الموضوع: ماذا حلّ بك أيها العراق الحبيب؟
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، لا يحمد على مكروه
سواه، سبحانه امتحن عباده بالشدائد ومصائب الحياة، حتى يعلم المجاهدين منهم
والصابرين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع
الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أدى الرسالة، وبلغ
الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد روى أبو داود في سننه، والإمام
أحمد في مسنده، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "يوشك الأمم أن
تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: أَمِن قِلَّة نحن يومئذ؟،
قال: بل أنتم يومئذ كثير. ولكنّكم غثاء
كغثاء السبيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم
الوهن. فقال قائل: وما الوهن؟. قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
أيها
المسلمون: هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم، يحذّرنا أشد التحذير، ويبيّن لنا
خطر ما يخشاه علينا. أن نكون يوما كثرة عددية لا قيمة لها ولا قوام.
وما يعيشه العالم الإسلامي اليوم من مأساة إنسانية، ليست
هي الأولى في حياة المسلمين، وعلام يبدو أنها لم تكن الأخيرة ؟. فالمسلمون
مستهدفون في كل زمان ومكان، والإسلام سيظل مستهدفا من أعدائه طالما ظل المسلمون
متفرقون ومتخاذلون.
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، على ما يحدث هذه
الأيام من غزو مسلح على إخواننا في العراق، وتدمير لبلادهم وسفك لدمائهم، وقبل
ذلك وبعده، ما يحدث من حرب لدينهم وعقيدتهم الإسلامية، إن هذا لأمرٌ تتصدّع من
هوله القلوب، وتنفطر منه الأفئدة الحية، وسط تخاذل مؤسف من أمة قوامها، مليار مسلم
بل يزيدون.
ها هي ذي
أمريكا، تنتهز الفرصة التي هيأتها هي، وقامت بحشد قوى العالم، وتجميع آليات هائلة
لغزو العراق وتأديب (صدّام). جحافل للشرّ مدججة بأسلحة فتاكة، وأدوات للتدمير
الشامل، باتت تعيث في عاصمة "الرشيد"، تقتل من تشاء، وتهتك أعراض من
تشاء، من غير هوادة أو رحمة. لم تراع شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا، تحول ليل
العراق إلى نهار. بفعل القصف والنيران، وتحول نهارهم إلى ليل بفعل الهدم والدخان،
تشتت أهل العراق، محنة مفجعة، وكارثة مروعة، تتعالى في جنباتها صرخات المستضعفين،
وصيحات المستنجدين، التي لا تجد من يجيبها سوى دويّ الإنفجارات، وتتابع الصواريخ
والطلقات.
وكان ما كان ..،
كانت هناك حياة وحضارة، وكانت هناك
ديار عامرة، كان هناك أناس يلقون الحياة بيسر وسهولة، ومنهم من يصارع لأواءها،
ويغالب عسيرها. لكنهم جميعا وقفوا – كما وقفنا- مدهوشين، فجأة، انتهى كل شيء،
وتوقف كل شيء!.
أيها
العراق الحبيب ماذا دهاك؟. وأي كارثة هذه التي حلّت بك؟. فأحالت الديار يبابا، والعمار خرابا، والنظام
فوضى، والوحدة شيعا وأحزابا!.
أيها
العراق :لقد آلمنا ما آلمك، وأحزننا ما حل
بك، كيف لا نتألم والمسلمون جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
بالسهر والحمى؟. والعراق عضو عزيز من هذا الجسد، زعزعته النكباء .
إن ما حل بك
أيها العراق الحبيب- نذير من نُذُر الله-، وصيحة من صيحات الحق فينا، فهل
من مدّكر. "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد". ق:37.
أيها المسلمون: إن أمتنا اليوم تمتحن في
إيمانها بربها امتحانا شديدا، وتمتحن في قوة شخصيتها وصلابتها وتماسكها، ولقد سمعت
كما سمع غيري من يقول: كيف يصيبنا ما أصابنا ونحن مسلمون؟. وكيف تنتصر أمريكا على
العراق؟.
أقول:
كيف انتصر المشركون في غزوة أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونالوا منه
وجرحوه، وقتلوا من أجلاء الصحابة سبعين، ومثلوا بعمه حمزة شرّ تمثيل؟. هل يمكن أن
يتسرب أيّ شك في إيمان الرسول وصحابته؟. هل يمكن أن يقال: إن الله حابى المشركين
على حساب الرسول والمؤمنين، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، إن الذي يمكن أن يقال
فيسمع، هو أن الحرب تحتاج إلى الإيمان مع إعداد الخطط، والإلتزام التام بكل ما
تقتضيه الحرب، لقد كانت الهزيمة بسبب أن بعض المسلمين خالفوا النظام الذي وضعه
الرسول صلى الله عليه وسلم لهم .
فلو أجمع المسلمون
أمرهم، ووحّدوا مناهجهم، واتخذوا من القرآن والسنة النبوية منهاج عمل، والنبي صلى
الله عليه و سلم خير أسوة وقدوة، وأعظم قائد وزعيم، وأخلصوا لله عملهم، وتحابوا
فيما بينهم، وجندوا أنفسهم وأموالهم لله، فإن الله قد تكفل بنصرهم وترجيح كفتهم، حيث قال سبحانه: "إن الله
يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم
ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير".
فاتقوا
الله عباد الله، والتمسوا النجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة بإتباع أوامر الله،
واجتناب معصية الله، تكونوا في رعاية الله.
أدعــــــــــــوك يا ربـّي فرّج مصيبتنــا يا كاشف
الضر فاض الليل بالفحم
يا ربّ وحّد صفوف المسلمين على درب الهـدى أمــة خفاقة العلـــم
لاهُمّ وانصر جهاد الصادقين كما
نصرت قبل دعاة الحق في الأمــــم
وأخـتم القول بالتسبيـح مبتـــــهـلا
لاهـُمّ صل على المختار من قدم
آمين. أقول قولي هذا، وأستغفر
الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله إيمانا بقدر الله، والحمد لله
صبرا على قضاء الله، والحمد لله شكرا على لطف الله، قضى وقدّر ولطف، له الحمد في
الأولى والآخرة. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: في حديث صحيح طويل: ".. إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه
أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم من شرّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه
جعل الله عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة فيرقق
بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة
فيقول: المؤمن هذه.. هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته
وهو يؤمن بالله واليوم الآخر..". رواه مسلم.
أيها المسلمون: ليس بعد
هذا البيان النبوي لواعظ أن يقول شيئا.
فاللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك،
والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم
أعزّ الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين،
ودمّر اليهود وأعوانهم من المستعمرين المفسدين، وألف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم
وأصلح قادتهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم واكشف عن أهل العراق
هذا المصاب، وأنزل رحمتك وسكينتك وغوثك عليهم، حتى تقرّ العيون وتهدأ النفوس،
اللهم اجمع كلمتهم، ووحّد صفهم، وارفع مقتك وغضبك عنا وعنهم يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك شكر النعمة ودخول الجنة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر
ما تعلم، ونستغفرك من كل ما تعلم، إنك أنت علام الغيوب. اللهم آمنا في أوطاننا
وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، ربنا
ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق