الموضوع: وصيتي لابنتي بمناسبة زواجها..
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله الذي لم يزَل في قدره علِيًّا، ولم يكن قطّ له سميًّا، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له القائل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد:38]، وأشهد أنّ محمّدًا عبده
ورسوله أكملُ النّاس إيمانًا وأخلصُهم قصدًا ونيّة، صلّى الله عليه وعلى آله
وصحبِه أولي الأخلاق السّامية والصّفات السّنية، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فالوصية هي منهج رباني في القرآن
الكريم، وسنة للأنبياء الذين وصوا أبناءهم، وهي عادة متبعة عند البشر يقدّمون فيها
خلاصة تجاربهم لمن يحبون من الأبناء والبنات طمعا في أن يستفيدوا مما اكتسبوه من
الخبرات، فقد روي عن أنس رضي الله عنه وأرضاه: "كان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم إذا زفوا امرأة على زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية
حقه). وأوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته فقال:( إياك والغيرة ، فإنها مفتاح الطلاق،
وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنّه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء). وكما
قالت أمامة بنت الحارث لابنتها أم
إياس: الوصية لو تركت لفضل أدب، تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.
.
واقتداء بمن سبق أقول لك: أوصيك ـ بنيتي ـ بتقوى الله عز وجل فإن من اتقى الله وقاه، ومن شكره
زاده. " بارك الله لكِ .. وبارك عليكِ .. وجمع بينكما على خير "
بنيتي.. يَعِزّ عليَّ وعلى مَن في البيت الذي فيه نشأت.
فراقك وبعدك، وسيحزننا غياب صوتك وحركاتك وتعليقاتك الأنيسة، وسنفقد خدماتك
الكثيرة النابعة من قلبٍ ملؤه الحب والود والنقاء والصفاء. ولكن تلك هي سنة
الحياة. . وإن مما يعَزِّينا في ذلك كله تخيلنا وكأن الكون كله هذه الأيام يشاركك
الأفراح، وكلّ الأهل والأحباب يشاطرونك الآمال، فهنيئا لك . . هنيئا بما هيأ الله
لك..
كل قلبٍ صار يخفق بدعاءٍ في
السجود .. رب بارك ووفق واجعل الآتي سعود
بنيتي ها
أنت تفارقين الجو الذي فيه نشأت وخلفت العشّ الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه
وقرين لم تألفيه. فاعلمي أن الإسلام بنى الأسر على دعامتين من العدل والحب، لا ينبع من الحياة
حياةٌ إلا منهما، ولا يستقيم شأنٌ إلا بهما، ويتضح هذا من الغاية التي بينها الله
تعالى من الزواج فقال: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا
إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". فطاعة المرأة لزوجها فرضُ عينٍ على كل امرأة ذات زوج، ثبت ذلك بكتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الله يريد لنا السعادة، وهذا سرها ومفتاحها،
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت
زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت). وقال: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود
الولود، التي إذا ظُلمت قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضًا حتى ترضى).
بنيتي عليك بتقوى الله، والصبر، فقد جعلك الله
أسيرة بين يدي زوجك، فإن أحسن إليك فهو واجبه وهو مأجور على ذلك، وإن أساء وقصر،
فعليك بالصبر؛ فإن صاحب الأمر الذي أسَرَك بين يديه هو الله الذي لا إله إلا هو،
وهو الذي يقدر تعبك وجهدك فسيجازيك خير الجزاء إن شاء الله.
ومما حفظنا من وصايا الأولين: "كوني له أرضا
مطيعة يكن لك سماء، وكوني له مهادا يكن لك عمادا. واحفظي سمعه وعينه فلا يشم منك
إلا طيبا ولا يسمع منك إلا حسنا و لا ينظر إلا جميلا
..) واسمعي معي قول الشاعر
وهو يقول لزوجته:
خذي مني العفو تستديمي مودتي و لا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى فيأباك قلبي والقلوب تتقلب.
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى فيأباك قلبي والقلوب تتقلب.
اعملي على تنفيذ أوامر زوجك بكل سرور وأدب وحب،
وقومي بذلك قربة إلى الله واحتسبي الأجر عنده عسى أن يثيبك على ذلك الجنة. عاملي
أهله بالحسنى، واعملي جاهدة على إكرامهم والإحسان إليهم وعدم التطاول عليهم، طاعةً
لله ولزوجك ، فكل ذلك من حسن التبعل الذي جاء ذكره في حديث الرسول صلى الله عليه
وسلم.
كوني له ولأهله عونا في الشدائد والرخاء,
يكن لك كما تحبين. فإن الوفاء يبعث على الوفاء، كوني عند موقع نظره فيما يحب منك
في دينه ودنياه. . ساعديه
على إرضاء والديه وأقاربه تعظمي في أعينهم ويقفون لجانبك إذا لزم. كوني سريعة الرضا إذا استرضاك
فبذلك تملكين عليه قلبه ويدل ذلك منك على حسن تربيتك في أهلك..
تذكري بنيتي ـ دائما ـ أن لا غالب ولا مغلوب بين
الزوجين, فالتسامح والود والتحمّل سرُّ السعادة الزوجية.. لأن التسامح خلق فاضل
فوق درجة الحق والقصاص، قال تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى). ولا تصغي لأحد ولو
كان من أقرب الناس إليك بما يفسد عليك حياتك الزوجية، لأن العلاقة الزوجية فوق
أي اعتبار، وإذا التبس عليك أمر جعلك في حيرة من أمرك, فاستشيري أهل التقوى والصلاح ـ أهل الرأي والرويةـ فإن المشورة
طريق الخلاص وهي شأن العقلاء قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم).
واعلمي ـ بنيتي ـ إن السعادة الحقيقية لا بد أن
تكون في الدنيا والآخرة، فلا معنى لسعادة في الدنيا دون الآخرة؛ لأن هذا معناه أنه
مهما تمتع الإنسان في الدنيا فإنّ غمسة واحدة في جهنم تنسيه كل شيء، فماذا استفاد؟
لا شيء.. لقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. فَاتَّق اللهَ، وَاعلَمِي أَنَّ بِالزَّوَاجِ تُوضَعُ لَبِنَةٌ
جَدِيدَةٌ فِي بِنَاءِ الصَّرْحِ الاجتِمَاعِيِّ؛ بِهَا يَتَدَعَّمُ بُنْيَانُهُ،
وَتَقْوَى أَركَانُهُ. أَلاَ واحْذَرِي مِنْ كُلِّ مَا يُوهِنُ هَذَا الصَّرْحَ،
وَالتَزِمي َبما يُحقِّقُ لِبَيْتِكِ الاستِقْرَارَ؛ وَيَضْمَنُ لِلزَّوَاجَ
الدَّوَامَ وَالاستِمْرَارَ. فاجتهدي - أحسن الله إليك – بكل وسيلة دينية أو دنيوية مباحة؛ تَجْنِ السعادة
وَتَبْنِ بيتك الكريم.
بنيتي على عجالة هذا ما
استطعت جمعه ولولا تيسير الله ما سطرته، وهو
سبحانه يوفقني ويوفقك. أسأل الله
تعالى الذي رفع السماء بلا عمد والذي أضحك وأبكى وخلق الزوجين الذكر والأنثى، أن
يديم أفراحك وسعادتك، وأن يملا حياتك بهجة وحبورًا، وفرحة وسرورًا، وأن يرفع رأسي ورأس
عائلتك بك، وأن أراك ناجحة في حياتك ومع زوجك، وغدًا ناجحة بين أولادك. وأسأل الله لي ولك السلامة من حقوق خلقه، والإعانة على أداء حقه، وصلى الله وسلم على
سيدنا محمد وعلى آله.
نفعني الله وإياك بما قلت وأوصيت، وأستغفر الله لي ولك من كل ذنب وخطيئة،
فاستغفريه إنه هو الغفور الرحيم. والحمد لله رب
العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق