19 يونيو 2012


الموضوع: بمناسبة غزو العراق
 الخطبة الأولى
               الحمد لله رب العالمين، كتب العزة للمؤمنين، أحمده سبحانه ينصر حزبه، ويعز جنده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده، وأخمد بسيف الحق عدوان المعتدين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين.
         أما بعد ، فقد قال تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين". آل عمران:140. وقال تعالى: "ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين".البقرة:251.
    عباد الله: المدافعة بين الإسلام والكفر ضرورية لحياة الشعوب وبقائها، وكل شعب فقد هذا الدواء على مرّ التاريخ، فقد الحياة ولا محالة، ولن يخلو زمان أو مكان من معركة للحق مع الباطل. وخاصة في أعقاب الزمان على أيدي الطغاة المفسدين، ويسمع المؤمنون بإخبار المعذبين من إخوانهم ما يتفطر له الحجر الصلد. و ما العراق عنا ببعيد؟.
إن المؤمن الصادق، لا يمل الحديث عن العراق، لأنه اليوم نقطة الارتكاز في ميدان الجهاد الإسلامي، وقضيته حديث القضايا الإسلامية، وساحته محطة امتحان وكشف لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم، بل كيف يستطيع المؤمن أن يهنأ ويترفه بطعامه وشرابه؟. بل كيف يدلّل صبيانه وبناته، وكيف يضاحك أهله ويمازح عياله؟. وهو يرى في العراق صبية مثل عياله برآء ما جنو  ذنبا، أطهارا ما كسبت أيديهم إثما، يبكون من الحيف، ويتلمّظون من الجوع، سقوفهم قد وكفت، وجدرانهم قد نزّت، وغرفهم اسّاقطت، وامتلأت الساحات جثثا وهاما، واختبأ المستضعفون في البيوت، وما تكاد تمنع عنهم بردا ولا غبارا، وكذلك يفعل الظالم المستبد بالضعفاء،".. إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين". (القصص:4). وعلام هذا كله؟. ولأي شيء تخفر الذمم؟. ويحل الحرب محل السلام؟.
 لا لشيء، سوى الإستئثار واحتقار الضعيف، والتوسع في الاستعمار."ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون". إبراهيم:42.
     والقرآن - يا عباد الله - يعطي الإنسان درسا لا يجحده، لأنه مأخوذ من صميم الحياة ولباب الواقع المتكرر، يقول تعالى: "و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا". النساء:9).  إن القرآن هنا يمس شغاف القلوب، ويهزّ أوتارها، ويدفع الناس دفعا إلى تصور ذريتهم الضعيفة، تنهشهم أفاعي البشر، وتفتك بهم ذئاب الكفر، فقد تدور عليهم رحى الأيام ، والأيام قُلّب، فيصبحون لا حول لهم ولا قوة، يطمع فيهم الطامع،  وما من نصير لهم أو مدافع ، والجزاء من جنس العمل.
وكم لله في خلقه من آية؟، وكم له في حوادث الكون من عبرة؟. عرفها المتبصرون وغفل عنها الجاحدون..
            هذه الجزائر التي بدد الاستعمار شملها، واضطهد أهلها، ودكّ أركانها وقضى على استقلالها. لما فطنت إلى أن القضاء عليها، إنما كان لتخاذل أفرادها، وانتشار الجهل بين أبنائها، وتهاونها بتعاليم دينها، أخذت توثق عرى وحدتها، وتعدّ ما استطاعت من قوة، ونفوس قوية، وضرعت إلى ربها أن يعيد لها استقلالها ويرجع لها مكانتها. وهبها قوة من قوته، وأمدّها بجنده، فطهرت أرضها من أرجاس الاستعمار، وكذلك ينصر الله المجاهدين، فلا يثبطنّكم – أيها العراقيون- ما ترون من قوة، وما تلقون من اضطهاد، وما تسمعون عن جيوش ومعدّات، فإن لله جندا لا يغلب ، وأسطولا  لا يقهر.
 قد يخطئ من يظن أن هزائم المسلمين في عصرهم الحاضر، كانت بدعا في التاريخ الطويل، كلا، فالأمر ليس كذلك، بل إن أمر المسلمين قد يعلو تارة ويهبط أخرى بقدر قربهم من ربهم، فمعركة الإسلام مع الكفر ليست وليدة اليوم، وإنما فصول يقصها القرآن وترويها السنة في أدوار مختلفة، غير أن النور الذي حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيء للدنيا، لن ينطفئ أبدا، بل هو باق خالد في أيدي المسلمين، يحملونه إلى البشرية، يضيء الدنيا مرة أخرى بأمر الله، قال رسول صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". رواه البخاري.
لكن الواجب علينا، وعلى المسلمين عامة، أن يبحثوا في كل مظنّة ضعف عن سبب قوة، ولو أخلصنا في تلمّس ذلك وتطلبه لصار الضعف قوة، لأن الضعف قد ينطوي على قوة مستورة يؤيدها الله بعنايته ورعايته، فإذا قوة الضعف تهدّ الجبال وتحير الألباب. "ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما"، (الفتح:7). سمع معاوية رضي الله عنه أن رجلا من أعدائه شرب عسلا فيه سمّ فمات، فقال رضي الله عنه: "إن الله جنودا منها العسل".
      وبعد،  أيها المسلمون: إننا في هذا اليوم نذكر إخواننا العراقيين، الذين يبتلون في سبيل حريتهم واستقلالهم، ويبدون من الصبر والثبات والشجاعة ما هو جدير بأمثالهم، ولا يسعنا إلا أن نعلن عن تضامننا معهم، ونضم أصواتنا إلى أصواتهم، ونرفع احتجاجنا ضد أعدائهم، ونسأل الله أن ينصرهم ويثبت أقدامهم، ويكلل بالنجاح  أعمالهم، أنه على كل شيء قدير.
أقول قولي ..

 الخطبة الثانية
      الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله الأمين، صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين.
      أما بعد، فاتقوا الله عباد الله،  واعلموا أننا بحمد الله نعيش في منجاة من القتال وأهواله، والحروب  وبلاياها، ومالنا عدوّ يحاربنا، وما عدوّنا إلا من يحارب إخواننا في الملة والدين، والذي ينبغي علينا وعلى المسلمين عامة، أن يقفوا مع إخوانهم المستضعفين ويكونوا لهم سندا وعونا، ويديموا اللجوء إلى الله، ويتخذوا من الذكر والدعاء خير عون لبلوغ الآمال، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في فتح القسطنطينية: "فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم، قالوا: " لا إله إلا الله والله اكبر" ، فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: "لا إله إلا الله والله أكبر" فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة "لا إله إلا الله والله اكبر" فيفرّج لهم، فيدخلوها فيغنموا" . الحديث رواه مسلم في صحيحه. 
    هذا. وصلوا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة عليه، فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم أنزل نصرك على إخواننا في فلسطين والعراق، وأنزل باسك ورجزك على الظالمين اليهود والأمريكان وأعوانهم. اللهم اشدد وطأتك عليهم ، واجعل كيدهم في نحورهم يا رب العالمين ، ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم وفرّج همّ المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق