الموضوع: انطلاق حملات التشجير.
الحمد لله الذي أنعم علينا بالأشجار، وجعل لنا منها القوت والإعتبار، فقال سبحانه من كريم غفار، وهو يبين شجرة النار، (أَفَرَأيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * آنتُمُ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ). وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، إله الاولين والآخرين، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى اله الطيبين، وصحابته اجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وبادروا إلى الأعمال
الصالحة، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). فصلت: 8، قال الإمام السعدي -رحمه الله-:
"لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا نافد، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على
الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات".
أيها المسلمون: وإن من الأعمال الصالحة عمل يغفل عنه كثير
من الناس، وهو غرس الأشجار، فقد حثّ الإسلام عليه ورغَّب فيه، قال النبي -صلى الله
عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا،
فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ
صَدَقَةٌ". أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم: "إِلَّا كَانَ
لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
ففي هذا الحديث النبوي الكريم يبين النبي ﷺ للأمة،
ويرشدهم إلى أن ثواب التشجير موصول ما دام الزرع مأكولا منه، حتى ولو انتقل إلى
ملك غيره، ولو مات الغارس، أو الزارع. قال النّوويُّ في شرح مسلم: في هذا الحديث
فَضِيلةُ الغَرْسِ وفضِيلةُ الزَّرْعِ وأنّ أجْرَ فَاعِلِي ذلكَ مُستَمِرٌّ ما
دامَ الغَرْسُ والزّرْعُ وما توَلّدَ منهُ إلى يومِ القيامةِ"..
هذا وإن مختلف مناطق الجزائر _المحروسة بإذن الله_ تشهد
في هذه الأيام انطلاق حملات تشجير واسعة، والتي من المنتظر أن تساهم في عودة الحلة
الخضراء للعديد من المناطق، وتوسيع في المساحات الخضراء لأنها هي الرئة التي يتنفس
بها المواطن.. ابتغاء الأجر والثواب الأخرة، وناهيك عن الأهمية الحيوية للغطاء
النباتي في التنمية الاجتماعية والاقتصاد المحلي..
أيها المسلمون: وحرصا منا على استمرار حملات التشجير بعيدا عن المناسباتية في اطار ثقافة بيئية مستدامة، أو ما يمكن أن نسميه بالتربية البيئية للمحافظة على المحيط، وإرساء قيم العمل الإيجابي.. نَذكُر ونُذكّر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل". رواه أحمد واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد. هاتوا كلّ ما كتب فلاسفة البشر وعباقرتهم عن الإيجابية في حياة الإنسان، فلن تجدوا مثل هذه الدعوة العريضة التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم عامة المسلمين في مثل هذا الوقت الحرج من حياتهم؟!.
إن العجب ليأخذ بقلبي وأنا أتأمل أننا حين نغرس الشجرة
في الأرض إنما نغرسها لنأكل من ثمرها أو نستطل بظلها أو ننتفع بها في حياتنا في
يوم من الأيام، فما ينفع هذا الغرس الآن والدنيا قد آذنت بالرحيل؟.
إننا إذا تصوّرنا هذه اللحظات بدقة أدركنا حجم الخبر في حياة الإنسان، وهول المفاجأة، وصاعقة اللحظة بزوال الدنيا واستقبال الآخرة، ومع ذلك يؤكّد النبي صلى الله عليه وسلم على قضية الإيجابية في حياة الإنسان، فكأنه يقول: لا يروعك خبر القيامة، ولا يؤثّر على عملك، وتَقدّمْ لغرس الفسيلة. ليس هناك حثٌّ وترغيب وتشجيع على الغرس والتشجير، أقوى من هذا الحديث؛ لأنه يدل على الطبيعة المنتجة والخيرة للإنسان المسلم، فهو بفطرته عامل معطاء للحياة.
ومن هنا ينبغي للمؤمن أن تكون له همة عالية، ونية طيبة في كل أعماله؛ زراعة، غراسة، سقي ماء، أو أي شيء ينفع الناس، وتكون له فيه نية صالحة، يرجو فيها ثواب الله.. قال داودُ بنُ أبي داودَ: قال لي عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ –رضي اللهُ عنه-: "إنْ سمعتَ بالدجالِ قد خرجَ وأنت على وَدِيَّةٍ (وهي النخلة الصغيرة) تغرسُها؛ فلا تعجلْ أنْ تصلحَه، فإن للناسِ بعد ذلك عيشًا"؛ رواه البخاريُّ في "الأدبِ المُفْردِ. وأخذَ معاويةُ بنُ أبي سفيانَ –رضي اللهُ عنهما- في إحياءِ أرضٍ وغَرْسِ نخلٍ في آخرِ عمرِه، فقيل له فيه، فقال: ما غرستُه طمعًا في إدراكِه، بل حملني عليه قولُ الأسديِّ:
ليس الفتى بفتى لا يُستضاءُ به = ولا يكونُ له في الأرضِ
آثارُ
نسأل الله المتعالي أن ييسر الخير لمن يريد الخير
لبلدنا، وأن تشمل ألطافه الإلهيّة حالَنا، كما كان الأمر حتّى يومنا هذا -بحمد
الله- وينفعني وإياكم بما
قلت، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو
الغفور الرحيم .