الموضوع: حوادث 8مايو45
الخطبة الأولى
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له
وليا مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، العزيز الرحيم،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، علمنا أن نعيش أعزاء، أو نموت شهداء. صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، قال تعالى في كتابه الكريم: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين..". المنافقون:8.
عباد الله: إن العزة فيها معنى الشدة والقوة والغلبة. والعزة خلق من أخلاق
المؤمنين التي يجب أن يتحلوا بها ويحرصوا عليها، لأن إلههم عزيز، ودينهم
عزيز، فما عليهم إلا أن يكونوا أعزة. قال تعالى: "محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم..". الفتح:29. والشدة على الكفار تستلزم
عزة النفس، قال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين". آل عمرن:139. وهذا يقتضي أن يكونوا أعزاء كذلك. ومن معاني الآية
الكريمة الإستمساك بالعزة والقوة، والثورة على المذلة والهوان، وقد تكرر
وصف الله في القرآن الكريم بالعزيز ما يقرب من تسعين مرة، وقد تكون الحكمة
في ذلك أن يملأ الله أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة ليستشعروا العزة
والقوة في أنفسهم، فيرفضوا الذل والهوان، ويثوروا على الظالمين
والمستعمرين. قال تعالى: "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا". فاطر:10.
وقال سبحانه: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". آل
عمران:36. وقد هدانا القرآن الكريم إلى الطريق
التي نصون بها عزتنا وكرامتنا ضد الذل والهوان والسكوت عن الطغيان، فأمرنا
بالإعداد والإستعداد لحفظ الكرامة والذود عن العزة. قال تعالى: "وأعدّوا
لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من
دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ...". الأنفال:06. وذلك لأن القوة تجعل
صاحبها في موطن الهيبة والعزة، فلا يسهل الإعتداء عليه، وليست هذه دعوة إلى البغي
والعدوان. ولكن القرآن يعوّد أتباعه أن يكونوا أولا على حيطة وحذر،
فيحيطوا أنفسهم بكل وسائل القوة والتحصين، حتى يكونوا أصحاب رهبة في نفوس
أعدائهم فلا يتطاولون عليهم، ومن هنا يقول تبارك وتعالى: "يا أيها الذين
آمنوا خذوا حذركم...". ويقول تعالى: "وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"، وإذا شاءت
الأقدار يوما، والتقى المؤمنون في معركة مع الكافرين والمعتدين، فالواجب
على كل مؤمن أن يظل عزيزا قويا ثابتا على مبادئه وعقيدته، لا يخاف الألم
والتعب، بل يبذل جهده وطاقته، مستخدما كل ما أعدّه قبل ذلك من سلاح وعتاد،
واثقا بالله عز وجل. وإن قُدّر له لون من ألوان العذاب والإختبار
والإبتلاء، تحمله راضيا صابرا محتفظا بعزته وكرامته وشهامته، موقنا بأن
احتمال الأذى والألم، خير ألف مرّة من التخاذل والإستسلام، ومع هذا فالإسلام يدعو أتباعه إلى السلام
العادل المنصف الذي لا ينطوي على ضيم أو ذل، ويدعوهم أن يغفروا الهفوة إذا
كانت عن غير تعمد، أو كانت لا تبلغ مبلغ الإهانة، ولا تخدش العزة
والكرامة. أما إذا كانت الخطيئة بغيا وعدوانا فعلاجها والرد عليها بما يغسل
العار ويدفع الظلم والطغيان، ويصون الكرامة، قال تعالى: "والذين إذا
أصابهم البغي هم ينتصرون ". الشورى:39.
أيها
المسلمون: إنّ القرآن الكريم لم يكتف بتحريض المؤمنين على إباء الضيم ونبذ
الظلم وإيثار العزة تعريضا صريحا وتوجيها مباشرا، بل ضرب الأمثال في الأمم
السالفة التي استجابت لدعوات الحق، وتابعت رسل الله واستشعرت العزة وتمردت
على المذلة، فكان جزاؤها كريما وثوابها عظيما، حيث خاضت المعارك من أجل
عقيدتها ومبدئها ولم تهن ولم تضعف، بل صبرت وصابرت وكافحت وناضلت حتى ظفرت
وانتصرت، وذلك بفضل الله العزيز الذي يحبّ الأعزاء. قال تعالى: "وكأين من
نبئ قتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما
استكانوا والله يحب الصابرين". آل عمران:146.
وإن في السيرة النبوية ما يهدي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلى منهج
الشرف وطريق العزة . فالهدي النبوي الكريم، يعلم الإنسان ألا يرضى الدنية
في دينه ولا دنياه، بل يحفظ لنفسه حقها، ويدافع عن هذا الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا. فإن مات دونه فهو شهيد، وإن انتصر عاش عيشة الأحرار.
أيها المسلمون: وما أحداث( الثامن مايو45) إلا خير مثال، وما كانت أحداثه إلا لتزيد أبناء
الجزائريين المخلصين لوطنهم إيمانا بحتمية الكفاح المسلح لنيل حياة العزة
والكرامة، وتضع حدّا لأحلام بعض السياسيين، وتؤكد أن الأساليب السياسية لا
تجدي نفعا مع عدوّ اغتصب كل شيء، المال والأرض والأعراض بالحديد والنار،
وقد تجلى هذا بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حيث كان الرئيس
الفرنسي "ديغول" قد وعد ببرازافيل عام 1944 بإعطاء الحكم الذاتي للمستعمرات
الفرنسية بما في ذلك أقطار المغرب العربي إن هي وقفت بجانب فرنسا في
مواجهة الجيوش الألمانية، وتخلّصت من الإحتلال. وتصديقا لهذه الوعود اندفع
خيرة أبناء
الشعب الجزائري للقتال، يحدوهم الأمل بالنصر وتحرير بلادهم، فدفع بذلك
الشعب الجزائري عشرات الآلاف من القتلى وضعفهم من المعطوبين، وانتهت الحرب
العالمية الثانية، وانتصر الحلفاء على ألمانيا، وكانت الإحتفالات بعيد
النصر. وخرج الشعب الجزائري هو الآخر ليعبر عن فرحته بالنصر والإستقلال،
حاملا العلم الوطني، لكن الأحقاد الصليبية الدفينة ما لبثت أن تجلّت من
جديد في صورة أكثر وحشية، حيث قام جلادو العدو بتسليط جامّ غضبهم على
الأهالي العزّل دون تمييز، ومن المدن التي تعرضت أكثر من غيرها للإبادة
والدمارـ كما تعرفون ـ "سطيف، و قالمة ،وخرّاطة" .
قال الشيخ البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله، يصف هذا: "إن هذا اليوم
أزهقت فيه الأرواح كأنه أوسمة شرف، للتضحيات التي قدّمها الشعب الجزائري
لفرنسا أثناء الحروب بلا مقابل. بحيث ألحق الشباب الجزائري بجبهات القتال
في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بعد أن ملأ الإستعمار أعطافه بالتمنيات
والوعود الكاذبة، ثم سرعان ما انقلب عليه، وجازاه جزاء سنمّار". (عيون
البصائر الجزء: 2).
نعم أيها المسلمون: في مثل هذا اليوم طبّق العدو أساليب النازية، وزاد
عليها، فدمّر القرى على من فيها. انتهك الحرمات، فتح بطون الحوامل، فتح
نيران أسلحته بالأزقة، ووسط القرى دون تمييز بين الصغير والكبير،
فالجزائريون أمامه سواء. وكان من نتيجة هذه الأعمال الوحشية استشهاد: 45ألف
مواطن، واعتقال:1500.
أيها
المسلمون: لقد ذكرت سابقا قول الله عز وجل: "وكأين من نبئ قتل معه ربيون
كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا..." وكذلك
كان آباؤنا وأجدادنا، أعزاء في كل شيء، فما وهنوا وما ضعفوا وما
استكانوا، لأنهم سمعوا قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: "من أعطى الذلة من
نفسه طائعا غير مكره فليس منا". رواه الطبراني.
فيا أيها المسلمون: اذكروا هذه الأيام الخالدة، وترحموا على شهدائكم،
واعلموا أن آخركم لا يصلح إلا بما صلح به أولكم، اتقوا الله ربكم، وتأدبوا
بآداب دينكم الحنيف، وتخلّقوا بأخلاقه التي أرادها لكم عزا ومنعة ومجدا .
اللهم أكرمنا ولا تهنا، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، إنك على كل شيء قدير. نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم, وأجارني.....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لاإله إلا الله وليّ الصالحين . وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله ، وابتغوا العزة فيما فرضه الله و سنّه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزموا حدود الدين فيما رسم لكم من معالم
العزة والكرامة، وتمسكوا بدينكم، وحافظوا على تراثكم المجيد، ومجدكم العظيم
الذي ورثتموه على أسلافكم. وأعدّوا ليومكم وغدكم ما استطعتم من قوة
تؤيّدون بها حقكم، وترهبون بها عدو الله وعدوكم، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين.
اللهم
أكرمنا ولا تهنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن معنا ولا تكن علينا، اللهم اجمع
الصفوف ووحد القلوب واجمع العرب والمسلمين على كلمة سواء، واجعل النصر في
ركابهم يارب العالمين. اللهم وارحم شهداءنا الأبرار، ووفق أبناء وبنات الجزائر للعمل بما يرضيك، اللهم واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق