04 فبراير 2020


الموضوع: فيروس كورونا.. يُحدِث حالة طوارئ صحية عالمية..  

    الحمد لله المبدأ المعيد، الفعال لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً لا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات ربي وسلامة عليه وآلة وصحبة والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب اللي والنهار.
   أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، التي هي معتصم عند البلايا، وسلوان عند الهم والرزايا
    واعلموا -حفظكم الله ورعاكم أن الإسلام ربط الأسباب بمسبباتها، وناط النتائج بمقدماتها، وليس في الوجود شيء أعزّ من الصحة، ولا أدلّ على ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سأله العباس بن عبد المطلب، قال: "قلت يا رسول الله :علمني شيئا أسأل الله عزّ وجل؟،  قال: سل الله العافية، فمكثت أياما ثم جئت ، فقلت يا رسول الله : علمني شيئا أسأله الله عز وجل ؟، فقال يا عباس، يا عمّ رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة". رواه الترمذي وقال حديث صحيح. فعلى المفتقر إلى الصحة أن يسعى وراءها بكل ما أوتي من قوة وعلم، وعلى المتمتّع بها أن يحتفظ بها كل الإحتفاظ، وأن يباعد بنفسه عن الأمراض المعدية، عملا بقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".  وشرّ المهلكات أمراضٌ تتفشّى، وعدوى تنتشر.

وللأسف.. تتوالى على البشر في هذه الأزمنة المتأخرة، أمراض وأوبئة ـ من حيث لم يكونوا يحتسبون ـ يخشون فتكها، ويحاذرون ضرها. عرف الناس من الأمراض الكوارثية: "السيدا ـ الأيدز"، ثم حمى الوادي المتصدّع التي أصابت الأغنام، ثم جنون البقر، ثم أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير،  ليظهر في هذه الأيام  فيروس كورونا.. الجندي المتوّج والخطر الأكبر الذي يخشاه العالم الآن؟. أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين من الأمراض والأوبئة.
    لقد دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، وأعلنت حالة الطوارئ، فيروسات دقيقة وكائنات عجيبة، وحالات تحوّل وبائي من هذه الفيروسات، حيّر البشر وأقلق الباحثين، هلعٌ ورعبٌ، إغلاقٌ للمدارس، وفحصٌ في المطارات. وتوقّف للرحلات.. والله المستعان..
   وبالمناسبة ومن هذا المنبر أحيي الحكومة الجزائرية التي قامت بما يجب أن تقوم به حيث أجْلَت رعايا تونسيين وليبين وموريتانيين إلى جانب رعاياها الجزائريين من منطقة ووهان التي تعتبر بؤرة فيروس كورونا الجديد، على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الجزائرية . والتي حملت أيضا هبة من الجزائر إلى الصين تحتوي على 500 ألف قناع ثلاثي الطبقات و20.000 نظارة وقائية و300.000 قفاز". باعتبار أن رسالة الرحمة تلزمنا بالانحياز إلى إنسانيتنا قبل كل شيء..
     وللأسف.. يواصل فيروس كورونا الانتشار سريعا، ممّا سبب قلقًا في جميع أنحاء العالم، حيث تحذر البلدان من السفر إلى الصين وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن "العالم بأسره يجب أن يكون في حالة تأهب"، فقد أعلنت المنظمة الآن عن حالة طوارئ صحية عالمية، حيث توفي أكثر من 200 شخص، وهناك حوالي 9800 حالة من فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم. ووفقا لتقرير مجلة " express" انتشر فيروس كورونا إلى أكثر من 9800 شخص على مستوى العالم..
    ووفقًا لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الفيروسات التاجية هي مجموعة من الفيروسات التي تنتج أعراضًا مشابهة لأعراض الأنفلونزا. يمكن أن تتراوح الأعراض بين سيلان الأنف والسعال والتهاب الحلق والحمى، ولكن يمكن أن تتصاعد أيضًا إلى التهاب رئوي، ويحصل كورونا Coronavirus على اسمه من كلمة "corona" التي تعني التاج باللغة اللاتينية.
   وإلى يومنا هذا لم تظهر البحوث العلمية الآلية حول كيفية انتشار عدوى فيروس كورونا الذي يصيب البشر وكيفية انتقاله من شخص إلى آخر، ومع ذلك يعتقد الباحثون أن فيروسات كورونا تنتقل بواسطة السائل (الرذاذ) الذي يخرج عن طريق السعال أو العطاس من خلال الجهاز التنفسي. أو من خلال اللمس أو مصافحة شخص مصاب بالفيروس سبب آخر لنقل العدوى. أوملامسة سطح أو جسم عليه الفيروس ومن بعدها لمس الأنف أو العين أو الفم.
 وعليه ينصح الأطباء لتجنب الإصابة بالعدوى عند انتشار العدوى بشكل سريع، بالبقاء في المنزل والتمتع بالراحة وفي حال ظهور الأعراض لديكم، ينصح بتجنب الاتصال المباشر مع الآخرين. كم تعتبر عملية تغطية الفم والأنف بمنديل بشكل دائم أو أثناء السعال أوالعطس، عملية فعالة ويمكن أن تساعد أيضاَ في منع انتشار فيروس كورونا بشكل كبير.

     ومن المهمّ ـ يا عافاني الله وإياكم ـ  عليكم أن تتجنّبوا ذلكم الجدل الفقهي الذي أثير في العالم العربي، حيث اعتبر بعضهم أنه “عقاب” من الله ضد السلطات الصينية بسبب اضطهادها لأقلية مسلمي الإيغور في إقليم تركستان الشرقية (تشنجيانغ)، وهو ما رفضه البعض الآخر، مشيرين إلى أن الفيروس انتقل إلى الإقليم الصيني المذكور، كما أصاب دولا إسلامية كماليزيا. كما أن هناك الكثير من الأمراض التي تنتشر في البلدان الإسلامية، وهذا لا يعني أنها غضب من الله..
   بل اعلموا أن هذه الأمراض التي يرسلها الله على عباده إنما هي رحمة بعباده ليرجعوا إليه، وليعرفوا أنه المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد وله الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير، كان الفضيل رحمه الله يقول: "إنما جعلت العلل ليؤدب بها العباد، ليس كل من مرض مات". ثمّ إن الله -تعالى- بين أنه سيُري الناسَ آياته في الآفاقِ والأنفسِ حتى يتحقّق لهم اليقينُ بأن رسالة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حق، فقال –تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".  فصلت:53. وقد أخبرنا سبحانه بأنه سيبتلينا، وذلك حتى نهيئ أنفسنا لاستقبال ما قضى به تعالى، ونكون من الراضين بهذا القضاء. قال تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين  الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون  أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". البقرة:155ـ157.
  ولذا فالإسلام يعترف بالأسباب المادية المعتادة للأمراض وفقا لسنن الله الجارية في الخلق، فهو يقرّ العدوى بوصفها سببا من أسباب نقل المرض، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "فرّ من المجذوم  فرارك من الأسد". بل إن من روائع ما جاء به الإسلام وسبق به فكرة العزل والحجر الصحي في حالة انتشار الأمراض المعدية. فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان الطاعون بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه". وقد فهم هذا المعنى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما أراد دخول الشام ومعه كبار الصحابة وقد استشرى الطاعون فيها ومات الآلاف، فأخذ بالأسباب والحذرِ والحيطةِ ورجع ومن معه إلى المدينة، وهذا هو الحَجرُ الصحي بعينه بلغة اليوم.
    بهذا يحاصر الإسلام الوباء والمرض في أضيق نطاق، ويحال بينه وبين الإنتشار، فحتى السليم ـ بمقتضى هذا الحديث ـ لا يجوز له الخروج من البلد الموبوء خشية أن يكون حاملا لمكروب المرض وهو لا يدري..
     فالله.. الله في صحتكم فلا تهملوها، وفي صحة الناس فاحفظوها، وفي نصائح أهل الذكر والمتخصصين فنفذوها. وإذا كان المرض قدرا من الله للمعرّضين للإصابة والعدوى من جرّاء المحيط أو طبيعة العمل أو إهمال شروط الوقاية، فالتداوي قدرٌ مثله. فقد جعل الله لكل شيء سببا، ولكل داء دواء، والله على كل شيء قدير . جاء في الحديث: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل شفاء". رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي: "يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء".
     واسمعوا إلى هذه المحاورة الممتعة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل أبي خزامة، قال: "قلت يا رسول الله، أرأيت رقىً نسترقي بها، ودواءً نتداوى به، وتُقاة ـ وقايةً ـ نتقيها، هل تردّ من قدر الله شيئا؟. قال صلى الله عليه وسلم: "هي من قدر الله". رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم .
  وأخيرا..  لا شك أن أفضل سبل الوقاية من هذا الفيروس إضافة إلى الأسباب المادية: التحصن بذكر الله تبارك وتعالى-, فيحرص الإنسان على أذكار الصباح والمساء، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن قال حينَ يُصْبِحُ وحينَ يُمْسي: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ وجاء عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ: بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ، ثلاثَ مرَّاتٍ، إلا لم يضرَّهُ شيءٌ".   
فالله تعالى هو الحافظ هو الحفيظ: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا)، (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ)، وإذا كان الله -تبارك وتعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا فكيف بك أيها المخلوق الضعيف؟!

 نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يكلأنا برعايته، وأن يدفع عنا وعن المسلمين الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق