الموضوع: عيد الإستقلال
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، شرع الجهاد لحماية حوزة
الإسلام، أحمده سبحانه جعل النصر لحزبه، فأعظم بتأييد الملك العلام. وأشهد أن لا
إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل
وسلم وبارك عليه وعلى آله، ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعد، فقد قال تعالى: "الذين آمنوا
وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم
الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا
إن الله عنده أجر عظيم" . التوبة:20ـ22.
عباد الله: في الخامس
من شهر "جويلية" تحتفل الجزائر باستقلالها ومولد حريتها، وهذا اليوم ليس بالعادي في تاريخ
الجزائر، إذ هو يوم احتلالها– يوم وقع فيه "الدّاي حسين" على وثيقة
الاحتلال– وكان ممكنا أن تحتفل الجزائر باستقلالها قبل هذا اليوم. لأن قرار توقيف
إطلاق النار، كان يوم 19 مارس، ولكن الرجال الأحرار، والمجاهدين الأبطال، أبوا إلا
أن يثأروا لكل يوم موتور من تاريخ الجزائر، حتى يحققوا للحرية نصاعتها وقدسيتها.
أيها المسلمون: إنكم تحتفلون بعيد الإستقلال، فما
تراني أقول لكم؟. وقد سبقني كتّاب أفاضل فأفاضوا القول. وعلماء أكابر فأبدعوا
اللفظ، ولم يدعوا مجالا لقائل، ولا مسلكا لسائر، ولكن هذه الجزائر. قبلة الثوار
وكعبة الأحرار، فكلما اقتربت كان المنهل عذبا والنهر فياضا.
أيها المسلمون: جاء الاستعمار الدنس إلى
الجزائر، وكما يقول الشيخ البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله: "يحمل السيف
والصليب، ذلك للتمكّن وهذا للتمكين فملك الأرض، واستعبد الرقاب، وفرض الجزية، وسخر
العقول والأبدان".
نعم ! لقد وقف الإستعمار للإسلام بالمرصاد منذ أول يوم ،
وتدخل في شعائره وشرائعه بالتضييق بروح مسيحية، فلقد وقف "شارل العاشر "
ملك فرنسا يقول في خطاب العرش، يوم 2 مارس 1830 ما نصه: "إن العمل الذي سأقوم
به لترضية شرف فرنسا، سيكون بإعانة الله القدير لفائدة المسيحية
جمعاء". وقال الحاكم الفرنسي للجزائر بمناسبة مرور (100) مائة عام على
احتلالها: "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من
ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم".
ولقد أثار هذا المعنى حادثة طريفة جرت في فرنسا،
وهي أنها ومن أجل القضاء على القرآن من نفوس شباب الجزائر، قامت بتجربة عملية.
قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس
الفرنسية، وألبستهن الثياب الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة
الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماما. وبعد أحد عشرة (11) عاما من الجهود، هيأت لهن
حفلة تخريج رائعة، دعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت الحفلة
فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري. وثارت ثائرة الصحف
الفرنسية وتساءلت: "ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مئة وثمانية
وعشرين عاما؟. أجاب "لاكوست" وزير المستعمرات الفرنسي، وماذا أصنع إذا
كان القرآن أقوى من فرنسا"؟. الله أكبر .
صدق من قال عليه رحمة الله :
شعب الجـزائر
مســلـم و إلـى العروبـة ينتسـب
من قـال حاد عـن أصله أو قـال مات فقـد كـذب
أو
رام إدمـــــــــاجا لــــــــــه رام المحـــــال من الطلـب
أيها المسلمون: إن هذا الشعب العظيم
ألحّ عليه الإستعمار الفرنسي في وطنه بالقهر والفقر والعذاب والخراب، والقمع
والاضطهاد، والمسخ والتشويه، ومنعه من كل وسائل الحياة، وسلّط عليه أسباب الفناء،
فما وهن ولا ضعف، ولكن أراد الحياة، فاستجاب له القدر، وآمن بأن الجهاد في سبيل
الله هو غاية الفضل ونهاية العمل، وأن شهداء الجهاد على موعد مع الله، لا يذيقهم
طعم العذاب وسكرة الموت، وأنهم من ساعة استشهادهم أحياء يرزقون، فقام الشعب – كما
يقول المرحوم أحمد توفيق المدني: "كإعصار فيه نار، يصبّ على الظالمين
المستعمرين ما تراكم فوق فؤاده من حمم الحقد والضغينة التي تولدت خلال مائة وعشرين
عاما، كلها آلام، وكلها جراح، وكلها مصائب وآثام، وكلها لصوصية ونهب وانتهاك حرمات
وإهدار كرامة". واجتمعت في صفوف الثورة المقدسة كل ما يملكه شعب أبيّ
قام مستجيبا لدعوة الجهاد، واجتمعت في جهاده الأقانيم الخمسة التي تكونت منها
الحرية، ورفعت راية الاستقلال عالية، "دم الشهيد، وجهود الفدائي، ومداد
الكاتب، وكلمة الخطيب، ومال المقتدر " .
بل اسمعواـ
أيها المسلمون ـ إلى صاحب الإلياذة رحمه الله:
إذا الشعـر خلّد أُســـــــــــــد
الـرهان أينسـى مغـامـرة الحيـوان؟
أينسى البغـال أينسى الحمـــــــير
وهل ببـطولتهـا يُستــهان؟
سلاما على البغل يعلـو الجبــــــــــال
ثقيـلا فيكـبـره الـثـقـــــلان؟
وعـاش الحمار يقـل الســـــلاح ويغشى المعامـع ثبت
الجنـان
وبارك فأرا.. يـوزع نـــــــــــــــــــارا فيخلع
بالـرعب قلب الجبـان
ويلقى الشهادة شهـما كريما
وقد عاف ذلّ الشقا والهوان
وطـوبى لعنز يضلل جـــــــــــنـدا ويخـدع
أحـلاســــه بالأمـان
والكلـب يهجـر طبع النبـــــــــــــــــــــاح
ويهوى النمـيـمة بالطيــران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "إن الله يدافع عن
الذين آمنوا ، إن الله لا يحبّ كل خوان كفور". الحج:38.
أيها المسلمون: لقد آل الشجعان عن أنفسهم، وبذلوا
ما في وسعهم، بعد ما بناهم الإسلام على فضائله ، وطبعهم على أخلاقه، وهيأهم للإستخلاف
في الأرض، وفرح المؤمنون في مثل يومنا هذا، بنصر الله. "ينصر من يشاء وهو
الـــعزيز الرحيم".
اللهم زدنا ولا تنقصنا، و أكرمنا ولا تهنا......
آمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين . وأشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد، فاتقوا الله - عباد الله -وكونوا
خير خلف، لخير سلف، سيروا على درب الأُلى الذين ساروا على نهج الهدى، وتدربوا على
التضحية والفداء. صلوا الحاضر بالماضي، لتبلغوا أرفع مدارج العز في العاجلة، وخير
منازل المقرّبين في العقبى .
عباد الله: "إن الله وملائكته يصلون
على النبي، "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". اللهم صل
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين،
واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم أدم
عليه الفتح والنصر، ودمّر من أراده بسوء يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوبنا،
ووحد صفوفنا، وأصلح قادتنا، واجمع كلمتنا على الحق يا رحيم. اللهم انصر إخواننا في
فلسطين، وكن مع جميع المستضعفين، ودمر اليهود وسائر المفسدين. اللهم ارفع عنا
الغلاء والوباء، وقنا الزلازل والمحن، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. اللهم
وفّق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل اللهم
وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.