الموضوع: تسمية الولد، العقيقة
الخطبة الأولى
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله و أطيعوه، واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد، واعلموا أن من شكر الله على هذه النعم، أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم لأحسن الأخلاق، وأفضل الآداب. قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ... " التحريم:6.
أيها المسلمون: لقد وردت في التوجيه الإسلامي حفاظا لحقوق المولود وتكريما له عدة واجبات على الوالدين منها:
التأذين في أذنه اليمنى وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى ، ومنها إحسان واختيار اسمه، والاحتفاء به ذكرا أو أنثى إلى غير ذلك. ولقد اعتنى الإسلام بتشريعه الكامل لهذه الواجبات، واهتم بها، ووضع لها من الأحكام ما يشعر بأهميتها والاعتناء بها، حتى تعلم الأمة الإسلامية كل ما يتعلق بالمولود، وكل ما يرفع من شأنه ويتصل بتربيته.
وحديثنا اليوم-عباد الله- حول تسمية الولد.
لقد روى أصحاب السنن عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل غلام رهين بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمّى فيهو ويحلق رأسه " .فهذا الحديث يقضي أن تكون التسمية في اليوم السابع ، وهناك أحاديث أخرى يؤخذ منها أنّ في الأمر سعة. فجاز تعريفه وتسميته في اليوم الأول من ولادته ، وجاز التأخير إلى ثلاثة أيام ، وجاز إلى العقيقة ، وجاز قبل ذلك وبعده . لكن لنا أن نسأل: ماذا يستحب من الأسماء ؟.
نعـم، إن ذلك مما يجب أن يهتم به الوالدان ويفكّران فيه طويلا عند التسمية. فينبغي أن ينتقى له من الأسماء أحسنها وأجملها، تنفيذا لما أرشد إليه وحضّ عليه وأمر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى أبو داوود بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" . وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ من أحبّ أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن...".
كما يجب على الوالدين تجنيب الولد الاسم القبيح ، الذي يمسّ كرامته ، ويكون مدعاة للاستهزاء والسخرية به . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها كان يغير الاسم القبيح. وروى الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنّ ابنة لعمر كان يقال لها عاصية ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة .
كما يجب عليهما – الوالدين – أن يجنّباه الأسماء التي فيها تميّع وتشبه وغرام كهيام وهيفاء وناريمان وما شابهها . وذلك حتى تتميز أمة الإسلام بشخصيتها وتعرف بخصائصها وذاتيتها. وما هذه الأسماء إلا فقدان لكيانها، وانحدار لاعتبارها وتحطيم لمعنوياتها؟.
ولعل الكثير منكم ـ أيها المسلمون ـ يعرف أن فترة الاستعمار الفرنسي والتي دامت قرنا وربع قرن، كم حاولت فرنسا إدماج الجزائريين، ولكن رامت المحال من الطلب. فكان لا يخلو بيتا من اسم محمد وأحمد وإبراهيم وزينب ورقية. وغير ذلك. وأصبحنا اليوم نسمي بجولينار وشريهان. روى أبو داوود والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تسمّوا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها مرّة و حرب".
إنه- أيها المسلمون-: لا عجب أن يحضّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمة الإسلام في أن يتسَمُّوا بأسماء الأنبياء أو كعبد الرحمن وعبد الله وما شابهها من الأسماء، حتى تتميز الأمة المحمدية على غيرها من الأمم في كل مظاهر حياتها لتكون دائما: " خير أمة أخرجت للناس ".
فاتقوا الله أيها المسلمون, وتمسكوا بأسس هذه التربية الفاضلة، وسيروا على مبدأ المنهج الإسلامي العظيم.
وفقنا الله وإياكم لذلك. أقول قولي هذا .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه. فقال الولد: يا أمير المؤمنين: أليـس للولد حق على أبيه؟. قـال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟. قال عمر: أن يتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( القرآن ). قال الولد: يا أمير المؤمنين: إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك. أما أمّي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سمّاني جعلا أي ( خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: "جئت إلي تشكو عقوق ابنك ، ولقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك " !.
ها أنتم أيها المسلمون: ترون كيف حمّل عمر الرجل مسؤولية عقوق ولده له. لأنه لم يختر له من الأسماء أحسنها !.
فيا أيها الآباء والأمهات: ما عليكم بعد الذي سمعتم إلا أن تنتهجوا الطريق الأقوم في تسمية أبنائكم وبناتكم ، وان تجنّبوهم الأسماء التي تحطّ من أقدارهم ، وتمس بكرامتهم ، وعليكم أن تتأسوا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم .
اللهم وفقنا للعمل بكتابك ، واتباع سنة نبيك الكريم ، ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفقنا لصالح الأقوال والأعمال واجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه. اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق