10 يناير 2012


الموضوع: الترهيب من عقوق الوالدين
الخطبة الأولى 
     إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هداي له. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليما كثيرا  .
     أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. وقوموا بما أوجب عليكم من حقه وحقوق عباده. ألا وإنّ من أعظم حقوق العباد عليكم: حق الوالدين. فقد قرن الله تعالى حقهم في الإحسان عليهم وحسن الرعاية بهم بحقه في العبادة والإخلاص. قال الله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا..". النساء:36. وقال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.."الإسراء:23.
  بل لقد أوصى سبحانه بمصاحبة الوالدين بالمعروف وإن كانا كافرين، بل وإن كانا يأمران ولدهما المسلم بأن يكفر بالله، لكن عليه ألا يطيعهما. قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.. ". لقمان: 15.      
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم برّ الوالدين مقدما على الجهاد في سبيل الله. ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟، قال: "الصلاة على وقتها! قلت: ثم أي؟، قال: "بر الولدين!. قلت: ثم أي؟. قال: "الجهاد في سبيل الله" ! .
وفي حديث إسناده جيد أنّ رجلا قال: يا رسول الله: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه! قا : "هل بقي من والديك أحد؟ قال: نعم، أمّي، قال: "قابل الله في برها. فإن فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد في سبيل الله".
   كل هذا يا عباد الله، ونحن نسمع عن بعض الأبناء يعاملون آباءهم وأمهاتهم معاملة قاسية فظة، يغلب عليها التبرّم والتضجر والخروج على أوامرهم وتوجيهاتهم، ويظهر هذا السلوك عندما يكبر أحد الوالدين أوكلاهما أو يتزوج الإبن بزوجة لا ترضي أبويه. فنجد بعض الأبناء يميلون إلى معاملة آبائهم وأمهاتهم معاملة لا تتّسم بالخلق الإسلامي والسلوك السويّ الذي حدده الله سبحانه، والذي خصّ الوالدين بكل ما يجعلهما في صورة كريمة ووضع لهما برنامجا إرشاديا فيه التوجيه والصلاح وحسن المعاملة، قال تعالى: " .فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما..". الإسراء:23.أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم. أو يعبر عن ضيق. فإن التعامل مع الوالدين لابد أن يكون على أعلى درجة من الرقة والعطف والحرص على مشاعرهما، وخاصة في هذه المرحلة التي أشار الله إليها، فإنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى الأبناء الأبرار لكي يعملوا على مساندتهما، والقيام بخدمتهما ورعاية شيخوختهما.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ ومعه شيخ، فقال له: يا هذا، من هذا الذي معك؟. قال: أبي، قال: فلا تمش أمامه ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسبب له". مجمع الزوائد ج 8 .
     أيها المسلمون: أعود فأقول: الغريب أننا نسمع في هذه الأيام أن هناك بعض الأبناء يعاملون آباءهم وأمهاتهم بجـفاء، بعــيدا عن عوامل الرحمة والمروءة والتقدير، وبعض هؤلاء الأبناء لا يقومون بحق النفقة على آبائهم وأمهاتهم مما يضطرهما إلى إقامة الدعوى عليه فيلزمه القاضي بالإنفاق عليهما، وإلا أصبحا شريدين طريدين في الطرقات يتسوّلان الصدقة من الناس.
إن هؤلاء وأمثالهم يحتاجون إلى إعادة النظر في أمر سلوكياتهم، فإذا كان الإنسان يحب الخير لنفسه، فإنه لا بد وأن يتجه إلى الوالدين محبا وعطوفا، فإن حب الوالدين وتقديرهما من الأمور التي تفتح على الإنسان أبواب الرحـمة والخـير  والرزق، وتجعل له –بفضل دعواتهما – من أمره رشدا، لأن الاعتراف بحقوق الوالدين والحرص عليهما والرقة في معاملتهما لفظا وسلوكا وتصرفا من الأمور الهامة، التي يجب علي أن أذكر الشباب وأناشدهم. أن يتقوا الله في معاملتهم للوالدين بعيدا عن عوامل التبرم والتضجر والعنف والمعاملات الفظة الغليظة، وأن يعملوا – جاهدين – لردّ بعض الجميل فهما - كما جاء في الحديث – "جنّة العبد وناره" .
     فيا عباد الله: فمن أحسن فعليه متابعة الإحسان، ومن فرط فعليه بالتكفير والتماس الغفران.
اللهم وفقنا لبر آبائنا وأمهاتنا، وارزقنا في ذلك الإخلاص وحسن القصد والسداد إليه، إنك على كل شيء قدير.
أقـول قـولي هـذا.

الخطبة الثانية   
      الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
      أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن الإسلام وضع القواعد لبرّ الوالدين واحترامهما والعناية بهما، ونهى عن عقوق الوالدين، والعقوق هو الإيذاء بالقول أو بالفعل وعدم أداء الحقوق، وجعل ذلك من أكبر الكبائر.
 روى البخاري ومسلم عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت". وروى الحاكم والأصبهاني عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات" .
   فاتقوا الله – عباد الله – واحرصوا كل الحرص على رضا الوالدين، فلقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المسلمين، إياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجد ريحها عاق" .
و أخيرا أختم حديثي بما روي أن ولدا اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه، وأنه يأخذ ماله، فدعا به، فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا، فسأله، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي. وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله، فبكى رسول الله صلى الله عليـه وسلم وقـال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى". ثم قال للولد: "أنت ومالك لأبيك "! .
   وفقنا الله لبر آبائنا وأمهاتنا، وغفر لهما كما ربيانا صغارا، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، واجزهم عنا أحسن الجزاء. واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام. ووفق – اللهم - ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي ترشده إلى الخير وتعينه عليه، واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين. ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمـنوا، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق