07 فبراير 2021

 الموضوع: التلقيح ضد كورونا فرار من قدر الله بقدر من الله إلى قدر الله..
الخطبة الأولى
 
    الحمد لله، آوى مَنْ إلى لطفه أوَى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه مَنْ يئس من أسقامه الطب والدوا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتَّبَعَه كان على الهدى، ومَنْ عصاه ضلَّ وفي خزيِ الغوايةِ هوى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً تبقى وسلامًا يتوالى.
   أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقواه؛ فبالتقوى تجلب الخيرات وتستدفع المكروهات وينال الإنسان بذلك سعادة الدارين، قال تعالى: "وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون". واعلموا أن الله -تعالى- بمنه وكرمه وإحسانه وحكمته جعل لكل مرض يصيب المؤمن دواء، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق 
 فيما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ". وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله : "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أَُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ".

   أيها المسلمون: من هذين الحديثين يتبين لنا أمران: أولهما: أن الله سبحانه وتعالى هو المقدّر لكل شيء وإليه يرجع كل شيء وهو المتصرف في عباده وقادر على أن يختبرهم فينزّل بهم الداء والمرض وذلك بقدرته عزّ وجلّوالأمر الثاني: أن هذا الداء الذي نزل والمرض الذي حلّ بالإنسان، له دواؤه، وله علاجه، والله هو الشافي.
قال ابن القيم رحمه الله: "وفي قوله : "لكل داء دواء" تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء وبَرَدَ من حَرارة اليأس وانفتح له باب الرجاء، وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه"
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن في هذا الحديث ملمحين:
الملمح الأول: تقوية لنفس المريض، حيث يطمئن ولا ييأس لأنه يعلم أن لدائه دواء، وبهذا تطييبُ نفسه ويزول عنه الحزن عنه، فكم صحيحٍ مات من غير مرَض، وكم من مريضٍ عافاه الله وعاش دهرًا بعد مرَضِه!
الملمح الثاني: تقوية لنفس الطبيب، وحثٌّ على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فهذا المرض الذي أعياكم له دواء ابحثوا عنه.. فجميع الأﺩﻭﺍﺀ ﻟﻬﺎ ﺃﺩﻭﻳﺔ، فينبغي ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ. قال الشيخ السعدي في بهجة قلوب الأبرار، عند شرح حديث أبي هريرة السابق: "عموم هذا الحديث يقتضي: أن جميع الأمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها، تدفع ما لم ينزل، وترفع ما نزل بالكلية أو تخففه. وفي هذا: الترغيب في تعلم طب الأبدان"...ا.هـ
   ولا يظن ظانّ أن الأخذ بالأسباب واستعمال الدواء واللقاح للتخلص من الأمراض ردّ لقضاء الله وقدره، بل إن ذلك كله من قضاء الله وقدره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أرأيتَ رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «هي من قدر الله» رواه أحمد والترمذي. فالحمد لله الذي لكل داء دواء، ولكل أزمة مخرج، وبمعرفة الأسباب يمكن استنتاج الحلول لمواجهة ما يعترض الأفراد والمجتمعات من أزمات، والتعامل معها بكل جدية وحذر، والخروج الآمن من آثارها، وهذه الحلول لا تخص أزمة دون أخرى، بل هي شاملة لكل أنواع الابتلاءات..
    هذا.. وإن من البشارات السارة والنعم المتجددة ما يسره الله من اكتشاف اللقاحات النافعة لمرض كورونا المستجد، وقد خضعت هذه اللقاحات التي وافقت منظمة الصحة العالمية على استخدامها لاختبارات وتجارب سريرية صارمة للتأكد من أنها آمنة وفعالة، وهناك العديد من اللقاحات المرشحة الواعدة في طور الإعداد، وبعضها قيد المراجعة للموافقة عليها، والله يُري عباده في الابتلاء قوته وقدرته، كما يريهم في الدواء والشفاء لطفه ورحمته.
    عباد الله: والمسلم الذي يعرف عقيدته يعلم بأنه يجب عليه الأخذ من الأسباب الشرعية ما يواجه به القدر من القدر، وهكذا قال عمر رضي الله عنه: "نفر من قدر الله إلى قدر الله، وندفع قدر الله بقدر الله"، فكورونا قدر من الله والتلقيح قدر من الله، وهكذا نفر بقدر الله من قدر الله إلى قدر الله في قدر الله، ونحن تحت سلطانه ومشيئته وإرادته سبحانه وتعالى.. قال الفقهاء: "إن استعمال الدواء المقطوع بفائدته بإخبار الأطباء لعلاج مرض يقعد المريض عن القيام بواجباته تجاه الله وتجاه الناس، أو مرض يودي بحياته أو بعضوٍ من أعضائه، واجب ديني يرقى إلى مستوى الفرض".
    ولكن على الرغم من هذه الأجواء المتفائلة التي يعيشها العالم للخروج من هذه الجائحة، إلا أن الخبراء لا زالوا يشدّدون على أهمية مواصلة تطبيق إجراءات الحماية مثل التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي ووضع الكمامة لوقف انتقال العدوى وجعل ذلك جزء من نمط حياة جديد على المجتمع أن يتبناه كممارسة صحية للوقاية والنجاة في زمن كثرت فيه الأمراض وعزت فيه وسائل العلاج. فالأصل في الوقاية أنها مرحلة استباقية تحفظية لمنع وصول الداء إلى الجسد في الابتداء، فهي خط الدفاع الأول ضد المرض، فإذا وصل الداء للجسد كان العلاج هو خط الدفاع الثاني، ولذلك كانت الوقاية مقدمة على العلاج، لأنها آمن منه خطرا، وأيسر تبعة، وأقل تكلفة، فتحفظ بذلك على الإنسان جهده وصحته وماله، وتحفظ على المجتمع ما يمكن أن يتحمله من تبعات المرض وآثار تطبيبه وتكاليف علاجه.
  نسأل الله العافية لنا ولكم والشفاء لجميع المرضى، ونسأله خير هذا للقاح وخير ما صنع له، ونعوذ به من شره، وشر ما صنع له، وأن يقوي عزائم الجهات الوصية على عمل الخير وخير العمل.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
 
الخطبة الثانية
   الحمد لله الذي متعنا بنعمة العافية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله ربه بخيري الدنيا والآخرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
   أما بعد، عباد الله: اعلموا أن واهب الحياة ومقدّر الموت، هو ربنا وهو الذي وهب لنا الصحة وابتلانا بالمرض ليختبرنا لأجل مسمى، ولا ينبغي أن يصيبنا الهلع بسبب الإصابة بالمرض والتسليم، فهذه سنة الحياة في دار الرحيل والفناء..
و: من لم يمت بـ"كورونا" مات بغيره * تعددت الأسباب والموت واحد
    فاتقوا الله تعالى في السراء والضراء، وتعرفوا إليه في الرخاء يعرفكم في الشدة، واعلموا أنكم فقراء إليه دائماً وأبداً لا تستغنون عنه طرفة عين، فالقوي منكم لا يغتر بقوته، والضعيف منكم لا ييأس من رحمته كما قال الخليل عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80] وكما قال أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83] فعلقوا آمالكم به وتوكلوا عليه فهو نعم الوكيل.
 أسأل الله العظيم أن يمن علينا وعليك بالعافية، وأن يمنحنا جميعاً صحة الأبدان وسلامتها من الأمراض الباطنة والظاهرة، وأن يجعلنا جميعاً ممن إذا أُنعِم عليهم شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا. كما أسأله جل في علاه أن يُعافي كل مُبتلى، وأن يشفي كل مريض، وأن يرحم كل ميت من أموات المسلمين، إنه وليُ ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق