19 يونيو 2012


 
الموضوع: التضامن مع ضحايا الزلزال
الخطبة الأولى
     الحمد لله رب العالمين، بمعونته نستمدّ، وعلى حوله وقوته نعتمدّ، يقضي بما يشاء و يفعل ما يريد. "وربك يخلق ما يشاء ويختار". النمل:68. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، سبق بالآجال علمه، ونفذت فيها إرادته،"الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار". الرعد:8 . وأشـهد أن سيدنا محمدا عبده  ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين. اللهم صل وسلم وبارك علـيه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
      أما بعد، فيا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله، اتقوه حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي، فإن أقدامكم على النار لا تقوى،  واعلموا أن القضاء والقدر بيد الله، فالمؤمن إذا نزل به ما يكره فوّض الأمر إلى الله، وقرأ قوله تعالى: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يــؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم". التغابن:11. وإذا ابتلي بشيء في نفسه أو ماله أو أهله أو أحبّائه، علم أنه لا يملك ردّ القضاء، و كل حادث يتغيـر ويـزول، وتلك هي طبيعة الحياة.
                       ثمـانـية لابـد منها على الفــــتى            و لابـد أن تـجـرى عليه الثمانية
                       سرورٌ و همٌّ و اجتماع و فرقة           و يـسر و عسـر ثم سقم و عافية
   أيها المسلمون: إن الحياة بطولها وعرضها ملآى بالضوائق والمشقات، محفوفة بالمكاره، ومحاطة بالمتاعب، خليطٌ من الحزن والفرح، والقوة والضعف والغنى والفقر، تتناوب الإنسان فيها متناقضاتها، فيرى نفسه أمام سلسلة من الآلام، لا تقف عند حدّ ولا تنهى عند غاية.
   وما الزلزال العقام، الذي فاجأ إخواننا في " الجزائر وبومرداس"، وهم وادِعون،  وفي جدّهم ولهوهم مطمئنون، لقد فتحوا عيونهم على فزع القيامة، فخرج منهم من بقيت له في كتاب العمر صفحات. حاسر الرأس، حافي القدم، يحسب أن القيامة قامت،  وأنه بعث من قبره ليساق إلى حشره.  وحطمت الكارثة منهم من ختم له كتاب العمر، ومن كان صـبيا في مهده، أو رضـيعا في حضن أمه، أو خطيبا ينتظر ليلة عرسه، وبقي متأرجحا بين الحياة والموت قسم اكتضّت بهم المستشفيات، والذين لم تمسهم الكارثة بأذى لم يسلموا من البلاء، بقوا خارج البيوت. يلاقون العنت والجهد في الظفر بالقوت،  لا يستطيعون إلى البيوت رجوعا ولو هلكوا جوعا.  لأن الزلزال ما زال يتعهد البيوت بالطروق بعد الطروق، على ما بهذه المنازل من صدوع و شقوق.
و تلك هي إرادة الله، ولا رادّ لقضائه، أراد سبحانه أن لا تسير الحياة على وتيرة  واحدة أو نظام رتيب، وما هذا إلا عنوان حبّ الحق سبحانه تبارك وتعالى لعبده، لأنه إمّا أن يكون طائعا فتحطّ خطاياه، أو ترفع له درجاته، وإمّا أن يكون عاصيا منصرفا عن خالقه، فيمسّه الضرّ ليفيق من غفلته، ويلتجئ إلى المولى سبحانه داعيا أن يكشف عنه ما به من ضرّ، ويزيل ما حاق به من كرب، يرفع يديه إلى السماء في خشوع وخضوع، متذكرا رحمة مولاه قائلا : "يا رب .. يا رب". فيجيبه الحق سبحانه و تعالى: " لبيك عبدي..." لأن المولى سبحانه يحب أن يضرَع إلـيـه عبده بالدعاء والرجاء، فيتحقق بذلك جلال الربوبية وخضوع العبودية، وصدق من لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه إذ يقول: "إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه، فإذا صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه". وروى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله: "إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر،  ومن جزع فله الجزع".
    فلا يظننّ عاقل أن هذه الشدائد والبلايا نقم، بل هي منح من الله ونعم، فإنها تكوّن النفوس الكبيرة ، وتورث الأخلاق الحميدة، و تربـي أجـيال المستقـبل، وتصنع للأمم أساسات متينة تبنى عليها مجدها وعزها، ثم ليعلم الناس أنه لا غُنية لبعضهم عن البعض، الفقير في حاجة لمال الغني، والغني مضطرّ لعمل الفقــير،  والإبتلاءات والمصائب توجب على الكل التعاون والتكافل والتآزر.      ن في الجزائر و بومرداس، و هم وادعون و في جدهم و لهوهم مطمؤنون، لقد فتحوا عيونهم على فزع القيامة، فخرج من         
   الناس للناس من بدو وحاضر.. بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
   أيها الناس: إن عيون الجميع متجهة إلى هناك، إلى ذلك الجزء من وطننا الذي استحال حطاما، وعاد أنقاضا، وقلوب الجميع كلها مشدودة. لترى تلك الفلول الباقية من تعساء الإنسانية التائهة في بيداء هذه الحياة التافهة، وما هذا إلا امتحان جديد لإيماننا وغيرتنا.
   فبرهنوا – أيها المسلمون- على إيمانكم، وحققوا معنى الأخوة الإسلامية بالتضامن العملي، فليس من الإخوة في شيء أن تسعد وأخوك حزين، أو أن تشبع وأخوك جائع، لأن الإسلام دين عملي واقعي، جاء ليحقق معنى التكافل الإجتماعي الصـحيح ، فـيا عبـد الله ، إذا رجعـت إلـى بـيتك، فاذكر الذين لم يعد لهم بيت، وإذا رأيت أولادك، فاذكر الذين فقدوا أولادهم، وإذا رأيت زوجتك وبناتك فاذكر الذين فقدوا زوجاتهم وبناتهم. وإذا كان لك إيمان، فاذكر قول رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي آمنت به: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، رواه البخاري.
   عباد الله : وإن كنت في مقامي هذا أسجل تحيّة إعزاز وإكبار لذلـك الـجهـد وهذا التضامن الذي قام به شعبنا مع إخوانهم في محنتهم،حتى قال ممثل الأمم المتحدة في الجزائر السيد باولُو لُومبر: :لم أشهد طيلة خبرتي المهنية مستوى من التضامن مـع منكـوبي أيـة كارثة ، مثلما وقفت عليه هذه المرة في المواقع المتضررة".
    أقول: ومن أولى من المسلمين بأن يكونوا كذلك، متضامنين متعاونين ونبيهم الحريص على سعادتهم يقول: " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا"؟. متفق عليه.
     فبارك الله جهد الجميع. ووفقنا للتضامن مع إخواننا في محنتهم، ورحم الله شهداء هذه الكارثة، وفرّج كرب المكروبين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير. أقول قولي.
الخطبة الثانية 
     الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنّ تقوى الله دار حصن عزيز، تمنع أهلها، وتحرز من لجأ إليها، فهي النجاة غدا، والمنجاة أبدا، فاتقوا الله واعبدوه واسجدوا له وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وشمّروا عن سواعد الإنفاق  للـتضامن مع إخوانكم، واعلموا أن النعم لا تدوم، وإن مع اليوم غدا،  وإن بعد الحياة موتــــا، وإن بعد الموت لحسابا. وإنما أموالكم عوان  وأمانات عندكم، استودعكم الله إياها ابتلاء وامتحانا لينظر كيف تعملون.
     فأنفقوا مما رزقكم الله واذكروا إخوانا لكم عضتهم النوائب، وأثقلت كواهلهم المـصائب، اذكروا إخوانكم في "الجزائر وبومرداس". واسوهم بالقليل من أمــوالكم، ولا يحقرنّ أحدكم من المعروف شيئا، أسعفوهم بالعيش الرخيّ،  والثوب الرضيّ ، و كونوا عونا لهم في الشدة، وعضدا في المحنة. فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
     اللهم وفقنا لصالح الأعمال والأقوال، وفرّج همّ المهمومين وكرب المكروبين، وارفع غضبك عنا ولا تسلط عليـنا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، واغفر اللهم ذنوبنا إنك خير الغافرين. اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، ووفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، التي ترشده إلى الخير وتعينه عليه يا ذا الجلال والإكرام. ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حـسـنة و في الآخرة حـسـنة وقـنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق