الموضوع: الترهيب من النميمة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي بين لنا أفضل المسالك والآداب، ووفق من شاء من عباده لسلوكها وهو الحكيم الوهاب. وأشهد أن لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد وإليه المآب. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قام بالأخلاق الفاضلة وأتمّها، وحذر أمته من سفاسفها وأرذلها. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ومن تمسكوا بآدابه.
أما بعد، فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن ما يتصف به الناس من الأخلاق على وجهين: فاضلة شريفة، حثّ الدين عليها وأمر بها. وأخلاق رذيلة سافلة حذّر منها.
ألا وإن من الأخلاق الرذيلة السافلة: الغيبة والنميمة. ولقد استمعنا في خطبة ماضية إلى ما ورد من الوعيد الشديد في الغيبة.
أما النميمة:– فيا عباد الله – هي الداء الثاني الذي انتشر بين الناس، وهي نقل الكلام. يذهب أحدهم إلى الرجل فيقول له: فلان قال فيك كذا وكذا... لقصد الإفساد وإلقاء العداوة والبغضاء بينهما.
والنميمة من كبائر الذنوب، ومن أسباب عذاب القبر ودخول النار. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمّام". وفي رواية "قتّات". رواه البخاري ومسلم. والقتات والنمام بمعنى واحد. وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: "إنهما يعذّبان وما يعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
أيها المسلمون: إذا كانت النميمة مما يوجب عذاب القبر أولا، ثم العذاب بعد الحشر ويوم القيامة، فواجب على العقلاء أن يحذروا منها ويتوبوا.
إن النميمة ضررها كبير، وخطرها عظيم على الإنسان في نفسه وعلى المجتمع. فالنمام يفسد ذات البين، ويفعل بالناس فعل النار في الهشيم، يدخل بين الزوجين أو الصديقين أو الجارين فيصيّرهما عدوين، ينقل إلى كل واحد ما يسوء عن أخيه، ويكدّر عليه. وقد تبرّأ النبي صلى الله عليه وسلم من النمّام ونسبه إلى البهتان والإثم المبين. فقال: "ليس منّي ذو حسد ولا نميمة ولا أنا منه". ثم تلا صلى الله عليه وسلم: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا". الأحزاب: 58.
فيا أيها المسلم: إن الواجب عليك إذا نقل إليك أحد"أن فلانا قال فيك كذا وكذا"، فعليك أن تنكر عليه وتنهاه. واعلم أن من نقل إليك كلام الناس فيك، نقل عنك ما لم تقله. فقد قالوا: "من نمّ لك، نمّ عليك". جاء رجل إلى وهب فقال له: "إنّ فلانا شتمك"، فقال له: "أما وجد الشيطان بريدا غيرك؟ ". وجاء آخر إلى عمر بن عبيد فقال له: "إن الأسواريّ لم يزل يذكرك ويقول: " لضالّ"، فقال عمر: "يا هذا والله ما رعيت حق مجالسته إذا نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقّي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه. اعلم أن الموت يعمّنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا".
أيها المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بعدم الإصغاء إلى النمّام فقال: "ولا تطع كل حلاف مهين، همّاز مشّاء بنميم، منّاع للخير معتد أثيم". القلم: 10ـ12.
وحسب النمام خسّة ولؤما أن الله وصفه بهذا الوصف الذميم "زنيم". أي ولد زنا . قال ابن مبارك: "ولد الزنا لا يكتم الحديث" . وسعى رجل إلى بلال بن بردة الأشعري برجل من أهل البصرة . فقال: "انصرف حتى أكشف عنك، وبعد البحث عنه اكتشف أنه ابن زنا. وحسب النمام لؤما أيضا أن الله سماه فاسقا، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". الحجرات:6.
فاتقوا الله أيها المسلمون وراقبوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن الله حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، وأجارني وإياكم من سخطه وعقابه الأليم، واستغفر الله...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا أسباب سخطه وانتقامه، واذكروا على الدوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذّر من النمام غاية التحذير ووصفه بأنه شرّ الناس. قال صلى الله عليه وسلم: "خيار عباد الله الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله. وشرار عباد الله، المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، الباغون للبرآء العنت". رواه الإمام أحمد. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تجدون شرّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه."
فاتقوا الله وارتفعوا بأخلاقكم عن معايب النمام، احذروا تصديقه والأخذ بما يقول، ففي ذلك فساد ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة كما قال صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: لقد ابتلينا في مجتمعاتنا بأقوام يتجرون في الكلام، ديدنهم رواية الأخبار، ونقل الغثّ والسمين، والصدق والكذب. ينتقل أحدهم من حلقة إلى أخرى، ومن مقهى إلى ملهى. ممتطيا مطية الكذب. قالوا، وزعموا كذا، وسمعنا كذا. دون تثبت في النقل أو وزن لما يحدث به، وذلك من أوضح البراهين على اعتلال خلقه، وضعف نفسيته. يقول صلى الله عليه وسلم منددا بهذا الخلق: "بئس مطيّة الرجل زعموا " .رواه أبو داود. و عن عبد الله بن مسعود: "أن الشيطان يتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون، ويقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث".رواه الإمام مسلم.
فاتقوا الله–عباد الله– وتجنبوا مساخط الله، واستقيموا على نهج الهدى، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
اللهم وفقنا لأحسن الأقوال، واهدنا إلى اتباع سنة نبيك الكريم. اللهم إن نسألك إيمانا صادقا ولسانا ذاكرا وشفاء من كل داء. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. واغفر لنا ولآبائنا ولجميع المسلمين. اللّهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام وارفع مقتك وغضبك عنا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق