الموضوع: احذروا هذه الوصية!
الخطبة الأولى
الحمد لله، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خيرة خلقه وخاتم رسله، دعا إلى الله على بصيرة، فاستجاب لدعوته الراشدون، وتخلف عنها الحمقى والمغفلون، كان قدوة صالحة وأسوة حسنة، أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة. لم يدع شيئا يقرب إلى الله إلا دعا إليه، ولا شيئا يبعد عنه إلا حذر منه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الأتقياء البررة، الذين استجابوا له، وأحيوا سنته، ومهّدوا لمن بعده منهاجه وشرعته.
أما بعد؛ فاتقوا الله-عباد الله- وراقبوه في سرّكم وعلانيتكم، فإن تقوى الله عز وجل سبب الأمن في الدنيا والنجاة في الآخرة، قال تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة..". الآيات:62ـ63ـ64 يونس. واعلموا أن الدين الإسلامي كغيره من الشرائع السماوية التي أرسل الله الرسل من أجلها، مبني على الإتباع والإقتداء والتأسي، ولا يصير الدين دينا إلا إذا كان الخضوع فيه للحق سبحانه، حيث لا يفهم دين بلا خضوع ولا اتباع. وإن خير هدي ينتهجه المفلحون، وخير طريق يسلكه الصالحون، هو هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، والطريق الذي رسمه للأمة في كل اتجاه. فلا هدي أحسن من هديه، ولا طريق أقوم من طريقه، وهيهات أن يأتي الخلف في أعقاب الزمان بخير ما كان عليه السلف الصالح في عصور النور.
أيها المسلمون: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
عباد الله: لقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن من العلامات التي تكون في آخر الزمان بين يدي الساعة، انتشار الأخبار والأحاديث المكذوبة عليه صلى الله عليه وسلم بغية تشويه العقيدة والتلبيس على الناس بأمر دينهم، ولغايات أخرى سياسية أو عصبية أو مذهبية أو تجارية.
وها هو المنشور المتداول بين الناس اليوم، أو الوصية الخرافية التي مرت عليها عشرات السنين، لكنها رجعت من جديد، ولا يزال يقع ضحيتها الآلاف من الناس الطيبين الذين ينخدعون بسهولة . ولقد كنت- كما كان غيري- من ضحاياها ونحن في الكتّاب في السبعينات من القرن الماضي، لولا أن الله تداركني برحمة من عنده، فقرأت كتابا للشيخ الدكتور عبد المنعم النمر بعنوان: "خواطر من الدين والحياة"، وهي خواطر كان ينشرها تباعا في مجلة الوعي الإسلامي، وقد طبعت عام 1976 م.
هذه الوصية- أيها المسلمون- تتداول بين الناس اليوم، لأنها تحمل في طيها وصية تخدع في ظاهرها بعض الشباب كما تخدع بعض السذج من الكبار. حتى يبذلوا المال في طبعها طمعا في الثواب أوفي الغنى، أو خوفا من سوء العاقبة.
أيها المسلمون: إن المؤمن يجب أن يكون كيسا فطنا، فالنظرة الأولى لهذه الوصية الخرافية المزمنة تجعل الإنسان يبادر إلى حرقها، لا بكتابتها وطبعها..
فمن هو"أحمد" خطيب مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم؟. و أين هو؟. لا وجود له، حتى ولو كان موجودا فهل نثق به إلى هذا الحد الذي يخبر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام، وقال له: "في هذا اليوم مات من الدنيا ست آلاف مسلم. ولا يدخل أحد منهم الجنة؟"، أيّ كلام هذا، وأيّ تعبير؟ إنه يقول: ست آلاف مسلم.. مسلم، ثم يخبر أنهم لا يدخلون الجنة. أين هذا الشيخ من قوله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله". بل في رواية أخرى قال هذا الشيخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "أنا خجلان من أن أقابل ربي ولا الملائكة، لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفا على غير ملة الإسلام". أيّ جمعة؟ وفي أيّ سنة كان هذا الإحصاء؟.
ويمضي حضرة الشيخ المزعوم، فيحكي عن الرسول صلى الله عليه وسلم كل الأوصاف السيئة التي توصف بها أمة من الأمم، ثم ماذا؟. أين الوصية؟.
لا وصية !. كل ما فعله، هو وصف للأمة الإسلامية بكل أوصاف الفساد والإنحطاط، "الزوجات لا يطعن أزواجهن، الأغنياء لا يساعدون الفقراء، والناس لا يُصلُّون..".
أين الوصية يا شيخ؟. الوصية –يا عباد الله- هي: أن من يطبع أو يكتب هذه الوصية تفتح له أبواب الرزق، أو يرقّى في وظيفته، أو يقع له كذا وكذا..!
لمصلحة من تذاع وتنشر هذه الوصية الخرافية المزمنة؟ .
لمصلحة من تحطم معنويات هذه الأمة، وتوصف بكل أوصاف الفجور والخروج عن الإسلام وتعاليمه؟.
لمصلحة من تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟.
هل صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها على هذا الوضع المزري؟.
أليس فيها صالحون ملتزمون بتعاليم دينهم؟، أم أن الغرض هو زرع اليأس والقنوط في قلوب الناس؟ .
إننا لا ننكر أن هناك فسادا، ولا يمكن لأي أمة من الأمم في أي زمن يخلوا أمرها من اعوجاج. لكن أن تكون كلها فاسدة خارجة متمردة، فهذا لن يكون، ولن يصدقه عقل. فكيف يصدق بعض الطيبين–عفوا المغفّلين- أن يصدر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يكلفوا أنفسهم جهدا ومالا في نشره وإشاعته؟.
وأخيرا – أيها المسلمون-: يشرفني أن أنقل إليكم ما جاء في كتاب التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والمنشور سنة 1412 ھ /1992م، وخاصة الرسالة الرابعة التي يفنّد ويكذّب فيها ما جاء في هذه الوصية يقول رحمه الله: "فانتبهوا أيها القراء والإخوان، وإياكم والتصديق بأمثال هذه المفتريات، وأن يكون لها رواج فيما بينكم، فإن الحق عليه نور ولا يلتبس على طالبه، فاطلبوا الحق بدليله، واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم ولا تغتروا بحلف الكاذبين"، إلى أن يقول: "وأما ما ذكره هذا المفتري من ظهور المنكرات فهو أمر واقع، والقرآن الكريم والسنة النبوية، قد حذرا منها غاية التحذير، وفيهما الهداية والكفاية. وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنّ عليهم باتباع الحق والإستقامة والتوبة إلى الله من سائر الذنوب، فإنه هو التواب الرحيم، والقادر على كل شيء". انتهى كلامه رحمة الله عليه.
نفعني الله وإياكم بما قلت، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين، آمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فاتقوا الله–عباد الله-واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن هذه الأمة – ولله الحمد- مرحومة. مهما ابتليت ومهما عبث بعقائدها وأخلاقها، لأن الله حباها بمكرمتين.
أولاهما: أنها لا تزال فيها طائفة منصورة، قائمة بالحق، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها، حتى يأتي أمر الله.
وثانيهما: أن الله يقيض لدينه من يجدده، ويذب عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. إضافة لنعمة حفظ القرآن الكريم، مصدر عزتنا وسعادتنا، والحمد لله رب العالمين.
فيا من يوزعون هذه الخرافة، ويامن يقنطون الناس من رحمة الله، اعلموا: أن الإسلام لا يهدم أقدار الناس لما فيهم من ضعف، بل يضع عينيه على الخير. أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو صاحب رسالة تحرّم الخمر وتراها من أكبر الكبائر، يكرم في إنسان يشرب الخمر فضيلة فيه: "لا تلعنوه إنه يحب الله ورسوله". ولطالما كان يجيئه المذنبون معترفون بالذنب والخطيئة، فيحاول ردّ اعترافاتهم حتى لا ينزل بهم ما شرع الله من عقاب، مرجئا أمرهم إلى رحمة الله. بل إنه لينآى بأولئك الذين لاهَمَّ لهم إلا التباؤس بأخطاء الناس واليأس من صلاحهم يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس، فهو أهلكهم". أي أشدهم وأكثرهم هلاكا.
و يا أنتم الذين تجلسون تتسلّون بالكلام على أهل هذا الزمان، وأنه آخر زمان، وأنه، وأنه..،. اعلموا أنّ في أهل هذا الزمان خيرا، وعندهم غيرة على دينهم ومقدساتهم، ثم إن الإسلام ليزحف ويكسب قلوبا جديدة وأنصارا في كل يوم تطلع فيه الشمس. إن المستقبل للإسلام، وكذب الشيخ أحمد المزعوم فيما يقوله، وويل للذين يشاركونه في إشاعة الفاحشة واليأس في الذين آمنوا..
و يا رعاكم الله...كونوا على يقين، أن معدن هذه الأمة نفيس، لا يقضي عليه ما يمتد إليه من صدإ أو غبار، بل شيء من التطهير يصلحه ويرد إليه نفاسته، وإن الله لواسع الرحمة والفضل، لا يرد عن بابه ، ولا يطرد من رحابه من هفا أو زلت به القدم من عباده. فهو القائل سبحانه: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".
اللهم اعصمنا من شرّ الفتن، وعافنا من جميع البلايا والمحن، وأصلح منا ما ظهر وما بطن، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رءوف رحيم... اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا، ووفقنا ووفق أبناءنا وبناتنا إلى العمل بما يرضيك. اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولولي أمرنا ولجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق