الموضوع: إماطة الأذى عن الطريق
الخطبة
الأولى
الحمد
لله الهادي إلى صراطه المستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله، سبحانه يحب التوابين
ويحب المتطهرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من دعا إلى الله وهدى إلى النهج
القويم. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى من
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا
عباد الله: الشكر قيدٌ للنعم، ووسيلةٌ لدوامها، وعاملٌ على المزيد منها،
وعلى العكس من ذلك كفران النعمة، هو كفران للجميل، وجحود لفضل المنعم، وعامل على
زوال النعم وقطع تتابعها، وهو ظلم للنفس يجرّ عليها أسوأ العواقب، قال تعالى:
"وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد". سورة
إبراهيم الآية 6 .
أيها المسلمون:
وإن من النعم التي نشكر الله عليها، أن مهّد لنا الأرض وجعل فيها طرقا وسبلا، نقرأ
في سورة النحل ـ والتي قال قتادة: "تسمّى سورة النعم". قال ابن عطية
وذلك: "لما عدّد الله فيها من النعم على عباده"، ـ قوله تعالى:
"وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون
وعلامات".
فلقد ذكر سبحانه بعض
ما امتن به على عباده من النعم، فهو سبحانه جعل في الأرض طرقا وسبلا، وألهم الناس
إلى أن يضعوا لها علامات يتعارفون عليها، لتكون دلالة على المسافات والمسالك
المأمونة ليتبعها المارة .
ونقرأ في سورة الأنبياء عن تدبير
الله الأشياء على نحو ما يلائم الإنسان ويصلح حاله. من ذلك أنه جعل في الأرض
الفجاج والسبل، قال تعالى: "وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها
فجاجا سبلا لعلهم يهتدون". الفجاج: جمع فجّ، وهو الطريق الواسع. والسبل: جمع
سبيل، وهو الطريق مطلقا، والمعنى والله أعلم: أي جعلنا في الأرض طرقا وسبلا واضحة
غير محجوبة بالضيق، إرادة اهتدائهم في سيرهم.
وأخيرا نقرأ في سورة نوح على نبينا
وعليـه الســلام، قـول الله تبارك وتعالى: "والله جعل لكم الأرض بساطا
لتسلكوا منها سبلا فجاجا"، فهذا نوح عليه السلام يوجّه قلوب قومه إلى نعمة
الله عليهم في تيسير الحياة لهم على هذه الأرض وتذليلها لسيرهم ومعاشهم وانتقالهم.
فاعرفوا– أيها
المسلمون– نعم الله، وأدّوا شكرها، واستعملوها في الطاعة، والشكر يكون بامتثال
أوامر الله واجتناب نواهيه، وهذا هو سبيل الصالحين ونهج المرسلين.
ولذا فرسولنا صلى الله عليه وسلم
يخبرنا أنه: إذا أصبح ابن آدم كان عليه لكل عظم من عظامه صدقة، لكنها صدقة
لا تختص بالمال، بل تعم جميع ما يقرب إلى الله من الأقـوال والأعمال. ففي الصحيحين
،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم
تطلع فيه الشمس"، ثم بيّن نوع الصدقة، فقال: "تعدل بين اثنين صدقة،
وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها صدقة، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة
الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة"
.
أنظروا– أيها
المسلمون- : لقد جعل صلى الله عليه وسلم إزالة الأذى عن الطريق صدقة، فمن عزل حجرا
أو شوكة أو أي شيء يؤذي المارة من الطريق فذلك صدقة يثاب عليها ويؤجر . جاء في
الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحيّن هذا عن المسلمين لا
يؤذيهم، فأدخل الجنة". وفي رواية: "لقد رأيت رجلا يتقلّب في الجنة– أي
يروح فيها ويجيء كما يشاء– من شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس".
أيها المسلمون:
إن آداب الطرق، وأخلاق السير، مشكلة كبرى للإنسانية. فقد اهتمت بها التشريعات
السماوية والتشريعات الوضعية، فالطريق حق مشترك للمارة، ينبغي إفساحها وإزالة
الأذى والعراقيل عنها، والذين لا يفعلون ذلك، إنما يعوقون حركة المجدّين في السير.
ألم يذكر الرسول صلى الله
عليه وسلم أن من أزال ما يؤذي الناس في طريقهم جزاؤه الجنة؟.
فما عقاب الذي يؤذي الناس برمي
فضلات بيته أو فضلات مصنعه أو متجره في الطريق؟.
وما جزاء الذي يوقف سيارته
في مكان يعوق الحركة؟. أو يسير بسرعة جنونية داخل المدنية لا يراعي الأنظمة
ولا يبالي بالأرواح؟.
بل إن هناك بعض سائقي
السيارات يجعلون الطريق مجالا لتبادل التحيات والمجاملات المطولة، يعطلون الحركة،
ويحدثون بلبلة في المرور، وهم يحسبون أنهم يحسنون صـنعا!.
أيها المسلمون:
إن إفساح الطريق وإزالة الأذى عنها مسألة حضارية. لذا فهي في أحاديث الرسول صلى
الله عليه وسلم من شعب الإيمان. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة،
فأفضلها قول: "لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة
من الإيمان".
أرأيتم كيف قسّم
الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان إلى شعب؟. و ذكر أن أفضلها قول: "لا إله
إلا الله"، و ذلك كتعبير عن التوحيد الذي لا يتمّ الإيمان إلا به. ثم ذكر
أدنى شعب الإيمان وهي: "إماطة الأذى عن الطريق"، وذك كعمل سلوكي يعبّر
عن باقي الأعمال، فإزالة الأذى عن الطريق وتسهيلها وإصلاحها وتنظيفها كل ذلك من
الإيمان. فمن ساهم في ذلك بماله أو بدنه فقد فعل خيرا، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات
الله فسوف يلقى الذكر الطيب في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة إن شاء الله.
فاتقوا الله– أيها
المسلمون– وتأدّبوا بما بلغكم من الآداب الإسلامية، لترتقوا إلى الكمال الخلقي
والتعاملي وتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة .
وفقني الله و إياكم لذلك، وهدانا
صراطه المستقيم. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم، آمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب
العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
الأمين. صلى الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد روى المحدّثون عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث جليلة في حق الطريق،
وواجب الناس في تأدية ذلك الحق، ومن الروايات المشهورة في هذا المجال، ما ورد في
مختصر صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله: "ما لنا من
مجالسنا بدّ، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا
المجلس فاعطوا الطريق حقه، قالوا: "وما حق الطريق يا رسول الله؟. قال: غض
البص، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعـــروف، والنهي عن المنكر" .
تأملوا- أيها
المسلمون- في هذه التوجيهات النبوية الكريمة، وليلتزمها كل جالس في الطريق أو سائر
فيها، وتفكروا أيضا فيما يترتب عن مخالفتها من قلة الذوق ومن الجفاء، بل من المشاحنات
والمعارك أحيانا. واذكروا على الدوام قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "ما من
شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش
البذيء". رواه الترمذي عن أبي الدرداء.
فاللهم حسّن
أخلاقنا، وتقبل أعمالنا، واغفر لنا ذنوبنا، وانصرنا على أنفسنا حتى نستقيم على
أمرك، واجعلنا من التوابين ومن المتطهرين .اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك،
وحبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا واجعلنا من عبادك الراشدين، اللهم وألف بين
قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام، واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق ولي أمرنا وجميع ولاة أمور المسلمين إلى ما تحب وترضى، وارزقهم البطانة
الصالحة التي ترشدهم إلى الخير وتعينهم عليه يا أرحم الراحمين، اللهم واغفر لنا
ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى
آله وصحبه أجمعين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق