29 يناير 2012


الموضوع: الإنتخاب، والدّعاء لوليّ الأمر
الخطبة الأولى 
        الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. والحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأبان لهم آياته ليعرفوه، وسهل لهم طريق الوصول ليصلوا إليه. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبيّنا وإمامنا وقدوتنا، محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيرا. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.
       أما بعد، فيا أيها الناس: اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، واعلمواـ رحمكم الله ـ أن الذكر أحبّ الكلام إلى الله، ففي الحديث الذي يرويه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟.  إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده". رواه مسلم. فذكرُ الله يحيي القلوب وينورها، ويزكي النفوس ويسعدها. فأكثروا من ذكر الله ومن دعائه والتضرع إليه، والدعاء هو العبادة، ولا يرد القضاء إلا الدعاء.
     أيها المسلمون: اسألوا الله حوائجكم كلها، صغيرها وكبيرها، عاجلها وآجلها، وانتظروا الفرج من الله. قال تعالى: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية". وقال سبحانه: "ادعوني استجب لكم".  ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن المؤمن يؤجر إذا دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب، قال تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون  ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان". وعن أبي الدرداء ـ عويمر بن زيد ـ رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو لأخيه المسلم بظهر الغيب، إلا قال الملك: آمين ولك بمثل". رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به،  آمين، ولك بمثل". رواه مسلم.  ولقد أُثر عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يدعو لسبعين من أصحابه يسمّيهم بأسمائهم. وفي هذا العمل علامة على سلامة الصدر .
 وإذا كان هذا مما يؤجر عليه، وهو الدعاء للأخ المسلم بظهر الغيب، فلا شك ـ أيها المسلمون ـ أن الدعاء لمن ولاه الله أمر المسلمين أكثر ثوابا وأعظم أجرا، بل هو من النصيحة الواجبة على كل مسلم، كما جاء في الحديث الذي يرويه تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن؟. قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم .
 فينبغي للعبد المؤمن أن يتقرب إلى الله بالدعاء لهم في كل وقت، لأن صلاحهم صلاح للأمة، وفسادهم فساد للأمة.
     ولهذا ارتأيت ـ في خطبتي اليوم ـ أن أنبه لما يقع فيه بعض العوام، ومن لا علم لهم من الوقيعة والطعن على الحكام والمسؤولين، ويجعلون من ذلك مادة يقضون بها أوقاتهم، وهم بذلك يقعون في الإثم. وفرقٌ بين النصح الرشيد والتهجم والطعن والسبّ. لأن النصيحة لولاة الأمور ضرورة، أما الطعن والشتم ففيه خطر التمزق وضياع الحقوق، وهذا مما يفرح أعداء الإسلام ويثلج صدورهم.
   اعلموا رحمكم الله: إنّ صلاح الحكام والمسؤولين صلاح لشعوبهم، فعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبّوا الأئمة، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم لكم صلاح". رواه الطبراني في الأوسط. ففي هذا الحديث تأكيد لما ينبغي أن يكون عليه المسلم، أن ينصح وأن يدعو الله بالصلاح من ولاه الله أمور المسلمين.  لذا كان الإمام أحمد رحمه الله ـ إمام أهل السنة والجماعة ـ يقول: "لو كانت لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان "، وهذا من فقهه وسعة علمه رحمه الله، فصلاح السلطان صلاح للبلاد والعباد، وظهور الخيرات والبركات، وعلوّ أهل الصلاح، وقمع أهل الفساد والفتنة.  بل إن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن اجتماع الكلمة، وسبب في تأليف القلوب، وشفقة الحاكم على رعيته. فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمتكم من تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ . قال: لا، أما أقاموا فيكم الصلاة ". رواه الإمام أحمد، وأخرجه مسلم بألفاظ مختلفة.
فعلينا ـ عباد الله ـ أن نتقي الله فيما نأتي وما نذر، ولنسأل الله أن يجعل ولايتنا فيمن خافه واتقاه، واتبع أمره ورضاه.
  أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .

الخطبة الثانية 
    الحمد لله، بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضلّ الضالون، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، أحمده وأشكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
   أما بعد، فيا عباد الله: لقد جاء دين الإسلام إكراما للبشرية ورحمة بها، جاء ليرتّب وينظم أمور الناس مادية وروحية، ويقيمها على أسس إصلاحية وقواعد ثابتة. جاء ليبين للناس أسباب العطب فيتجنبوها، وأسباب النجاة فيسلكوها.
ألا وإن مما أوضحه الإسلام وأبانه، علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بنبيه صلى الله عليه وسلم، وعلاقته بأميره ورئيسه. يقول سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". والمراد بأولي الأمر، كل من له ولاية شرعية، سواء كان الإمام العام، أو الإمام الشرعي، أو أمير بعثة، أو رئيس عمل.
     عباد الله: ألا وإن الله جلّت قدرته قد أوجب لولاة الأمور بهذه الآية وما في معناها، حقا عظيما، بالقيام به تسعد الأمة، ويستتبّ لها الأمن، ويسود السلام، أوجبه من هو عالمٌ بأسرار الكون وطبائع البشر، التي لا تصلح ولن تصلح بدون أمير أو رئيس، أوجبه حفاظا على الحياة الإجتماعية، ورعاية لها من فوضى الجاهلين وطيش المفسدين، لابدّ من وليّ أمرٍ، ولابد من طاعته، وإلا فسد الناس .
 قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة، إلا أمّروا عليهم أحدهم". رواه الإمام أحمد في المسند . وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم". رواه أبو داود. فأوجب صلى الله عليه وسلم التأمير في السفر، مع أنه اجتماع عارض غير مستقر، فكيف بالإجتماع الدائم المستقر.
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في السياسية الشرعية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بدّ عند الإجتماع من رأس". وساق رحمه الله الحديثين السابقين إلى أن قال: "ويقال: ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك". ا.هـ.
تُهدى الأمورُ بأهل الرأي ما صلحت    فإن تولّت فبالأشــــــــرار تنقاد
لا يصلح القوم فوضى لا سَـــرَاة لهم ولا سَراة لهم إذا جهالهم سادوا
   فيا عباد الله: قلت ما سمعتم، فلا يثبطنّكم أصحاب المصالح، والمرجفون الذين يوهنون قوى الأمة، ويفتّون في عضدها، أولئك لا يريدون إلا الفتنة وتفرق الشمل، قوموا مثنى وفرادى، واختاروا من ترونه كفؤا ليتولى أمركم، وأزيلوا عوامل الفرقة والتنافر، وكونوا عباد الله إخوانا.
   اللهم وفقنا لاختيار الرجل الصالح الذي يعيننا على ديننا ودنيانا، وألف بيننا وأصلح شأننا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك. اللهم احفظ بلادنا وأمننا وعقيدتنا من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. وانصرنا ـ اللهم ـ على أنفسنا حتى نستقيم على أمرك، وانصرنا على أعدائنا حتى نسعد بظهور دينك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الموضوع: أسطول الحرية
الخطبة الأولى
    الحمد لله مقدّر الأيام والشهور، ومصرّف الأعوام والدّهور، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه التي تزاد بالشكر فلا تبور، وأستمنحه جلّ في عليائه التوفيق في كلّ الأمور، فهو سبحانه المؤمّل لكشف كل كرب، وجبر كل مكسور. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الغفور الشكور. "خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور". وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله، بعثه بالهدى والنور، فأشرقت شمس الحقّ في كل الرّبوع والدّور، وزكت النفوس العليلة فغدت في سعادة وسرور، ورضوان وحبور.
   صلّى الله عليه وعلى آله، ليوث الوغى والثغور، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور، وسلم تسليما كثيرا.
     أما بعد؛ فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالتقوى سبيل المؤمنين، وهي النجاة في الدنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين. قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون".
    أيها المسلمون: أصبحنا في زمن لا يدري الواحد منّا، أيّ الأحداث يتابع؟. وأيّ المآسي ينازع؟. تعددت الجراحات التي تُفتّت كبد الحجر قبل بني الإنسان!.
  ولا يجد المؤمن الصادق بُدًّا من متابعتها، وإلقاء السمع إلى أحداثها، ليرجع البصر والفؤاد خاسئا كسيرا وهو حسير.
  أستأذنكم ـ عباد الله ـ في هذه الدقائق، وأتحدث إليكم، لكي لا يظنّ ظانّ، أننا وبسبب الحديث عن مشاغلنا وهمومنا، نسينا حقّ الأخوّة بيننا، وتجاهلنا أننا أمة واحدة وجسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
    أتحدث إليكم، لكي لا يظنّ ظانّ، أننا وبسبب أفراحنا ومتابعة أخبار فريقنا في كأس العالم، أننا افتقدنا وهجرنا أخلاقنا التي تأبى الظلم، وتأنف من الذل والهوان!.
     إننا أمة نقول للموت ـ إن قَدِم ـ في سبيل العزّ والحقّ، أهلا ومرحبا، فما هي إلا نفس واحدة، وليس ثمّة إلا موتة واحدة، فإما أن نحيا شرفاء، أو نموت شهداء.
    أتحدّث إليكم عن مأساة أسطول الحرية، وعن الحال الذي وصل إليه قطاع "غــزّة"، جرّاء ظلم العدوّ، وصمت الصديق. لعلّ قلبا يدّكر، ولعلّ نفسا تنزجر. فلقد:
كانت فلسـطين موّالاً لأمتنا     ما بالها لم تعد للناس مّوالا ؟
تعددت يا بني قومي مصائـبنا     فأقفلت بابنا المفتوح إقفالا
كنّا نعالج جرحا واحدا فغدت    جراحنا اليوم أشكالا وألوانا
      أيها المسلمون: مع تعدّد المصائب وكثرة الفواجع، تبقى "فلسطين" قضيتنا ومصيبتنا الأساس، التي لا ينبغي تجاهلها ونسيانها. "فلسطين"، تلك البلدة التي سالت من أجلها العيون، ورخصت في سبيلها المنون.
 "فلسطين" أولى القبلتين، وثالث المسجدين، ومسرى نبينا الأمين، صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
 "فلسطين" من أجلها شدّ الرّجال عزائم الأبطال، وأحيوا في نفوسهم الحماسة والنضال، اثنان وثلاثون بطلا من أبطال الجزائر، من بينهم عشر "برلمانيين"، ونساء وأطفال، رافقوا أسطول الحرية، والذي يتكوّن من ستّة سفن، من بينها سفينة شحن بتمويل جزائري. ذهب هؤلاء الأبطال، لفكّ الحصار عن شعب أعزل، يعاني البؤس والحرمان.  وكم من الجزائريين تمنّى ـ وفي تلك اللحظات الخاشعةـ أن يكون من أولئك الأسرى أو الشهداء!. قال الدكتور أحمد يوسف مستشار إسماعيل هَنيّه: "إن الجزائريين المشاركين في أسطول الحرية، علّمونا درسا في الحرية، عندما غامروا بحياتهم رفقة أحرار العالم، وتحدّوا الجبروت الصهيوني".
     عباد الله: شعب "فلسطين" منذ أكثر من سبعين عاما يعيش تحت وطأة الإحتلال، مساكنهم الملاجئ والمخيمات، والملايين منهم يعيشون في التشريد والشتات. شعب "فلسطين" حياته كلها خوف وتعذيب، واعتقال وتهديد، ومع الحصار الإقتصادي المفروض عليهم، نفذت المخازن، وأغلقت المعابر، لتسدّ عنهم أبواب الرزق ووسائل الحياة، تجويع وبطالة، واستخفاف وإهانة. والمحتلّ يلاحق من يشاء، ويتّهم من يشاء، ويقتل من يشاء، وينفي من يشاء، ثمّ يزعم أنه يريد السلام!!
قد حصحص الحقّ لا سلم ولا كلم مع اليـهود وقد أبدت عواديـــــــها
قد حصحص الحقّ لا قول ولا كلم  ولا مواثيق صدق عند داعـــــــيها
أين الســلام الذي نادت محافلــــــك أين الشعارات؟ يامن بات يطــــريها
تآمرٌ ليس تخـــــــفانا غوائـــــــــــــــــــــــــــــــله       وفتــــــــــــــــــــــنة تتوارى من أفاعــــــــــــــــــيها
    أيها المسلمون: على حين غرّة، انكشفت عورة الأمم المتحدة والدول الغربية، وبانت سوأتها، عندما ادّعت حقوق الإنسان. وها هي ذا تتفرّج على العدوان الإسرائيلي الغاشم على أسطول الحرية، الذي كان يحمل أكثر من عشر آلاف طنّ من المساعدات، يصحبه أكثر من (750)متضامنا من أكثر من(40) دولة، يحملون مساعدات غذائية وطبّية لسكان القطاع المحاصرين منذ أكثر من ربع سنوات. انتظرهم أهل "غـزّة"، لكنهم لم يصلوا!. لأن إسرائيل اقتحمت جميع السفن، ونفّذت جريمتها بامتياز في عرض المياه الدولية، وبقية القصّة تعرفونها.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أُثمّن وأُحيّي الموقف التركي، الذي كان يرعى الأسطول، وأشدّ على أيدي كلّ أحرار العالم، الذين يواصلون جهدهم لكسر الحصار عن غزّة، وأترحم على أرواح الشهداء.
   أيها المسلمون: إنكم تنعمون وتمرحون بين أهليكم وأولادكم، فتذكروا بكاء اليتامى وصراخ الثكالى، وأنين الأرامل والأيامى.  تذكروا أنّنا جسد واحد، وإن فرّقتنا الحدود، وحالت بيننا وبينهم السدود.  واعلموا أن الحصار مهما طال أو قصر سينقشع عن غزّة، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، هل سيخلدنا التاريخ، وتذكرنا الأجيال القادة مع الشرفاء أم مع غيرهم؟.
أيها المسلمون: إننا مهما كنا ضعفاء، فإنا نستطيع أن نقدم شيئا على الأقل. وهو أن نتحدّث بهذه القضية في كل مجلس وبكل لسان. وأن نُعرِّف بها لنجلوَ الغشاوة، ونحرّك القلوب، وندفع الآخرين للعمل،  ومع ضعفنا، نستطيع أن ندعو لهم بالنصر والتمكين، وعلى أعدائهم بالهزيمة والخسران المبين.
 عليكم ـ عباد الله ـ أن تشدّوا أزرهم، وتمدّوا يد العون لهم، واعلموا أنّ الله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
نفعني الله وإياكم بما قلت، وأستغفر الله....

الخطبة الثانية
    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النّبيّ المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتدى.
     أما بعد؛  عباد الله: إن الذي ينظر إلى قضية فلسطين بمنظار القرآن، لن ينخدع أبدا، فالمولى سبحانه يقول في كتابه:" أوَ كلّما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم، بل أكثرهم لا يومنون". ويقول أيضا:" وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين".
    أيها المسلمون: إن من يتعامل مع قضاياهم ـ اليهودـ بهدي القرآن لن يضل أبدا، لأن الله يقول:" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين". ويقول سبحانه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
  أيها المسلمون: إنّ ما يجري في فلسطين، لهو امتحان شديد لأمة الإسلام، لأنّ القدس والمسجد الأقصى والبقاع الطاهرة هناك، ليسوا لأهل فلسطين فقط، ولا للعرب فقط، بل لكلّ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله. فلا يملك أحد أن يتنازل عن شبر من أرضها لليهود الغاصبين، فهي أرض المسلمين أجمع، تفدى بالأرواح والمُهَج. ألا وإنّ من سنن الله، أنّ العاقبة للمتقين، وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون.
 فيا أهلنا في الأرض المباركة، اصبروا وصابروا ورابطوا. فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، ولا تيأسوا من روح الله، فإن النصر قادم ، ألا إن نصر الله قريب.
  اللهم انصر دينك واجعلنا من أنصاره يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الوهم والوهن، وحبّ الدنيا وكراهية الموت. اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وقوّ عزائمهم، ووحّد صفّهم، واجمع على الحق كلمتهم يا رب العالمين. اللهم واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين....

الموضوع: التضامن مع أهل غزّة 
الخطبة الأولى
      الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، كتب العزة لمن أطاعه، وقضى بالذلة والهوان على من عصاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا سبيله واهتدوا بهداه.
     أما بعد، فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها دليل الحيران، وريّ الضمآن، وأنيس الولهان، وخاصة ونحن في زمن لا يدري الواحد منا أيّ الأحداث يتابع، وأيّ المآسي ينازع، تعددت الجراح التي تفتّت كبد الحجر قبل بني الإنسان، ولا يجد المؤمن الصادق بدّا من متابعتها، وإلقاء السمع إلى أحداثها، ولكن إن هي لحظة، حتى يرجع البصر والفؤاد خاسئين كسيرين، وهما حسيرين .
كانت فلسطـين موّالا لأمتـــــنا      ما بالها لم تعد للـناس مـــــــوّالا؟
تعددت يا بني قومي مصائبــــنا    فأقفلت بابنا المفـتوح إقفــــالا
كنا نعالج جرحا واحدا فغدت    جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا   
  أيها المسلمون: مع تعدد المصائب، وتنوع الفواجع، تبقى فلسطين قضيتنا ومصيبتنا الأساس، التي لا ينبغي تجاهلها ونسيانها، فلسطين تلك البلدة التي سالت من أجلها العيون، ورخصت في سبيلها المنون، فلسطين أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى نبينا الأمين، صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين .  
إنّ عيوننا وقلوبنا مشدودة إلى هناك.. إلى غزّة، وإلى ما يعانيه أهلها، من ضرب الطائرات، وأزيز المدافع. مئات البيوت هدّمت، عشرات المساجد دمّرت، آلاف الأنفس أزهقت، كم من نساء أيّمت، وكم من أطفال يتّمت، وكم من مقابر جماعية أقيمت. فصبر جميل والله المستعان .
 إنّ إخوانكم هناك، يصارعون عدوّهم وبطونهم خاوية، وأسواقهم مغلقة، ومنافذهم محاصرة، افتقد أطفالهم الحليب، ونفذ عن جرحاهم علاج الطبيب، والعالم ينظر ولا يجيب، إنها لمأساة أليمة، وإن الخطب لجسيم!.
   أيها المسلمون: وإنني أقف لأسجل وقفة إعزاز وإكبار، إلى أولئك الجزائريين على ما قاموا به من تضامن وتآزر، وإنها لوقفة تعرف، وتضامن يشرف، أولئك الذين تبرعوا بدمهم لإخوانهم، فبارك الله في صحتهم وأبدانهم، وها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا جزءا من أموالكم دعما لإخوانكم، وهو نوع من الجهاد، عندما تعجزون عن الجهاد بالذوات والأرواح، وهذا الذي ينبغي على المسلمين عامة أن يقفوا مع إخوانهم المستضعفين، ويكونون لهم عضدا ونصيرا .
       فبرهنوا– يا عباد الله- على إيمانكم، وتضامنوا مع إخوانكم، وأخرجوا زكاة مالكم طيبة بها أنفسكم، فإن الله يقول: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم". التوبة:60.
 نقل القاضي ابن العربي في "أحكام القرآن" عند تفسير قوله تعالى: "وفي سبيل الله"،  قال: "سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل الله هاهنا الغزو".
فاتقوا الله –أيها الأغنياء – وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
 وفقني الله وإياكم إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين.

 الخطبة الثانية
   الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
      أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله ربكم، وتمسكوا بدينكم، واعملوا بهدي نبيكم، واقتدوا بأسلافكم الصالحين، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا". متفق عليه . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه البخاري.
       هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم انصر دينك, واجعلنا من أنصاره  يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين، اللهم إ ن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، وأنت الله، لا إله إلا أنت، أنت القوي العزيز، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وأمدهم بقوة من عندك، وجند من جندك، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وقوّ عزمهم، ووحّد صفهم، واجمع على الحق كلمتهم، اللهم واجعلهم في كفالتك يا أرحم الرحمين. اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستقيم على أمرك، وانصرنا على أعدائنا حتى نسعد بظهور دينك، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الموضوع: صبراً ياآل غزّة!
الخطبة الأولى 
      الحمد لله رب العالمين، لا يحمد على مكروه سواه، سبحانه امتحن عباده بالشدائد ومصائب الحياة، حتى يعلم المجاهدين منهم والصابرين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور". (الملك:2). وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلفه وحبيبه، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
      أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، اتقوه في السراء والضراء، وفي الخلوات والجلوات. "اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون".
       أيها المسلمون: روى أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟. قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
     أيها المسلمون: هذا رسول الله يحذرنا أشد التحذير، ويبين لنا خطر ما يخشاه علينا. أن نكون يوما كثرة عددية لا قيمة لها ولا قوام، وإن ما يعيشه العالم الإسلامي اليوم من مأساة إنسانية، ليست هي الأولى في حياة المسلمين، ولن تكون الأخيرة، فالمسلمون مستهدفون في كل زمان ومكان، والإسلام سيضل مستهدفا من أعدائه طالما ضل المسلمون متفرقين ومتخاذلين.
     نعم. إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، على ما يحدث هذه الأيام من غزو مسلح على إخواننا في فلسطين، وخاصة في غزة، من تدمير لبلادهم، وسفك لدمائهم، وقبل ذلك وبعده، ما يحدث من حرب لدينهم وعقيدتهم. إن هذا لأمر تتصدع من هوله القلوب، وتنفطر منه الأفئدة الحية، وسط تخاذل مؤسف من أمة قوامها مليار، بل يزيدون.
   ها هي إسرائيل ترتكب جرائمها في وضح النهار، وتحت سمع العالم وبصره، لا تقيم وزنا لكل الشرائع والمواثيق والأعراف الدولية. حشدت قواها، وجمعت آلياتها، لم تراع شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا، حوّلت ليل غزة إلى نهار بفعل القصف والنيران. حتى أن أشهر الإعلاميات بالقنوات الإسرائيلية بَكَين على غزة من هول ما شاهدن، ومنهن "يونيت ليفي"، مقدمة نشرة الثامنة في القناة الثانية الإسرائيلية. (انظر جريدة الشروق ع:2508سنة :2009 ).
وإذا العدوّ بكى لخطب عدوّه   فاعلم بأنّ الخطب لا يطاق
 محنة مفجعة، وكارثة مروعة، تتعالى في جنباتها صرخات المستضعفين وصيحات المستنجدين التي لا تجد من يجيبها سوى دوي الإنفجارات وتتابع الصواريخ والطلقات.
     ماذا أقول أيها المسلمون؟. و قد رأيتم بأمّ أعينكم منذ أعوام مضت، أن الشياطين قد عادوا إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ليلعبوا فيه من جديد دور الإفساد الذي ورثوه عن أسلافهم وآبائهم، ها هم قد تكتلوا وتجمعوا من هنا وهناك على سلبه واغتصابه من أهله و تثيبيت أقدامهم فيه .
    نفسي تذوب أسى و القلب يجرحه    مما عدا ببلاد الشام أرزاء
  فأين مسرى رسول الله وقد وطئت  به اليهود. فهل للحق أبناء؟
      ماذا أقول؟. وقد عاد سفّاحوا "صبرا وشاتيلا" إلى غزة متحدّين بذلك عزّة الإسلام،  ومهينين لأكثر من مليار ممن يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تقرحت أكباد الصالحين كمدا مما يجري هناك، مناظر مفزعة متتوالية، وعربدة صهيونية غادرة، قتلٌ بطريقة وحشية، مسلسلاتٌ من الرّعب.
   آلمنا ذلك وأحزننا، وكذلك الخيرين من هذه الأمة!. وكيف ونحن كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه البخاري.
إن فلسطين عضو من أعزّ الأعضاء من هذا الجسد، زعزعته النكباء، وإن ما حلّ بغزة نذير من النذر، وصيحة من صيحات الحق، فهل فينا من مدّكر؟.
     أيها المسلمون: إن ما جرى ويجري في غزة ليس جديدا، فهل ننسى أو نتناسى مذبحة "دير ياسين" عام 1944 م، ومجزرة "كفر قاسم" عام 1956م، ومجزرة "تل الزعتر" عام 1976م، ومجزرة "صبرا وشاتيلا" عام 1982م، وهل ننسى إحراق المسجد الأقصى عام 1969م .
  إنّ ما يحصل هذه الأيام من مجازر بشعة، ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة من المجاز والمذابح، والوحشية اليهودية. ولكن دائما وأبدا: الشعب الفلسطيني يضرب أروع الأمثلة في حب الموت واسترخاص الدنيا، والإستعلاء على خور النفس، وتحطيم رهبة العدو في النفوس. نعم إن هناك عِزّة في غزة . وكأن شهيدهم يقول:
  كرامة الأمة العصماء قد ذبحت     وغيّبت تحت أطبـاق من الطين
لكنها سوف تحيا من جماجمنا     وسوف نسقي ثراها بالشرايين
     أيها المسلمون: إن المراسلين الصحفيين يصفون ما يجري هناك، من طائرات تصب جامّ غضبها على الرّضيع والشيخ والمرأة والعجوز، والمدفعية تمطر حِمَمها فوق رؤوس العزل. شهيدٌ تلو شهيد. والسؤال إلى متى؟.
 مناظر حفرت معالمها في ثنايا التاريخ، بل في قلب كل مسلم، ملامح سطّرتها أشلاء الرجال بألوان الدم القاني وجماجم الشهداء. قال الشاعر صالح علي العمري
  و في المحيا سـؤال حــــــائر قلـق   أين الفداء و أين الحب في الديـــن؟
   أين الرجـولة و الأحـداث دامية     أين الفتـوح على أيـدي الميـاميــن؟
ألا نفـــــوس إلى العليـــاء نافــرة         تــواقـة لجنـــان الحـــور و العيـــن
   يـا غيرتي أيـن أنت؟ أين معذرتي؟ ما بال صوت المآسي ليس يشجيني
أين اختفت عزّة الإسلام من خلدي  مـا بالها لم تعـد تغـذ شراييـني؟
   أيها المسمون: وإن كنا نحن الجزائريين قد تنوقلت عنا مقولة: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة". (الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله). فإنّي بلسانكم ولسان الجزائريين كلهم من الأجنة في بطون الأمهات، إلى الذين هم في الأجداث، أرفع الشكوى إلى الله، وأقول: اللهم إنّ هؤلاء الصهاينة أهلكوا الحرث والنسل، وأفسدوا في الأرض أيما إفساد، اللهم فشلّ أركانهم، ودمر كيانهم، واجعل الدائرة عليهم.
  وأقول لإخواني هناك: صبرا يا آل غزة، أبشروا وأمّلوا ما يسركم. فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر :يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال: فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".
  أيها المسلمون: إن هذا الحديث لإشارة وبشارة من نبي صادق عظيم، تأتي في هذه الفترة العصيبة التي تكاد تأخذ بالخناق، والتي يشعر فيها كل مسلم بالأسى والحزن لما يصيب حوله من إخوان له في العقيدة من تقتيل جماعي.
أقول: في هذه الآونة تأتي بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن الدنيا لا يمكن أن تزول حتى تقع المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود، والتي ينتصر فيها جند الرحمن على جند الشيطان، وتكون الغلبة لعباد الله المؤمنين، تصديقا لقول الحق تبارك وتعالى: "وإن جندنا لهم الغالبون". الصافات:173. وقوله تعالى: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين". الروم:47.
     فيا أيتها الأمة المسلمة: خذي دروسا من أخطائك الماضية، وتجنبيها في مستقبلك، وانتهجي نهج السلف في عزتهم وإبائهم وتضحيتهم وجمع كلمتهم وتوحيد منهجهم.
فهذه الجزائر التي بدّد الإستعمار شملها، واضطهد أهلها، ودك أركانها، لمّا فطنت أن القضاء عليها إنما كان لتخاذل أفرادها، وتهاونها بتعاليم دينها. أخذت توثق عرى وحدتها، وتنشر العلم والدين بين أبنائها، وأعدت ما استطاعت من قوة ونفوس قوية، وتضرعت إلى ربها أن يعيد لها استقلالها ويرجع لها مكانتها. وهبها قوة من قوته، وأمدها بجند من جنده ، فطهّرت أرضها من أرجاس الإستعمار، وكذلك ينجي الله المؤمنين .
     ويا رعاكم الله: إننا ولله الحمد نعيش منجاة من القتال وأهواله، والحروب وبلاياها، ومالنا عدو يحاربنا، وما عدونا إلا من يحارب إخواننا في الملة والدين. أولئك هم أهلنا في فلسطين، الذين يبتلون في سبيل الله، ويُبدون من الصبر والثبات والشجاعة ما هو جدير بأمثالهم. فلا يسعنا إلا أن نعلن عن تضامننا معهم، ونضم أصواتنا إلى أصواتهم، ونرفع احتجاجنا ضدّ أعدائهم، ونسأل الله أن ينصرهم و يثبت أقدامهم.
    عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"، ثم قال صلى الله عليه و سلم: "اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب .اللهم أهزمهم وانصرنا عليهم". رواه البخاري ومسلم.
   اللهم آمين. أقول قولي هذا. وأستغفر الله لي و لكم...

الخطبة الثانية 
   الحمد لله إيمانا بقدر الله، والحمد لله صبرا على قضاء الله، والحمد لله شكرا على لطف الله. قضى وقدر ولطف، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح طويل، أنه قال: "لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل الله عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة، فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة  فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه..  هذه, فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهم يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى له ". رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
      أيها المسلمون: ليس بعد هذا البيان النبوي لواعظ أن يقول شيئا، ولكن ليذكر الجميع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد طُلب للصلح في الشام أوفي بيت المقدس من أجل حلّ القضية، ومن أجل أنهم استسلموا. فنزل عمر في واد فيه ماء، ثم نزل من على راحلته، ووضع نعليه في عصاه، وعلقها على جنبه، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين وددت أنهم رأوك على حال أحسن من هذه؟. قال: "يا أبا عبيدة لو غيرك قالها لجعلته نكالا، إنا أمة، إنما أعزنا الله بالإسلام، فإذا التمسنا العزة من غيره أذلنا الله". رواه الحاكم في كتاب الإيمان.        
   اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم هيئ لإخواننا في فلسطين والعراق وفي كل مكان، نصرا عزيزا  تعز به أهل طاعتك، وتذل به أهل معصيتك. اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، اللهم أرنا في اليهود يوما أسود، دمرهم كما دمرت عادا وثمود، اللهم و احفظ بلاد المسلمين، ووحد كلمتهم، وانصرهم على من عاداهم يا رب العالمين، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، واغفر لنا ذنوبنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، اللهم أعنه على أمور الدنيا والدين، واغفر لنا وله ولجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.