الموضوع: تربية الأولاد
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أرسله الله لبيان الحق، وهداية الخلق، مبشرا ونذيرا، وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا .اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فقد قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون". التحريم: 6. وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يؤدّب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع".
أيها المسلمون: إن من الأمور المسلّم بها لدى علماء التربية والأخلاق، أن الطفل حين يولد، يولد على فطرة التوحيد، وعقيدة الإيمان بالله، وعلى أصالة الطــهر والبراءة، فإذا تهيّأت له التربية المنزلية الواعية، والخلطة الإجتماعية الصالحة، والبيئة التعليمية المؤمنة. نشأ الولد– لا شك– على الإيمان الراسخ والأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة. فحين يشمّ الولد رائحة الدنيا، ويتنسّم نسائم الوجود، فعلى أبويه أن يسمعانه كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، وهذه قاعدة أساسية وضعها الإسلام. روى أبو داود والترمذي عن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته أمه". وروى البيهقي وابن السنّي عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضرّه أم الصبيان" .
فكلمة التوحيد وشعار الدخول في الإسلام أول ما يقرع سمع الطفل، وأول ما يتعقّلها من الكلمات والألفاظ، ومن ثم ينشأ الطفل على ما كان عوده أبوه، فعلام عودت طفلك أيها الأب؟ .
روى الطبـراني عـن علي كـرم الله وجهه، أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن". وعلى هذا سار السلف الصالح رضوان الله عليهم، فكانوا يهتمّون كل الإهتمام بتلقين أبنائهم منذ الصغر القرآن الكريم وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نعلمهم السورة من القرآن".
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعلمنا أسلوب التربية، فهو لا يترك فرصة سانحة إلا وأرشد الصغـار عليهـا، يحدث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه يقول: "كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سمّ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك". وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غلام ! إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك..." الحديث.
إنه تعويد وترويض منذ الصغر. وللأسف! إن كثيرا من الآباء والأمهات تركوا المجال لأبنائهم وبناتهم ، وأهملوهم، تركوا تعليمهم فرائض الدين وسننه، وتركوا تأديبهم لمعاني الأخلاق ، فأضاعوهم صغارا، فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينتفعوا بهم كبارا، لا يراقبونهم في الدخول والخروج، ولا يسألونهم فيما يرونه معهم من أمتعة وأشياء ونقود، فبمجرد ما يدعي الإبن أنه التقطها من الشارع أو أهديت له، صدّق، وبهذا ينشأ الابن – ربما – على السرقةوالكذب .
ومن أحسن الأمثلة التي قرأتها،أن أحد المحاكم الشرعية، حكمت على سارق بعقوبة القطع، فلما حان وقت التنفيذ، قال لهم بأعلى صوته قبل أن تقطعوا يدي، اقطعوا لسان أمي! لقد سرقت أول مرة في حياتي بيضة من جيراننا، فلم تؤنّبني، ولم تطلب إلي إرجاعها إلى الجيران.
وقالت: الحمد لله لقد أصبح ابني رجلا، فلولا لسان أمي الذي زغرد للجريمة لما كنت في المجتمع سارقا".
نعم – أيها المسلمون – حينما تكون تربية الأولاد بعيدة عن الإسلام ،مجردة من التوجيه الخلقي، ترعرعوا على الفسوق والإنحلال، ومن ثمّ لا نرجو منهم إلا التشرد والضياع، إلا ما رحم ربك، وقليل ما هم.!
فاتقوا الله –يا عباد الله- وراقبوا أولادكم، واتقوا الله فيهم، وأدّوا ما عليكم من واجب، وابذلوا ما استطعتم من جهد فإنكم لاقون ثمرة ذلك .
لما تولىّ عمر بن عبد العزيز الخلافة، وخطب الناس خطبته الأولى، وذهب ليقيل – ينام القيلولة - أتاه ابنه عبد الملك فقال له: ما تصنع؟. قال: أقيل، لأنّي سهرت البارحة، قال: أتقيل، ولا تـرد المظالم!، قال: إذا صليت الظهر رددتها، فقال له: من أين لك أن تعيش إلى الظهر؟. فقبّله وقال: "الحمد لله الذي أخرج من ظهري من يعينني على ديني".
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وانفعنا بما نقول ونسمع، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فخير لكم – أيها المسلمون – أن تحرصوا على تربية أبنائكم، هذه الزينة التي أنعم الله بها عليكم، واجتهدوا في العناية بها والحياطة لها لتكون لكم زينة الحياة الدنيا حقيقة، كما قال الله: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا". الكهف:46. وإلا تكونوا على حد قول أبي العلاء المعرى.
أرى ولـد الفتـى عبئا عليه لقد سعد الذي أمسـى عقيما
فإما أن تـربـيه عــــــــــــــــــــــــــــــــــدوّا وإمـا أن تخلـــــــــــــــــفــه يتـــــــــــــيمـا
فيا أيها الآباء والأمهات: أدعوا الله أن يصلح أولادكم، كما دعا إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال: "رب هب لي من الصلحين". وقال: "واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنـام". وقال: "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي". وقال هو وابنه إسماعيل: "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك". ودعا زكريا عليه السلام ربه فقال: "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء".
هذه – أيها المسلمون – دعوات الأنبياء فاقتدوا بهم .
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما، وارزقنا اللهم وإياهم العمل بما يرضيك، اللهم احفظنا واحفظ أبناءنا وبناتنا بما تحفظ به عبادك الصالحين. اللهم ردّهم إلى الإسلام ردا جميلا، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، اللهم واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد الإسلام . ووفق ـ اللهم ـ ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال و الإكرام. و صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق