17 أكتوبر 2017

 
الموضوع: خطبة صلاة الإستسقاء..

الخطبة الأولى
      أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
      الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. لا إله إلا الله، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. لا إله إلا الله، الولي الحميد. لا إله إلا الله الواسع المجيد، لا إله إلا الله المؤمل لكشف كل كرب شديد. لا إله إلا الله المرجو للإحسان والإفضال والمزيد. لا إله إلا الله، لا راحم ولا نافع سواه للعبيد. لا إله إلا الله ولا ملجأ منه إلا إليه، ولا مفر ولا محيد.
     فسبحانه من إله عظيم، لا يماثَل ولا يضاهَى، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب. وأشكره على نعم تفوق العد والحساب. كاشف الغم ومجيب دعوة المضطر، فما سأله سائل فخاب. يبتلي ويمتحن ليُدعَا، فإذا دُعي أجاب. سبحانه منزل الكتاب وهازم الأحزاب ومنشئ السحاب.
      أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل، لا يخَفُّ ميزان توضعان فيه، ولا يرجح ميزان ترفعان عنه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأتقياء البررة، وعلى من سار على طريقهم واقتفى أثرهم إلى يوم المعاد.
    أما بعد: فأوصيكم –عباد الله-ونفسي بتقوى الله عز وجل، التي هي الزاد وبها المعاد، زاد مبلغ، ومعاد منجح، دعا إليها أسمع داع، ووعاها أفقه واع، فأسمع داعيها وفاز واعيها.
     أيها المسلمون: إن نزول الغيث على الأرض لا يكون كما نعلم إلا على حسب مشيئة الله، وعلى حسب حاجة الخلق إليه، قال الله تعالى: "وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزلهُ إلا بقدر معلوم". كما أنه ليس عام أكثر غيثاً من عامٍ، ولكن الله يقسمه كيف يشاء، فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء، وهذا معنى قوله تعالى: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء". فالله جل وتعالى هو الخازن للماء ينزله إذا شاء، ويمسكه إذا شاء، قال سبحانه: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه"،  وقال: "وأنزلنا من السماء ماءً فأسقَيناكُمُوه وما أنتم له بخازنين"، أي ليست خزائنُه عندكم، كما قال في الآية الأخرى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناهُ في الأرض وإنَّا على ذهاب به لقادرون".  
      وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقِمتْ المواشي، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صلاةَ الاستسقاء، والاستسقاء هو طلب السقيا وسؤال الغيث من المغيث جل وعلا، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يغيثها، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده سبحانه وتعالى. قال تعالى: "قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين"، وقال تعالى: "قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً".
    فقد روى أبو داود عن عائشة عن رضي الله عنها، قالت: شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، متواضعاً، متبذلاً، متخشعاً، مترسلاً، متضرعاً فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ من السماء، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ، وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إلَى الْكُنِّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
   وهـا أنتم – عباد الله – قد حضرتم إلى هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم، تشكون جدب دياركم وتبوحون إليه بحاجاتكم، وذلكم الجدبُ وتلكم الحاجة بلاءٌ من ربكم لتقبلوا عليه بالتوبة والإنابة، وتتقربوا بصالح العمل لديه، فاستكينوا لربكم وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار ، قال تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً"، ومن لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. أريقوا ماء الأسف على أدران الذنوب تغسلها، اخلصوا التوبة لله يقبلها، وأصلحوا الأعمال لله يضاعفها، واتبعوا الحسنة السيئة تمحها، ذلكم ـ وربي ـ هو مفتاحُ القطر من السماء، وسببُ دفعِ البلاء، ووعدُ الله لا يُخلَفُ، حيث قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً". وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يُعطوا، أسفرَ ذلك على هبوطِ مستوى الإيمان، وخللٍ في الأعمال، وإصابتهِمِ بموانعِ إجابة الدعاء.
     وعلينا ـ عباد الله ـ أن نتسآل: هل رَويت قلوبنا من هذا الغيث أَم هي ظامئة؟ وأَن ننظر إلى صحائفنا هل هي ربيعٌ بهذا الوحي أم هي مجدبة؟ يجب علينا أن نصلح ما فسد، وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، علينا أن نقوم بأداء الصلاة وإيتاء الزكاة، وإصلاح الأهل والبنين والبنات. فلا قيمة للاستغفار إذا كان مجرَّد لفظ يُرَدَّدُ على اللسان، ولا أثر لصلاة الاستسقاء إذا كانت مُجَرَّدَ عادَةٍ تفعل. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح.
 ألا فاتقوا الله -عباد الله-واعلموا أن الأرض التي تحملكم، والسماء التي تُظلكم، مطيعة لربكم، فلا تمسكان بخلاً عليكم، ولا رجاء ما عندكم، ولا تجودان توجعاً لكم، ولا زلفى لديكم، ولكن أمرتا بمنافعكم فأطاعتا، وأقيمتا على حدود الله مصالحكم فقامتا: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ". فصلت:11
    وإن ذنوبنا ـ يا عباد الله ـ لكثيرة، وإن معاصينا لعظيمة، وإن شؤم المعاصي جسيم وخطير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وهل في الدنيا شر وبلاء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟، الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا ألَمَّتْها، فاحذروا غضب الله عليكم، واعلموا أن ما عند الله لا يُسْتَنْزَل إلا بالتوبة النصوح، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة".  
    وإنكم ـ يا عباد الله ـ لقد شكوتم إلى ربكم جدب دياركم، وتأخر المطر عن إبَّان نزوله عن بلادكم، فما أحرى ذلك أن يدفعكم إلى محاسبة أنفسكم ومراجعة دينكم، فإن الله يقول: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ". الرعد:11. ويقول سبحانه: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ". آل عمران:165. ويقول أيضا: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". الروم:41    
          وما ابتلي المسلمون اليوم بقلة الأمطار، وغور المياه، وانتشار الجدب والقحط، وغلبة الجفاف والمجاعة والفقر في بقاع كثيرة من العالم إلا بسبب الذنوب والمعاصي.  
   فلنتقِ الله ـ عباد الله ـ ونتوب إليه ونستغفره، والإستغفار سبب عظيم في اسْتِنْزال المطر من السماء. يقول تعالى عن نوح عليه السلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً". نوح:10-12. وقال سبحانه عن هود عليه السلام: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ". هود:52. واستسقى عمر رضي الله عنه فلم يزد على الاستغفار، فقيل له في ذلك، قال: "لقد طلبتُ الغيث بمجاديح السماء التي يُسْتَنْزَل بها المطر". 
       نعم الاستغفار -يا عباد الله-هو الدواء الناجع في حصول الغيث النافع، ولا بد في الاستغفار أن يكون صادقاً، فقد قال بعض السلف: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار".
   فلنتقِ الله، ولنعلم أنه ليس طلب الغيث بمجرد القلوب الغافلة والعقول اللاهية، وإنما يتطلب تجديد العهد مع الله، وصدق العمل بشريعة الله، وفتح صفحة جديدة من حياة الاستقامة، وإصلاحاً شاملاً في كل مرافق الحياة، ومع هذا كله، ففضل الله واسع، ورحمتُه وسعت كل شيء، وعفوه عَمَّ كلَّ التائبين، فما ضاق أمرٌ إلا جعل الله منه مخرجاً، ولا عَظُم خطبٌ إلا جعل الله معه فرجاً، فمنه يكون الخوف، وفيه يكون الرجاء. فأحسنوا الظن بربكم، وتوبوا إليه، وتسامحوا وتراحموا، ولا تقنطوا من رحمة الله، ومتى علم الله إخلاصكم وصدقكم وتضرعكم أغاث قلوبكم بالتوبة إليه، وبلدكم بإنزال المطر عليه.
   لا إله إلا الله، سبحانه غياث المستغيثين، وراحم المستضعفين، وجابر كسر المنكسرين، لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله. نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك. سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، أقول قولي هذا، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
      الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين. لا إله إلا الله، مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وغادق الخيرات، سبحانه مِن إله كريم، ورب رحيم، عمّ بفضله وكرمه جميع المخلوقات. لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان مَن يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، إ"ِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". هود:56.
   اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يُرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. لك الحمدُ كلُّ الحمد لا مبدا له ولا منتهىً، والله بالحمد أعلمُ. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
    أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واستغفروه وتوبوا إليه، فالكرامة كرامةُ التقوى، والعزُّ عزّ الطاعة، والوحشةُ وحشة الذنوب، والأنسُ أُنس الإيمان والعمل الصالح، من لم يعتزَّ بطاعة الله لم يزل ذليلاً، ومن لم يستشفِ بكتاب الله لم يزل عليلاً، ومن لم يستغنِ بالله ظلَّ طولَ دهره فقيراً.
   قال الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ".  الشورى: 28. جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله: قوله: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا"، أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين".  الروم: 49.  وقوله: "وينشر رحمته"، أي: يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية.  قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قحط المطر وقنط الناس؟ فقال عمر، رضي الله عنه: مطرتم، ثم قرأ: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته"، "وهو الولي الحميد"، أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله. اهـ.
   روي الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية، وهي تقول: "اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن رزقك، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم"، هذا مخلوق صغير من أصغر مخلوقات الله، هذه نملة تتضرع إلى الله وتشتكي إلى الله، فاستجاب الله دعاءها، فماذا فعلت أنت أيها الإنسان؟، أنت الذي خلقك الله في أحسن تقويم، وسواك فعدلك، وكرمك وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا. فهذا أنت، وأنتم يا عبادَ الله، قد خَرجتُم تستغيثونَ وتستَسقون فأظهِروا الحاجةَ والافتقارَ، واعقِدوا العزم والإصرار على اجتنابِ المآثِم والأوزارِ، وقد رُوَي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، "خرج للاستسقاءِ متذلِّلاً متواضِعًا متخشِّعًا متضرِّعًا"، والله تعالى أمر بالدعاءِ ووعَد بالإجابة وهو غنيٌّ كريم سبحانه القائل: "وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، فاستغفِروا وادعوا، وأبشِروا وأمِّلوا، وارفعوا أكفَّ الضّراعة إلى ربكم..
عباد الله: اعلموا أنه يُسن في مثل هذا الموطن: أن تقلبوا أرديتكم، اقتداءً بفعل نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث .. وادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة.
   نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.
    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
    اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا خرجنا إليك من تحت البيوت والدور، وبعد انقطاع البهائم وجدب المراعي، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، اللهم قد انصاحت جبالنا، واغبرت أرضنا، اللهم فارحم أنين الآنَّة وحنين الحانَّة، اللهم اسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين.. اللهم إنا خرجنا إليك حين اعتركت على إخواننا مواقع القطر، وأغلبتهم مخايل الجوع، فكنت رجاء المبتئس والمجير للملتمس، اللهم انشر علينا وعليهم رحمتك من السحاب، سحاً وابلاً، غدقاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً مجللاً، نافعاً غير ضار.. اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات، وتأنس به الضعيف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك.. اللهم سقيا هنيئة، تروى بها القيعان، وتسيل البطان، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار. اللهم إنا نسألك ألا تردنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد، نستغفرك ونتوب إليك.. وصلوا وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق