الموضوع: الجزيرة (نت)
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أعلى كرامة بني الإنسان،
وجعلهم خلفاء في الأرض، سبحانه كتب على نفسه الرحمة، وأمرنا بالتسامح والتراحم
والإخاء، ونهانا عن التدابر والظلم وسفك
الدماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما قضاه وأراده، لا معقّب
لحكمه . وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، بشيرا
ونذيرا ، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم
صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ
الأمور ما أحدث على غير هدى من الله أو سنة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله".
عليكم بتقوى الله – يا عباد الله – وبما كان
عليه الصدر الأول، ففي هديهم الرشاد، وفي
نهجهم الفلاح والسداد، ومن حاد عن مسلكهم تقاذفته الشبه والأهواء، وارتطم بالفتن وانزلق في المهاوي.
أيّها المسلمون: قال الله تعالى: "ولا
تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا
يسرف في القتل، إنه كان منصورا". الإسراء:33.
قال الشيخ عبد
الحميد بن باديس رحمه الله في تفسير هذه الآية: "إن النهي هنا جاء صريحا عن
قتل النفس، وأكّد مقتضى النهي بوصف النفس بقوله: "التي حرّم الله"،
والتحريم هو المنع، فحرّم الله معناه: منع الله. والتقدير: حرّم الله قتلها، فحذف
بدلالة "لا تقتلوا" عليه، فالمنهي عنه هو القتل، والمحرّم هو القتل،
فتأكيد المنع بالنهي والتحريم، وفي إسناد التحريم إلى الله بعثٌ للنفوس على الخشية
من الإقدام على المخالفة، وتنبيه لها على ما يكفُّها عن الإقدام، وهو استشعار عظمة
الله" اهـ (مجالس التذكير).
عباد الله: "ولا تقتلوا النفس التي حرم
الله إلا بالحق"، هذا قول الله. حرّم
الله، جعل لها حرمة ومنعة، فلا يجوز
التعدّي عليها. وقال تعالى: "وما كان
لمؤمن أن يقتل مؤمنا...إلى قوله:"..
وأعدّ له عذابا عظيما". النساء : 92-93.
قال الألوسي رحمه الله: "وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا"، لأن الإيمان زاجر له عن ذلك، "إلا خطأ"، فإنه ممّالا يكاد
يحترز عنه بالكلية، وقلما يخلو المقاتل عنه. وانتصابه -أي: خطأً- إما على الحال، أي ما كان له أن يقتل مؤمنا في حال من الأحوال
إلا حال الخطأ، أو على أنه مفعول له، أي ما كان له أن يقتله لعلة من العلل إلا
للخطأ، أو على أنه صفة للمصدر، أي إلا قتلا خطأ، فالاستثناء في جميع ذلك مفرغ، وهو استثناء متصل على ما يفهمه بعض المحققين. ولا يلزم جواز القتل الخطأ شرعا حيث كان المعنى:
أن من شأن المؤمن ألا يقتل إلا خطأ". روح المعاني الجزء الخامس الصفحة112.
وقال السيد قطب رحمه
الله في ظلال القرآن، هاتان الآيتان: "تتناول أربع حالات من الأحكام. ثلاث
منها من حالات القتل الخطأ، وهو الأمر المحتمل وقوعه بين المسلمين في دار واحدة –
دار الإسلام - أوفي ديار مختلفة بين شتى الأقوام،
والحالة الرابعة حالة القتل العمد، وهي التي يستبعد البيان القرآني وقوعها.
فليس من شأنها أن تقع، إذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها، ما يساوي دم مسلم يريقه
مسلم عمداً". ظلال القرآن، الجزء
الثاني الصفحة735.
نعم-
أيها المسلمون – ذلك لأن الإنسان بناء شامخ بناه الله بيده، ونفخ فيه من روحه،
وأسجد له ملائكته المقربون.
لعمري..
إن قتل النفس بغير حق، جريمة ما أشدّ شناعتها؟. كيف يقتل الإنسان أخاه؟. إن الذئب لا يفترس الذئب، إنها دناءة وخسّة. وإلى ذلك أشار القرآن وهو يتحدث عن قصة قابيل
وهابيل، حيث يتبين فيها سمو الحيوان الأعجم، على حطّة الإنسان الوضيع، يوم أن طوّعت "له نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين".
بعد هذا
أقول: ما بال أولئك في قناة "الجزيرة نت" -الموقع الإلكتروني- ظلت منهم
عقولهم، وضاعت طباعهم، ورضوا بأن يكونوا أبواقا ينفخ من خلالها المغرضون، ومطايا يمتطيها الحاقدون، يجرون هذا
الإستبيان؟.
أجب بنعم أولا: هل توافق على تفجيرات القاعدة في
الجزائر؟.
استهانوا بشعورنا، وتهجّموا على كرامتنا، ما راقبوا فينا
إلاًّ ولا رحمة.. لا اله إلا الله.. وإليه المشتكى !.
إن الله
يقول:" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق". فمتى كان حكم الله
يخضع لرأي، أو تعقيب، أو سبر للآراء؟. إن هذا لعمل أخرق، ونشاز ممقوت!.
إقرأوا الآيات الثلاث:(153،152،152) من سورة الأنعام،
وهي تعلم وترشد، وتأمر باسترعاء السمع " قل تعالوا اتل.." . وقد انقسمت
الأحكام فيها إلى ما به إصلاح الحالة الاجتماعية بين الناس، وإلى ما به حفظ نظام
تعامل الناس بعضهم مع بعض، وأخيرا إلى تباع صراط الله المستقيم. وقد ختم كل قسم من هذه الأقسام بالوصاية بقوله
تعالى: "ذلكم وصاكم به" ثلاث
مرات. فالنهي عن الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل الأولاد وقتل النفس، قال
تعالى: "ذلكم وصاكم به لعلكم
تعقلون". وفي قرب مال اليتيم وإيفاء الكيل والميزان والعدل والوفاء بالعهد،
قال تعالى: "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون". لنسأل سؤالا، لماذا في
الأحكام الأولى قال: "لعلكم تعقلون". وفي الثانية قال سبحانه
:"لعلكم تذكرون"؟.
ذلكم ـ يا عباد الله ـ : لأن المحرّمات
المذكورة، قبيحة في العقول، يحتاج في زمّ النفس عنها إلى زاجر من عقل، يدفع الهوى،
لا إلى كتاب أو درس أو رأي أو استبيان، "لعلكم تعقلون"، أي تصيروا ذوي عقول . فملابسة هذه المحرمات
"الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس"، ينبئ عن خساسة عقل، حيث
ينزل ملابسوها منزلة من لا يعقل، فذلك رُجي أن يعقلوا !. فمن لديه أدنى مسكة من عقل، يدرك أن عقوق
الوالدين حرام ، ومن في عقله أثارة من فهم، يدرك أن قتل النفس بغير حق حرام !.
إن نبي الله
موسى عليه وعلى نبينا السلام، ارتعد فزعا، وقال مستنكرا لصاحبه: "أقتلت نفسا زاكية
بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا"؟. الكهف:74. لقد جئت شيئا تنكره العقول
السليمة، والفطر المستقيمة.
فيا
رعاكم الله، وهداني و إياكم للرشاد؛
اعلموا: أنه لا يكمل إيمان المؤِمن، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره لأخيه ما
يكره لنفسه. فاتقوا الله، و راعوا إخوانكم،
واعلموا أننا قلنا ذات يوم: نعم للسّلم والمصالحة، وهذا لا ينازعنا فيه إلا مريض
لم ينقه، أو مغرِض لم يفقه، وأذكركم بقول أحد علماء الجزائر، العالم الرباني سيدي
عبد الرحمن الثعالبي، صاحب تفسير الجواهر الحسان رحمه الله إذ يقول:
إن الجزائر في أحوالهـا عـجب
لا يدوم للنـاس فيها مكروه
ما حل عسرٌ بها أو ضاق متّسع
إلا و يسرٌ من الرحـمن يتلوه
وأنتم- يارعاكم الله- اعلموا أننا
إذا كنا في يوم من الأيام في حاجة إلى التضامن والتعاون والتآخي فيما بيننا، وإلى
تلمّس طريق الهدى والصلاح. فإننا في هذه الفترة أشد ما نكون إلى تلمس ذلك، لنصل
إلى ما نصبوا إليه من الحفاظ على ديننا ووطننا وكرامتنا.
وفقنا الله إلى ذلك. وهدانا سبيل الرشاد، أقول قولي...
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الأمين. صلى
الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم كثيرا
إلى يوم الدين.
أما بعد ؛
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
أناس من جهينة، يقال لهم الحُرُقَات، قال: فأتيت على رجل منهم، فذهبت أطعنه، فقال:
لا إله إلا الله، فطعنته فقتلته. فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك،
فقال: "أقتلته، وقد شهد أن لا إله
إلا الله؟. قلت: يا رسول الله، إنما فعل ذلك تعوّذا، قال: فهلا شققت عن قلبه؟".
متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يشير- بإثبات الياء وهو نفي بمعنى النهي، وجاء بغير الياء بلفظ النهي-
أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان أن ينزع في يده، فيقع في حفرة
من النار". متفق عليه.
عباد
الله، إن لم يكن غير هذا.. فكفى..! "فهل من مدّكر"؟. أما الجزائر، فالله يعمرها بدوام الذكر، ويأمنها من كل
مكر، إن شاء الله.
اللهم
أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك. ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك.
ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا
واهدنا سبل السلام. اللهم هيئ لأبناء وبنات الجزائر أمرا رشدا، اللهم ردّهم إلى
دينك ردّا جميلا، ومن أرادنا وأرادهم بسوء، فردّ كيده في نحره يا رب العالمين،
اللهم ووفق وليّ أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا ذا
الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل
اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق