الموضوع: تعليق التمائم شرك بالله
الخطبة الأولى
الحمد لله، المتفرّد بكمال الصفات، المنزّه عن العيوب والنقائص والآفات، خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ولو شاء لخلق ذلك في لحظات. له الأمر كله، وله الملك كله، وله الحمد كله في جميع الأوقات، فسبحانه من إله عظيم ورب ملك رحيم، ولطيف بالعباد عليم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته والأسماء والصفات. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى، الذي يسأل الله فعل الخيرات وترك المنكرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في جميع الأوقات، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: - فيا عباد الله– اتقوا الله تعالى ، واحذروا أسباب سخطه وعقابه، وتوبوا إلى ربكم بالرجوع عن معصيته إلى طاعته، وعن أسباب سخطه إلى بلوغ مرضاته. احذروا ما حذّركم منه نبيكم– صلى الله عليه وسلم– فإنه الناصح الأمين، واعلموا أن سرّ الإسلام– على سعة تعاليمه– يتجلى في دستوره الخالد، القرآن الكريم، وسر هذا الدستور يتجلى في فاتحته، أم القرآن والسبع المثاني، وسرّ الفاتحة يتلخص في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين". أي لا نعبد شيئا ولا أحدا غيرك، ولا نستعين بكائن سواك.
واعلموا– أيضا– أن أول وصية في القرآن الكريم، وأول ما يبايع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كل من اعتنق دينه: "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا". ولقد خاطب الله نبيه وخاتم رسله بقوله: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون". الأنبياء:25 .
أيها المسلمون: معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أن الأعمال والأقوال، إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإذا كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أقوال وأعمال، قال تعالى: "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين". المائدة:5. وقال تعالى: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطنّ عمـلك ولتكوننّ من الخاسرين". الزمر:65.
لذا– أيها المسلمون- شدّد الإسلام حملته على الشرك، وقعد له كل مرصد، وحاربه بكل سلاح، وقرّر أنه الإثم العظيم، والضلال البعيد، والجرم الأكبر، والذنب الذي لا يغفر. قال جل وعلا : "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". النساء:116. وجاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو من دون الله ندّا دخل النار". فكلّ ذنب يمكن أن يغفره الله بفضله وكرمه، ويمكن أن يقبل فيه شفاعة الشافعين، إلا الإشراك به سبحانه .
عباد الله: والشرك مراتب وأنواع، أكبر وأصغر، جليّ وخفيّ، ولقد حذر الإسلام منه، وأغلق كل المنافذ التي تهب منها ريح السموم، حماية لحمى التوحيد، حتى رأينـا رسول الله صلى الله عليـه وسلـم يعدّ الرياء شركا والقسم بغير الله شركا، وينكر على من قال له: "ما شاء الله وشئت يا رسول الله"، فقال له: "أجعلتني لله ندا؟، قل: ما شاء الله وحده". رواه أحمد وابن ماجة.
أرأيتم كيف أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل بأن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل ذلك من اتخاذ الندّ لله عز وجل، واتخاذ الند لله عز وجل إشراك به؟.
أيها المسلمون: إن من مظاهر الشرك التي فشت بين أفراد مجتمعنا والتي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم ما يضعه بعض الناس في أيدي وأعناق أطفالهم من الخيط الأسود، أو العقيق أو الودع أو الخمسة و الخميسة، ويعتقدون أنها تشفي من المرض، أو تحفظ من العين، أو ما يضعه بعض الناس في سيارتهم أو على منازلهم من حذاء الفرس ـ الصفيحة ـ ، أو ربما أطر عجلات السيارات، يعتقدون أن ذلك يحفظهم ويحفظ سياراتهم ومنازلهم أو تدفع عنهم العين و تقيهم ما يكرهون، ولكن:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
روى الإمام أحمد والحاكم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا أودع الله له". أي فلا حقق الله له الأمان. والودعة شيء أبيض يجلب من البــحر ويعلق في الرقاب أو على الأبواب، وإنما نهى عنها– صلى الله عليه وسلم– كما قال ابن الأثير: "لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين "، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أودع الله له". أي لا جعله الله في دَعَة وسكون.
وروى أبو داود والترمذي أن عيسى بن حمزة دخل على عبد الله بن حكيم وبه مرض الحُمرة فقال له: ألا تعلق تميمة؟، فقال: نعوذ بالله من ذلك! .قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من علق شيئا وكّل إليه". وروى الإمام أحمد وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد علق على عضده حلقة من نحاس وكان قد علقها على ذراعه ليعالج مرضا يقال له "الواهنة". والواهنة عرق يتحرك في المنكب، وفي اليد كلها فتؤلم، وقيل إن الواهنة مرض في العضد، وكانوا قديما إذا أصيبوا بذلك المرض علقوا على الذراع خرزا، يقال له: "خرز الواهنة" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "ويحك ما هذا؟ فقال الرجل: من الواهنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبدا ". وإنما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه اتخذها وهو معتقد أنها تشفي من الألم، فصارت بذلك كالتمائم التي نهى الدين عنها.
أيها المسلمون: أ بعد هذه النصوص القاطعة، يصح لمسلم أن يتعلق بخرافة أو بدعة جاهلية، معتقدا الشفاء أو راجيا الحفظ، وهو يقرأ في كتاب ربه "فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين"؟.
فاتقوا الله– عباد الله - وحرّروا العقول من أوهامها، واعتمدوا على الله وحده، فهو الذي يكشف الكرب ويشفي، وانبذوا ما يعلق من التمائم على الأجسام والأبواب، واعلموا أن الله يقول: "وإن يمسسك الله بضرّ فلا كاشـف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير". واذكروا على الدوام قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف". رواه الترمذي .
فاتقوا الله– عباد الله– وليكن لكم من هذه الوصية غير نهج تنتهجونه.
وفقني الله وإياكم لذلك، ونفعني وإياكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وإليه المنتهى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فيا أيها الذين آمنوا: إذا كان الإسلام قد حرّم ما ذكرنا، فإنه في الوقت نفسه، علمنا الإستعاذة من شر النفاثات في العقد، وهم أرباب السحر الذين ينفثون بسحرهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما يتسببون بفعله من إيقاع الضرر بين الناس، ومن هنا كان السرّ في قراءة المعوذتين كل ليلة، ليأمن القارئ من شر الجِنّة، ومن شر النفاثات في العقد ومن شر الناس.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما: "قل هو الله أحد. وقل أعوذ برب الفلق. وقل أعوذ برب الناس". ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
وأيضا من التعويذات التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم في تعويذ الصبيان. ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين : "أعيذكما بكلمات الله التامّة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة". وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح". وصحّ عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ الآيتيـن مـن آخر السورة البقرة كفتاه". والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء.
فاتقوا الله– عباد الله– واعبدوا الله على هدي وبصيرة، وتقيدوا في عباداتكم بما صح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، ودرج عليه أصحابه من بعد. وقد كانوا على هدى مستقيم، وخذوا بالأسباب المشروعة وتعلقوا بمسببها، وتعلقوا بقلوبكم برب الأرباب، وملك الملوك، ومن بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته، قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ".الزمر:38.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، اللهم احفظنا من الشرك وآثاره، وما يقرب إليه من قول أو عمل، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم وفقنا للعافية من كل سوء، واحفظ علينا ديننا وارزقنا الفقه فيه، والعافية من كل ما يخالف شرعك، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرك حتى لا نحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، واجعل غنانا في أنفسنا يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق