19 مارس 2020

الموضوع: فيروس كورونا رسالة من الله..
.
   الحمد لله، نحمده ونستغفره وندعوه دعاء المستغفر التائب أن يحفظنا من كل شرّ حاضر أو غائب، ونصلي ونسلّم على الحبيب المصطفى أهل الفضائل والمواهب، وعلى الصحب والآل ومن تبع عددَ ما في الكون من عجائب وغرائب..
   أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والتزام هداه، فتقوى الله تعالى حصن أمام كل فتنة، وعدة في كل محـنة، فاتقوا الله -عباد الله-، فيما تعـتقدون وما تقولون وتفعلون، "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ".
   أيها المباركون: في قلب أزمة فيروس كورونا تذكرت كلام القائد الشيوعي الملحد [ لينين] حين قال: عقود تمر على الأمة لا يحصل فيها شيء، ثمَّ تمر سنون تحصل فيها عقود، وصدق وهو كذوب
 وكان من الواجب أن يكون المسلمون المتابعون لأخبار فيروس كورونا أكثر الناس اعتبارا وعملاً واستشعاراً للمسؤولية، وأن تغرس في نفوسهم بواعث عمل، ووقود همة، وعزمة إرادة لتغيير ما بأنفسهم.
     فالحياة وأقدارها تتفاوت بصعودها وهبوطها، بمفاجآتها السارة والحزينة، تأتيك الأشياء على غفلة وترحل على غفلة. وهل باستطاعتنا منع الأشياء من الحدوث؟.
     هيا تعالوا معي لنتمعن في هذه اللوحة من الفن التجريدي التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: خَطَّ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعاً، وَخَطَّ خَطاًّ فِي الوَسَطِ خَارِجاً مِنْهُ، وَخَطَّ خِطَطاً صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: "هَذَا الِإنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أو قد أحاط به - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخِطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا". .
   بهذه الخطوط الشريفة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض الرملية، من أجل التعليم والتفهيم والتقريب، اكتملت لوحة من الفن التجريدي، والتي بيَّن فيها صلى الله عليه وسلم بما رسمه، كيف يحال بين الإنسان وآماله الواسعة، بالعلَل والأمراض المقعدة، أو الهرم المفني، أو بالأجل المباغت.. وفي هذا إشارة إلى الحضّ على قصر الأمل، والاستعداد لبغتة الأجل..
   يا عافاني الله وإياكم: ها هو ذا الإنسان الضعيف، تغزوه الأغراض، غزوا فيه إلحاح: عدوى، أو سرطان، أو حريق، أو غرق، أو زلق، أو سقوط، أو لدغة، أو تسمم طعام، أو طلقة طائشة.. وما فيروس كورونا عنا ببعيد..
وهنا أطرح سؤالي: ما الحكمة التي أرادها الله من هذه المحن وتلك المصائب؟.
وللإجابة على هذا تلك السيارة التي صنعت لتسير، لكن فيها مكابح، والمكبح يتناقض مع علة صنعها، هي صنعت لتسير، والمكبح يوقفها، لكنَّ المكبح ضروري جداً لسلامتها.
      وأنت يا ابن آدم خلقك الله لتعمر أرضه وتحقق عبادته..خلقك للسعادة في الدنيا والآخرة، ولكن قد تزل قدمك، وقد تنحرف عن الهدف، وقد تقع في خطأ، وقد تنسى الله، وقد تغفل عنه، وقد تأكل المال الحرام، وقد تعتدي على أعراض الأنام، فتأتي المصيبة كرسالة من الله، وضماناً لهذه السعادة، وما من آية تتوضح فيها المصيبة كرسالة من الله كهذه الآية: "وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ".  سورة القصص: .47 والباء: باء السبب، أي: بسبب ما قدمت أيديهم، لقالوا يوم القيامة: "رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".  سورة القصص : 47.
    فينبغي أن نعلم علم اليقين أن فيروس كورونا هو في حقيقته رسالة من الله مفادها: يا عبدي، عندك خلل، إما في عقيدتك، وإما في معاملاتك، وإما في سلوكك.. فانتبه.
    هذا.. ولنعلم أن غايات البلاء تحتلف وإن توحّدت مظاهره، فالبلاء الواحد قد يكون اختباراً لأفراد وجماعات معينة، ويكون عذاباً لآخرين وتأديباً لهم. قال سبحانه وتعالى: "وَاتّقُوا فِتْنَةً لاَتُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصّةً..." الأنفال/25. فالفتنة التي هي مصداق من مصاديق البلاء لا تختص بصنف من أصناف المجتمع، بل تشمل الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين.
     ولنعلم ـ أيضا ـ أن في فترات المحن والمصائب تختبر المبادئ والشعارات المرفوعة، وتوضع معاني الإيمان والأخوة والتضامن على المحك فيظهر الصادقون من الكاذبين، ويتميز الأوفياء عن المتنكرين البخلاء العاجزين عن فعل الخير، المتأخرين عن القيام بالواجب. فالعاقل في هذه الفترة لا يهمه من أين جاء فيروس كورونا، وهل هو طبيعي أم هو من فعل حرب بيولوجية وراءها أيادٍ بشرية أو سياسات دول بعينها؟ وإنما عينه على سلامة الناس الصحية، وواجبه يتحدّد في توعية الناس بما يجب عليهم القيام به لمواجهة الخطر.
    وحيثما أقام الإنسان في أرض الله الواسعة يجب أن يلتزم بدينه وأخلاقه وبالتعليمات الصحية والإدارية التي يصدرها المعنيون في البلدة التي يعيش فيها، ويعتبر التقيد بهذه التعليمات نوعًا من الالتزام الأخلاقي والديني العام لإن الوقاية خير من العلاج..
.
   ولا شك أن الوطن مع كلّ محنة أو جرح في خاصرته يعود بفضل الله ثم بفضل تظاهر جهود الخيّرين أفضل مما كان، ولا شيء مستحيل أمام هذا إن صدقت النوايا وحسنت ثقتنا في المولى عزّ وجلّ
   فلنبدأ من هنا.. في التغيير والعمل ولنترك لوم الزمان والدهر، فهو فعل الفاشلين العاجزين لا فعل الطموحين الناجحين، وقد قال الشاعر الإسلامي عدنان النحوي – في أبيات له جميلة قائلاً :
ما لي ألوم زماني كلما نزلت  * بي المصائب أو أرميه بالتهم
أو أدعى أبداً أني البريء وما  * حملت في النفس إلا سقطة اللمم
أنا الملوم فعهد الله أحمله  * وليس يحمله غيري من الأمم
فإذا أردنا أن نغير فلنغير من حالنا ومن فساد قلوبنا وأنفسنا يغير الله حالنا، ويرفع ما بنا من مصائب أرقتنا أو بلايا أقلقتنا.
كان الفضيل رحمه الله يقول: "إنما جعلت العلل ليؤدب بها العباد، ليس كل من مرض مات". وكان الحسن البصري رحمه الله، إذا دخل على مريض قد عوفي، قال له: "يا هذا، إن الله قد ذكَّرك فاذكره، وأقالك فاشكره. فهذه الأسقام والبلايا كفاراتٌ للذنوب، ومواعظ للمؤمنين، يرجعون بها عن كل شرَ كانوا عليه.
  هذا ما قلت، وأستغفر الله لي ولكم، وهو الكريم الرحيم.. كاشف كل بلوى، وسامع كل شكوى نسأله أن يرفع بلاء فيروس كورونا وما يصحبه من عسر وضيق عنا وعن كل كاتب و قارئ وناشر هذه الرسالة..  
   وأن يعيننا على أنفسنا حتى نستقيم على أمره.. ويرزقنا سعادة لا تنقطع، ويكفينا شر الغيب ويرزقنا من اليقين ما يهون به علينا مصائب الدنيا..   وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق