كانوا لا يعرفون النوم الموصول، الليل بالنهار الذي يقضي عليه حياتهم اليوم أغلب الشباب، نوم بالليل واشتغال بالسخافات بالنهار، كانوا – رضوان الله عليهم – لا يعجبون لشيء عجبهم ممن ينام الليل كله، لأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام الليل حتى أصبح، فقال: "ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه ".
ألا ما أكثر الذين يبول الشيطان فـي آذانهم في عصرنـا !،
قيل لعمر بن الخطاب: " أتنام من النهار ؟. فقال: وهل أنام من الليل حتى أنام من النهار؟، إنّي إذا نمت الليل أضعت حقي، وإذا نمت النهار أضعت حق رعيتي، فكيف لي بالنوم مع هــذين؟. وإنما هي خفقات بعد الصبح ".
لا تعجب من هذا ـ أيها المسلم ـ فلكلّ امرئ من دهره ما تعوّدا !.
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
عباد الله: استحضروا حالنا في حاضرنا، إنكم تجدون البون شاسعا، والفجوة عميقة بين الماضي والحاضر. فأكثرنا اليوم يتفنّن في إضاعة وقته، ووقت أمته وبكل الوسائل، حتى كدنا نفقد الأصالة والانتساب إلى خير أمة أخرجت للــناس، والتي ملأت الدنيا إيمانا وصلاحا وعلما وحضارة، فأين نحن الآن من أمجادنا؟. انظروا يمينا وشمالا. ماذا ترون ؟.
ترون صورا متعددة لسرقة الوقت بين بعض طوائف الموظفين والعاملين في شتى القطاعات والمواقع، إما بالاشتغال بأمور شخصية، واستغلال لإمكانات العمل، وإما بالتزويغ وتعطيل مصالح الناس، لقد نسي هؤلاء أنّ العمل التزام ومسؤولية أمام الله أولا، وأنّ وقت العمل ليس ملكا لهم بل هو حق الآخرين واعتداء على مصالحهم، وكذلك حال من يقتلون وقتهم في اللهو والعبث والتسكع في الطرقات والجلوس كثيرا في المقاهي والملاهي. لقد شاعت وفشت هذه الظواهر حتى انعكست كثـــيرا على الأداء والإنتاج مما أدى إلى حدوث كثير من المشاكل .
لقد وقف يوما العالم الدمشقي جمال الدين القاسمي( المتوفى عام 1914 م) أمام المقاهي المكتظة بالناس، فامتلأت نفسه حسرة. وقال: " كم أتمنى لو أنّ الوقت مما يباع، لاشتريت من هؤلاء جميعا أوقاتهم"؟,
أيها المسلمون: فلنتدارك الأمر، ولنكسب الوقت، ولنحاسب أنفسنا على كل دقيقة ماذا عملنا فيها ؟. ونقلب صفحة يوم أمس كيف أمضيناه، وماذا عملنا فيه ؟ .
دقـــــات قلب المـــــــــــــــــــــــــــــــــرء قائلة له إن الحــــــــــياة دقائق وثـوان
فارفع لنفسك قبل الموت ذكرها فالذكر للإنسان عـــــمرٌ ثان
كان الحسن البصري رحمه الله يقول: " ما مرّ يوم على ابن آدم إلا قال له: "ابن آدم إني يوم جديد وعلى ما تعمل فيّ شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبدا إليك ".
نـسير إلى الآجال في كل لحــــــــظة و أيامنا تطـــــــــــوى وهنّ مراحل
ولم أر مثل المـوت حـــــــــــــقّا كأنه إذا ما تخـطّــــــــــته الأماني باطل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا فكيف به والشيب للرأس فاعل
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. آمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون : إن مسؤولية الوقت أضخم مسؤولية، والعاقل من خرج من هذه المسؤولية راضيا مرضيا، راضيا عن نفسه، مرضيا عند ربه .
قال أبو بكر الكتاني: " كان رجل يحاسب نفسه، فحسب يوما سنّيه، فوجدها ستين سنة، فحسب أيامها فوجدها واحدا وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ صرخة، وخرّ مغشيا عليه، فلما أفاق، قال: يا ويلاه، أنا آتي ربّي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟ .
يقول هذا لو كان ذنب واحد في اليوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تحصى؟.
فاعتبروا بهذا يا أولى الأبصار، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، يمضي فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يومٌ ذهب بعضك". وقال: "يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك". وقال: "الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك، فاعمل فيه".
وقال ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ".
وقال ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ".
فالله ،. الله – عباد الله – في مواسم العمر، والبدار ..البدار قبل الفوات، خذوا حذركم، فقد أزفّ الرحيل. واغتنموا الفرصة فيما بقي من الأجل لصالح العمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :" و العصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الـذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " .سورة العصر.
جعلني الله وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله، وأعدّ للسؤال جوابا، وللجواب صوابا، اللهم إنا أسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك من كل ما تعلم، إنك علام الغيوب، اللهم أعز الإسلام والمسلمين والمسلمين. واحم حوزة الدين، واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا جلال والإكرام. ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق