الموضوع: صلاة الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله– اتقوا الله ربكم، وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله عز و جل تصلح الأمور، وتــتلاشى الشرور، ويصـــلح للناس أمر الدنيا والآخرة.
عباد الله: اخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة والبيهقي عن أبي لبابة بن عبد المنذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ يوم الجمعة سيّد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه مات، وفيه ساعة لا يَسأل اللهَ العبدُ فيها شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرّب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهنّ يشفقن من يوم الجمعة " .
أيها الناس: من خلال سماعكم لهذا الحديث من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، تدركون أن يومكم هذا يوم عظيم، جعله الله عيدا لكم، وفضّله على سائر الأيام، وجعله موسما ومتجرا لأوليائه، يغتنمونه ويعظمونه، ويكثرون فيه من أنواع القربات، تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته واتّباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رغّب وندب إلى الاغتسال والتطيّب والتبكير لأداء الصلاة بأدب وخشوع وعدم التفريق بين الاثنين والإستماع إلى الخطبة. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهّر بما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته، ثم يروح إلى المسجد، فلا يفرّق بين اثنين، ثم يصلى ما كتب الله له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم، إلا غفر الله ما بينه وبين الجمعة إلى الجمعة الأخرى". رواه البخاري. كمـا جـاء عنه قولـه صلى الله عليه وسلم في الحث على التبكير إلى المسجد قوله: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة، ومن وراح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام، حضر الملائكة يسمعون الذكر". متفق عليه.
فالجمعة – يا عباد الله – فريضة الله على عباده، لا تسقط بحال من الأحوال إلا لعذر شرعي، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ التخدير عن التخلف عنها، و بيّن أنّ تاركها يتعرض إلى أمور عظام، لقد عرّض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله، أو بانتظامه في سلك المنافقين، أو بالطبع على قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكون من الغافلين". رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي أيضا، قوله: "من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه". وروى الطبراني أيضا، قوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين " .
ألا وإنّ مما ينبغي اجتنابه والحذر منه: التأخر عن الصلاة، وتخطّي رقاب الناس، فإن من فعل ذلك يؤزر عليه بدلا من أن يؤجر، فإن من جاء متأخرا إلى المسجد وأحبّ أن يصلى في الصفوف الأولى وآذى الناس بتخطّي رقابهم، فهذا فوّت على نفسه فضيلة التقدم إلى المسجد، وارتكب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: "اجلس فقد آذيت وآنيت". رواه ابن ماجة. أي آذيت الناس بتخطي رقابهم "وآنيت" أي تأخّرت عن التقدم للإتيان للصلاة. وقال: صلى الله عليه وسلم: "من تخطّى رقاب الناس يوم الجمعة، اتخذ جسرا إلى جهنم". رواه الترمذي وابن ماجة.
لعلكم سمعتم – أيها المسلمون – كيف أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من تأخر في المجيء إلى الجمعة. فكيف بمن تركها واشتغل بتجارته أو شهواته؟ .
فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على أداء الجمعة، وأكثـــروا فيه من الطـاعـات والعبادات. واذكروا قول نبيكم علـى الدوام: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ".
نفعني الله وإياكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى. سيدنا محمد وعلى آله ومن بهديه اقتفى.
ثمّ أما بعد، فيا عباد الله: فإنّ من أفضل الأعمال وأبرها عند الله وعند رسوله في هذا اليوم. الصلاة على رسول الله، فلقد قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"، رواه البيهقي. وفي السنن من حديث أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: "يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ – بليت-، قال: إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". رواه أبو داود.
فاتقوا الله عباد الله: وصلوا على نبيكم محمد صـلى الله عليه وسلـم، فقد قــال: "من صلى عليّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشرا ". رواه مسلم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واغفر لنا أجمعين، اللهم رُدنا إلى دينك ردا جميلا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصية للبر والتقوى. اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق