الله أكبر (7).. .. الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ولله الحمد. سهَّل للعباد طريق العبادة ويسر. وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر. أحمده سبحانه على نعمه، وأشكره وهو المستحق لأنْ يُحْمدَ ويشكر.
وأشهد أن لا إله الا الله، وحده لا شريك له،
له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمد بن عبد الله، نبي
الله المصطفى ورسوله المجتبى. صلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار،
وما تعاقب الليل والنهار، وعلى صحبه الأخيار وأتباعه الأطهار..
أما بعد أيها المسلمون: فاليوم يوم الفرح
والسعادة والحبور، اليوم يوم الجوائز والمنائح للعابدين، اليوم تاج على رأس الصيام
لا يجمُل ولا يحلَى إلا به. اليوم ضيافة الرحمن وفضله ورحمته. قال تعالى: ﴿قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ﴾ يونس: 58.
وإن من رحمته ـ يا عباد الله ـ أن أبقاكم
حتى صمتم رمضان. وإن من رحمته أن قمتم وقرأتم وصليتم. فمن وفقه الله لرحمته وأخذ
منها بنصيب، فهذا هو الفرح الذي لا يعدله شيء ولو جمعت للمرء الدنيا بحذافيرها.
فهنيئًا لكم هذا اليومُ البهيج، هنيئًا لكم هذا اليومُ المجيد، هنيئًا لكم
يومُ العيد، ويومُ الأفراحِ والمسارّ، والبهجة والأنوار، جعله الله مقرونا
بالقَبول، ودَركِ البغيةِ ونُجح المأمول. فلك الحمد -يا ربي- على إكمال عدّة
الصيامِ، ولك الحمد -يا ربي- على إدراك رمضان حتى التمام، وحضوره حتى الختام،
جعلنا الله ممن أُعتق فيه من النار، وأُنزل منازل الصادقين الأبرار. الله أكبر.. ألله أكبر.. الله أكبر..
أيها المسلمون: لكم أن تفرحوا بطاعة
ربكم وامتثالكم لأمره، "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما
يجمعون". وليكن رائدكم في هذ السلوك البهيج هو النبي ﷺ الذي أرشد أمته إلى طرائق البهجة والسرور، وكان يحرص على أن يكون هو ومن حوله
أشدَّ الناس فرحا بالأعياد، حتى لكأن المسلمين في أيام أعيادهم لا يشغلهم سوى
المفاكهة والحياة السعيدة، والحقُّ أن مبعث ذلك هو التوازن بين الروح والمادة،
والمرح والجِدّ الذي أسسته له قيم الإسلام، وقامت عليه دعائم العمران والاجتماع
الإسلامي!.
إن العيد في الإسلام غبطة في الدين والطاعة، بهجة في الدنيا والحياة، ومظهر
القوة والإخاء، إنه فرحة بإنتصار الإرادة الخيّرة علي الأهواء والشهوات، إن العيد
مناسبة لإطلاق الأيدي الخيرة في مجال الخير، وهي مناسبة لتجديد أواصر الرحم في
الأقرباء، والود من الأصدقاء، تتقارب القلوب علي المحبة، وتتجمع علي الألفة،
وترتفع عن الضغائن. الله أكبر.. ألله أكبر.. الله أكبر..
فيا من صمتم وقمتم، وخشعتم ودعوتم. الصيام
مدرسة ربانية أخذتم فيها دورة تدريبة علي الطاعة والانقياد إليه، تركتم الحلال
الطعام والشراب والشهوة، أفلم تتهيأ نفوسكم لترك الحرام في رمضان وفي غير رمضان؟!.
فاجعلو كل شهوركم رمضان، وكل أيامكم أعيادا بطاعة الرحمن، فلقد كان سلفنا الصالح –
رضي الله عنهم – يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ويخافون من ردّه
وإبطاله، قال فضالة بن عبيد رحمه الله: لأن أعلم، أن الله تقبل مني مثقال حبة من
خردل، أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول: "إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ".
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وبلَّغنا جميعاً جزيل المواهب وخير الآمال.
الله أكبر.. ألله أكبر.. الله أكبر..
أيها المسلمون: لئن كان من حق العيد علينا أن نباهج به ونفرح، وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني ونطرح الهموم، فواجبا علينا من هنا أن نلتفت بحزن وأسى إلى غزة هاشم، التي تحمّلت وتتحمل ذلكم الكمّ الهائل من التضحيات، ودفعت الشهداء من الشيوخ والنساء والأطفال وخيرة الرجال والشباب ثمناً لصمودها ومقاومتها للعدوان السافر على أرضها.. ولذا فحقيقة عيدنا هذا العام مختلف، فيه من الفرح ما فيه، وفيه من الحزن ما فيه. فيه الفرح بإكمال الشهر مستشعرين قول الله تعالى «ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون». البقرة 185. وأسأل الله أن يكون خَتم ربنا لي ولكم شهرنا هذا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل متقبل مبرور.
ففي هذا العيد يتردّد على مسامعنا قول
شاعرنا المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد * بما مضى أم بأمر فيك تجديد
حيث يخاطب المتنبي العيد متسائلا عن الحالة
التي عاد فيها، ويستفهم إن كان هذا العيد قد جاء بأمر جديد مختلف عما مضى وسبق، أم
أنه جاء بالهموم والمتاعب التي اعتاد عليها المتنبي من قبل.
أما الأحبة فالبيداء دونهم
* فليت دونك بيدا دونها بيد
وهنا يتأسف المتنبي على بعد أحبته عنه، نعم
بعد الأحبة وفقدهم محزن ومؤلم، ولكن يا أبا الطيب إن مع البعد قتل واجتياح وتدمير
تقوم به قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وإنها لترخي على عيدنا ظلالا قاتمة
تنزع من قلوب المسلمين الفرح، وتنكأ لديهم جراحا غائرة .فلا شيء حاضر في العيد إلا
صورة الحزن الذي يسكننا، ويسكن حياة الكثير من الأسر الغزاوية في هذا العيد، العيد
الذي انتهى معه الصيام عن الطعام والشراب، دون أن ينتهي الصيام عن فرحة صادرها
الاحتلال من الفلسطينيين في حلهم وترحالهم.. والله المستعان. الله أكبر.. ألله أكبر.. الله أكبر..
أيها المسلمون: وبما أن الفرح والحزن من
الأحوال التي يصاب بها جميع الناس، والمسلم يجمع بين الفرح بما يفرحه من طاعة
الله، أو حصول خير له، ويحزن لما يصيبه أو أمته من أذى وأسى، قال ابن الجوزي في
التذكرة في الوعظ (ص: 31): "طوبى لعبد إذا أحسن إليه ربه حمد وشكر، وإذا أساء
إلى نفسه تاب واستغفر، كلما قضى عليه بمعصية اغتم وحزن، وكلما وفق لطاعة فرح
واستبشر".
ولذا لا بد أن نطُوفَ ببحر التهاني على شاطئ
الأمل، رغم الظروف التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي من شهداء وأسرى وجرحى، قَبْلَ
وطول شهر رمضان المبارك من هجمات مسعورة على غزة والقدس الشريف والمدن الفلسطينية،
وإنه الوفاءُ لأولئك الأبطال الذين ضحّوا بأرواحهم أو بصحتهم أو بحريتهم من أجل
فلسطين، ومن أجل شعب فلسطين، بل ودفاعا عن كرامة الأمة، ودفاعا عن ماضيها وحاضرها
ومستقبلها الواعد.. ورغم الجراح والآلام نفرح، وهذا الفرح مقدّمة للفرح الأكبر
بتحرير فلسطين والأقصى وعودة الشعب الفلسطيني لوطنه. وعُمر الأمة أطول من أعمار كل
المحن والظالمين، وأنتم تعرفون أن مَن حوصروا في الخندق هم من فتحوا مكة..
لئن عرف التاريخ أوسا وخزرجا * فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ
وإن كنوز الغيب لتخفي طلائعا * صابرة رغم المكائد تخرج
وعليه فإننا نتضرع إلى الله العلي القدير أن
يعيد هذه المناسبة علينا وعلى أبناء شعب فلسطين وقد تحققت أمانينا وأمانيه في
الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. هذا أملنا، وإن
يكن عزيزا فما هو على الله بعزيز. الله أكبر.. ألله أكبر.. الله أكبر..
بارك الله لهم وللمسلمين أجمعين في عيدهم،
ومكَّن لهم دينهم الذي ارتضَى لهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو
الغفور الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق